شارك الخبر

يقضي المشروع الصهيوني بأن تخلص فلسطين لليهود وهذا في زعمهم استرداد فلسطين التي كانت في حوزة اليهود وقد تحايل المشروع الصهيوني على العالم ولكنه لم يجد صعوبة في اقناع الغرب بنظريته لأن هناك مصلحة مشتركة بين الغرب وإسرائيل وهي تخلص الغرب من اليهود الذين أفسدوا مجتمعاتهم وصورها شكسبير في رائعته في القرن السادس عشر تاجر البندقية، وفي نفس الوقت يساعد الغرب كطرف في حل المشكلة على حساب شعب آخر وهو الشعب الفلسطيني ولذلك كان قبول الغرب بحل الدولتين إما تنازلاً من جانب الغرب وإما تدليساً على العالم وأولهم الشعب الفلسطيني حيث كان شعار حل الدولتين لا يتفق مع الدولة اليهودية الخالصة في فلسطين وقد أشار اليهود عدة مرات إلى ذلك دون أن يتنبه العرب أو تنبهوا ولكن الحكام منهم كان لهم مصلحة في إغماض العين عن المشروع، أما كيف تمكن الغرب من خلق مصالح شخصية للحكام لكي يتحد مصير إسرائيل والحكام.

وقد أدى طوفان الأقصى منذ بدايته إلى الفخر بانتصار المقاومة غير المسبوق على هذا العدو ولكن ما إن انتهى الأسبوع الأول حتى استردت إسرائيل وعيها من الصدمة وقررت بلا هوادة الحل السعيد والنهائي وهو التخلص من الفلسطينيين في غزة لأن غزة لها مكانة خاصة في العقل الإسرائيلى فهي التى نشأت فيها المقاومة التي اضطرت اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل وأصبحت هي الجزء الوحيد المحرر وأرادت إسرائيل منذ عام 2006 أن ينتهي الأمر إلى حكم حماس حتى يكون ذلك ذريعة للصراع مع السلطة الفلسطينية في رام الله وللأسف أنضمت هذه السلطة إلى الحكام العرب بالتآمر على القضية الفلسطينية وكان يجب على السلطة أن تدرك أن إسرائيل تريد التخلص من العرق الفلسطيني وإدخاله إلى متحف التاريخ مع الأعراق البائدة فانضمت السلطة إلى إسرائيل والغرب ضد المقاومة وزعمت السلطة أن تصديها للمقاومة أساسه التزامها باتفاق أوسلو وهي تعتقد لظروف خاصة بها أنها نشأت على هذا الاتفاق علماً بأن الاتفاق بطل لعدم تنفيذه لخمس سنوات حسب النص على ذلك في الاتفاق نفسه ولم يدرك الفلسطينييون أن هذا الاتفاق كان محطة من محطات المشروع الصهيوني جلبت ياسر عرفات إلى رام الله عام 1994 ثم اغتالته عام 2005 ولم يتحرك أي من الحكام العرب المجتمعون في قمة بيروت عام 2002 لتأمين خروجه والمشاركة في القمة بل ولم تذكر هذه القمة شيئاً عن اعتقال عرفات في محبسه في رام الله – المقاطعة لأن كل الحكام العرب متعاونين مع إسرائيل وموجهين لتصفية القضية رغم أنهم يكررون ببلاهة شعار القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى.

ولما قررت إسرائيل إفناء غزة فكرت أنها لا يمكن أن تفني اثنين مليون ونصف مليون إنسان وإنما تستطيع أن تجعل غزة مقبرة جماعية لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين ولذلك فكرت منذ البداية ضمن خطتها للاستيلاء على سيناء ووجدت أن إبادة غزة فرصة لاستكمال مشروعها وأن مصر تورطت حكوماتها فى سوء الإدارة التى أدت إلى أزمة اقتصادية خانقة غير مسبوقة في تاريخ مصر كله وأن الإدمان على القروض قد أدى إلى توريط الحكومة وليست الدولة المصرية بالأعباء المترتبة على الديون واعتقد أن الديون والقروض طلبت لهذا اليوم لكي تكون جزءاً من الخطة بدليل أن كل العروض التي قدمها الغرب تركز على الفوائد التي تجنيها الحكومة وليس مصر ودائماً أتحدث عن الحكومة وليس مصر لأن مصر الأرض والشعب لا توافقان على ذلك وأن الشعب المصري يرفض الإذلال كما يرفض الفساد وسوء الإدارة وكذلك بيع أرضه لستر عورة الحكومة.

وقد عرض الغرب وإسرائيل إسقاط الديون والتكفل بالمبالغ التي تعتبر مكافأة للحكومة المصرية شخصياً وتقدر بمليارات الدولارات لأن القضية تتعلق بشراء وطن أسمه فلسطين وشراء جزء كبير من سيناء واستغلت إسرائيل والغرب مسالمة الحكومة المصرية مسالمة مريبة تحت ستار العقل والحكمة. وبالإضافة إلى الاغراءات المادية للحكومة قدم هذا المعسكر حججاً نظرية لإقناع الحكومة وإقناع شعبها ولو أجرينا استفتاء بين الشعب المصري الآن حول إسقاط الديون مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء لوافق على ذلك لأن الحكومة منذ عام 1952 أفرغت المواطن من العقل والتفكير يضاف إلى ذلك مجموعة الحجج التي يروجها الموساد بين المصريين.

وقد جمعنا خمسة حجج: الحجة الأولى أن مصر دولة عربية وإسلامية وتقضي العروبة والإسلام والكرم التاريخي المصري مع الشعوب الأخرى أن تستضيف الفلسطينيين وهم في محنة ولم تعلم هذه الشعوب أن الديون خطأ الحكومة وأن إسقاطها مكسب للحكومة وحدها وأن الدولة لا تتحمل المقابل خصوصاً من أرضها ولكن هذه الحكومة لم تعد الأرض مقدسة بالنسبة لها منذ قضية تيران ولذلك فهناك فرق بين صفقة تيران ونقلها إلى ملكية السعودية أي إسرائيل وبين بيع الأصول لكل من السعودية والإمارات فالأصول لم تخرج من مصر إنما يسهل استردادها عن طريق التأميم عندما تحين الظروف المناسبة لذلك.

الحجة الثانية أن مصر تستضيف أكثر من عشرة ملايين من العرب السوريين والليبيين والسودانيين وغيرهم والفرق بين هؤلاء المستضافين وفق هذه الحجة أن الضيوف الفلسطينيين سيتم توطينهم فى مساحة محددة وأن الغرب سيدفع تكاليف التوطين بالإضافة إلى المكافأة الشخصية للحكومة وردي على هذه الحجة أن العشرة ملايين عربي جاؤا إلى مصر في هجرة طوعية بينما تشارك مصر بالنسبة للفلسطينيين في جريمتين:

الأولى، هي جريمة التهجير القسري؛
والثانية، هي التواطؤ على تصفية القضية الفلسطينية.

ويبقى العار على مصر الدولة والشعب خصوصاً وأن الحكومات والنظم تتغير وليس هناك قرار خاطئ خطأً كبيراً يصل إلى مرتبة الجريمة ويتم تحسينه من جانب نظم الحكم التالية وحتى المعاهدات أصبحت قابلة للإبطال في القانون الدولي وفقاً للمادة 62 من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون المعاهدات الخاصة بالتغير الجوهري في الظروف فالعرب جاؤا بهجرة طوعية وسكنوا بطريقة عشوائية أما الفلسطينيون، مصر إذا قبلت تساهم في جريمة تصفية الوطن الفلسطيني لأن كل العرب الأآرين لديهم دول وهجرتهم مؤقتة يعودون إليها عندما تتغير ظروفهم أما الفلسطينييون فلن يعودوا مطلقاً إلى أرضهم التى سيسكنها يهود العالم.

الحجة الثالثة أن المهجرين الفلسطينيين سوف تشترى لهم الأرض كما اشترى اليهود أراضي فلسطين وهذا غير مقبول إذا قبلته الحكومة لأسباب خاصة بها فلن يفرط الشعب المصري في أرضه.

الحجة الرابعة أن السكان فى مصر ينتشرون على 7% فقط من مساحة مصر فمن مصلحة الشعب المصري أن يتم تعمير مساحات أخرى يضاف إلى المساحات المعمرة ولكن المشكلة هي أن المساحات المعمرة سوف تقتطع من مصر وذلك ما لا يمكن أن يقبل به الشعب المصري.

الحجة الخامسة أن غزة كانت تاريخياً تابعة والأقرب لمصر فيجب على مصر أن تكون مركزاً لإغاثة غزة ومعالجة المصابين.

هذا منطق مرفوض لأن إسرائيل أصدرت حكماً جماعياً لإبادة أهل غزة فلايعقل أن مصر وهي تعلم أن الجريح الفلسطيني كانت تتمنى إسرائيل أن يموت ضمن خطة الإبادة لايمكن أن تقبل هذا الدور وهذا الدور ممكن تقبله مصر بشرطين الشرط الأول ألا يكون لدى إسرائيل خطة لإبادة غزة، والشرط الثاني ألا يتم توطين الجرحى كمقدمة لتوطين الفلسطينيين.

يضاف إلى هذه الحجج أن هناك متاعب ستواجهها مصر بسبب التوطين الأول هو أن إسرائيل ستفرض على الفلسطينيين في سيناء تعليماتها مما يعتبر إذلاً لا لمصر حكومة وشعباً.

الثاني أن الفلسطينيين ثوار بطبيعتهم ولن يركنوا إلى الراحة وإنما سيهاجمون إسرائيل من سيناء مما يؤدي إلى الاحتكاك بين مصر وإسرائيل اللهم إلا إذا وقعت الحكومة اتفاقاً لبيع سيناء لليهود يتصرفون فيها كيف يشاؤون.

مصدر الصور: aftershock.news – report.az.

إقرأ أيضاً: اعتراف بالهزيمة.. ما أسباب وقف العملية البرية الإسرائيلية؟

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •