مركز سيتا

انعقاد “منتدى سان بطرسبورغ” الاقتصادي الدولي بمشاركة نخبة من الاقتصاديين والسياسيين، في خطوة تسعى الحكومة الروسية من خلالها إلى كسب ثقة المستثمرين الأجانب. ورغم التوتر الذي يخيم على العلاقات بين روسيا والغرب، إلا أن بعض الشركات الأوروبية باتت مقتنعة بالجدوى الاقتصادية للاستثمار على الأراضي الروسية.

عقد المنتدى الدولي للعام 2021 تحت شعار “معاً مرة أخرى: اقتصاد الواقع الجديد”، بمشاركة عدة دول من بينها فنلندا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسويد بالإضافة إلى عدة دول من أميركا اللاتينية.

حدث واعد

يعد منتدى هذا العام أول حدث تجاري واسع النطاق بعد إجراءات التباعد الاجتماعي التي تم اتخاذها لمكافحة انتشار فيروس “كورونا”، كما يمثل منصة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الروسي، وتشمل فعالياته أعمالاً مختلفة، مثل الطاولة المستديرة، وفعاليات ثقافية؛ حيث شمل المنتدى 150 ندوة نقاشية بين الخبراء لبحث 4 موضوعات رئيسية، هي توحيد الجهود لدفع عجلة التنمية، وتحقيق أهداف التنمية الوطنية، والعامل البشري في الاستجابة للتحديات العالمية، وآفاق تكنولوجية جديدة.

ويشهد المنتدى، الذي ينعقد سنوياً، زيادة في الإقبال من عام إلى عام، ويترافق ذلك مع ارتفاع قيمة الصفقات والعقود التي تبرم في إطاره؛ وعند مقارنة نتائج العام 2021 مع 2019، نرى أن قيمة الصفقات المبرمة صعدت بواقع 529 مليار روبل (حوالي 7.3 مليار دولار)، حيث تم قبل عامين إبرام عقود بقيمة 3.271 تريليون روبل. وبالمقارنة مع ارقام الأعوام الماضية، فقد تم إبرام عقود وصفقات بقيمة 2.625 تريليون روبل العام 2018، وبقيمة 1.818 تريليون روبل العام 2017، وبنحو 1.046 تريليون روبل العام 2016.

السياسة حاضرة

ظهر تداخل السياسة مع الاقتصاد في معظم الملفات التي ناقشها المشاركون، خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي، وبرزت ملفات عديدة كان أبرزها الطاقة، والعقوبات الاقتصادية، وتأثر التجارة الدولية بالأزمات السياسية وجائحة “كورونا”، وكما كانت ملفات الشرق الأوسط حاضرة في جلسات النقاش؛ على سبيل المثال، لا تستبعد الحكومة الروسية عودة حصة إيران من النفط إلى الأسواق هذا الصيف، في حال توقيع اتفاق فيينا.

يأتي ذ لك في وقت تعتقد فيه الخارجية الروسية أن سياسات واشنطن بشأن الاتفاق النووي الإيراني، مثال على نهج أمريكي خاطئ إزاء قضايا دولية عديدة، خاصة وأن موضوع إيران بات ملفاً سياسياً استراتيجياً، فالجميع يدرك أن المناخ الاقتصادي في الشرق الأوسط يتوقف بشكل كبير على تطور العلاقات مع إيران وجوارها.

وبما يتعلق بمسألة العقوبات الاقتصادية، يرى البعص في موسكو بأن للعقوبات الأمريكية شق إيجابي على الاقتصاد الروسي، وهم ينظرون بهذا النحو إلى تدابير واشنطن “العقابية”، في وقت تسعى فيه روسيا إلى جلب مزيد من الاستثمارات والشركاء الاقتصاديين عبر منتدى هذا العام لتلافي الضرر المحدود الذي ألحقته العقوبات بالاقتصاد الروسي، كما أنها دفعت روسيا للتحوّل الكامل نحو الاعتماد على الموارد الداخلية في بعض القطاعات، الأمر الذي انعكس على واقع تخفيض الديون الخارجية، حيث ان هذا الجانب زاد من اهتمام المستثمرين – بمن فيهم الأمريكيين أنفسهم – للتعامل مع الروس.

جلسات حوار بين روسيا وعدد من الدول – منها الغربية – هدفت إلى ترقية التعاون الاقتصادي في ظل تحديات عدة، فيما يبدو أن رسائل موسكو من خلال تنظيم المنتدى، رغم التحديات، تتماثل وفق مراقبين في سعيها لإظهار تغلبها على جائحة “كورونا”، وأنها قادرة على التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات رغم الوضع الجيو – سياسي الدولي المعقّد.

مشاركة عربية

وقعت روسيا وقطر أكثر من 65 اتفاقية في مختلف المجالات، حيث قال وزير التجارة والصناعة القطري، علي أحمد الكواري، إنه “تم توقيع اتفاقات في مختلف المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا والتمويل والرياضة والبنية التحتية والزراعة”، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في الاقتصاد الروسي بلغت حتى الآن مستوى 15 مليار دولار (استثمارات متراكمة خلال الأعوام الماضية)، مضيفاً “فيما يتعلق بالاستثمارات، فإن قطر هي الشريك الدولي الأكبر لروسيا”.

كذلك، وقعّت روسيا ومصر، عبر شركة روس سيتي – ROSSETI، اتفاقية تعاون مع الشركة المصرية “السويدي إلكتيرك” تهدف إلى إقامة تعاون استراتيجي لتطوير مجمعات شبكات الكهرباء في مصر وروسيا ودول أخرى، كما ان الجانبين سينظران في إمكانية العمل المشترك في المشاريع المتعلقة ببناء وتحديث مرافق شبكة الكهرباء في مصر ودول أخرى بما في ذلك مشاريع خطوط نقل الطاقة بين البلدان، وكذلك مخططات توصيل الكهرباء بقدرة توليد عالية، ومن المخطط أيضاً للتعاون في مجالات تطوير وتطبيق التقنيات المبتكرة وإصدار شهادات الترخيص واختبار المعدات الكهربائية.

وأما الإمارات، التي تعتبر شريكاً رئيسياً لروسيا في الخليج، فلقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين حوالي 2.6 مليار في الأعوام الأخيرة، وقال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، عن العلاقات التجارية والاقتصادية بين موسكو وأبو ظبي “إن الإمارات تعتبر شريكاً رئيسياً لروسيا في الخليج، والثانية على مستوى الدول العربية”، كما أشاد بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والإمارات، مشيراص إلى أن هذه العلاقات هي عند “مستويات ممتازة”.

غياب أمريكي

رفضت بعض الشركات الأمريكية المشاركة بالمنتدى الاقتصادي، وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مساعدي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حثوا مديري بعض الشركات الأمريكية على رفض المشاركة في المنتدى الاقتصادي الذي سيعقد في روسيا، احتجاجاً على السياسة الروسية بخصوص الأزمة الأوكرانية، في حين أكد نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي، سيرغي بيلياكوف، أن نحو 15% من الشركات المدعوة للمشاركة في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي رفضوا المشاركة فعلياً فيه.

بدوره، علّق الكرملين على هذا الأمر بالقول إن العديد من الشركات الأمريكية تعرضت لضغوط لحثها على تعليق مشاركتها في المنتدى الدولي، وموسكو تتفهم مسألة رفض هذه الشركات المشاركة، وبنفس الوقت هذا الرفض لن يؤثر أبداً على جدول أعمال الرئيس فلاديمير بوتين في المنتدى.

نتائج المنتدى

• تم إبرام أكثر من 800 اتفاقية بقيمة إجمالية تزيد عن 3 تريليون و860 مليار روبل روسي (حوالي 52 مليار و155 مليون دولار أمريكي)، وهذا “هذا رقم غير مسبوق، وتجاوز العام 2019”.
• بلغ عدد المشاركين في المنتدى هذا العام 13 ألف شخص من 140 دولة، و11 ألف شركة روسية وأجنبية، منها 800 شركة من كبرى المؤسسات.
• سيُعقد على هامش المنتدى، منتدى للأعمال الحرة الصغرى والمتوسطة.
• تقرّر عقد عدة حوارات تجارية، أبرزها بين “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” ورابطة دول جنوب شرق آسيا – آسيان، وحوار روسيا – إفريقيا، وحوار روسيا – أميركا اللاتينية، وحوار روسيا – أميركا الشمالية، إضافة إلى حوارات ثنائية مخصصة بين روسيا وعدد من الدول الأوروبية وبينها فنلندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
• إقامة عدّة فعاليات خاصة على هامش المنتدى، مثل منتدى الاستشارات الإقليمية، والمنتدى الاقتصادي للشباب، ومنتدى الشركات الروسية الصغيرة والمتوسطة السادس، ومنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي للصغار، ومنتدى الأعمال الإبداعية، ومنتدى الأمن الدوائي وغيرها.

من هنا، قال أنطون كوبياكوف، مستشار الرئيس بوتين، أنه في العام 2019، تم توقيع 745 اتفاقية في إطار المنتدى، ما يعكس زيادة نسبة المشاركة رغم الجائحة العالمية، وأفاد بأن منتدى الاستثمار الروسي في سوتشي سيعقد في الفترة من 17 إلى 18 فبراير/شباط 2022، مضيفاً “لقد بدأنا بالفعل العمل على التحضير للذكرى الـ 25 لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الذي نخطط لعقده في أوائل شهر يونيو/حزيران من العام المقبل 2022. تأتي طلبات كثيرة من البلدان التي ترغب في العمل كدول ضيوف، ولن أذكرها حالياً. لدينا عمل كبير وشاق.”

أخيراً، يمكن القول بأن انعقاد المنتدى في ظل الظروف الراهنة هو نجاح روسي إلى حد كبير، حيث أنه سيزيد الإقبال العام والمزاج الدولي للدفع بعجلة الاقتصاد قدماً. لقد كان من الممكن – لولا التردي الاقتصادي العالمي – أن لا يحقق المنتدى الأهداف المرجوة منه، لكن إقامته بحد ذاتها هي استثمار روسي للظروف الحالية، والتي نجح فيها بشكل غير مسبوق، الأمر الذي سيفتح فرصاً واعدة للاستثمارات ويدفع الاقتصاد العالمي نحو تعويض ما فقده أبان الجائحة العالمية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الجزيرة – موقع 24 ساعة.

موضوع ذا صلة: “منتدى سان بطرسبورغ”: نموذج إقتصادي عالمي بدون الدولار؟!