عادت إلى الواجهة سياسة التقارير الامريكية الموجهة وفق حسابات ضيقة غير مؤسسة تدعي فيها تصنيفات سلبية ضد مجتمعات لم يسبق تاريخياً للسياسة الأمريكية وأن انصفتها في أبسط حقوقها، كيف لا وهي تدعم التمييز العنصري ضد الفلسطينيين وتدير ظهرها لكل من ينادي بضرورة وضع حد لما يحدث هناك من تطهير عرقي وإبادة جماعية وكل أصناف الجرائم المنصوص عليها في قانون الإنسانية الذي تستظهر أمريكا بنوده تارة وتخفيها طوراً آخر، تخفيها إذا كان الفاعل أحد حلفائها على غرار الكيان الغاصب المجرم.

خصوصاً إذا كان المفعول فيه أحد المجتمعات العربية، التي أتعبتها السياسة الأمريكية التي تكيل بمكاييل مختلفة لتتحجج بها ضد نفس المجتمعات المستضعفة بمسمى حقوق الإنسان وتعدد الأديان وحرية المثلية وكل ما هو مناف للطبيعة البشرية، إنه جحيم الحضارة المزعومة التي يراد لها أن تعمم على عالم أصابه خلل وشلل كبير في مؤسساته الدولية والسبب الرئيس هي السياسة الأمريكية العرجاء التي عجلت بظهور التطرف والإرهاب وشتت المجتمعات وأدخلتها في حروب لا نهاية لها.

إنها التقارير ذاتها التي مارست بها الولايات المتحدة الأمريكية دور الشرطي الظالم المتشبع بفكر أحادي سلبي ومعادي لكل من يخالفه الرأي، فمتى يتخلص العالم من استعلاء الغرب وعنجهية المعايير المزدوجة التي زعزعت الاستقرار في مختلف ربوع العالم؟ لعل الواقع يؤكد بأن أمريكا لا تحترم إلا من يمتلك القوة العسكرية التي أصبحت الحل الوحيد لحماية المجتمعات من غطرسة الغرب وظلمهم المستمر لغيرهم من الشعوب.

ولعل ما يقع في شرق أوروبا من حرب روسية ضد أوكرانيا خير دليل على تصدع النظام العالمي وسقوط أوراقه المستمدة من نتائج الحرب العالمية الثانية، فهل ستتشابه الظروف الحالية بتجاذبات الحروب العالمية؟ ليستعد العالم لمخرجات جديدة، خصوصاً وأن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لم يتقبل تعدداً في أقطابه بشكل يضمن توازناً عادلاً واستقراراً دائماً.

لأن التقارير التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية في أغلبها لا تستند لمعايير الموضوعية ولا لأسس الدقة المرجوة في التعبير عن واقع الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية لدى غيرها من المجتمعات، أم أن تزامن هذه التقارير يتطابق بالأساس مع موجات الضغط ضد من يدعمون الحق الفلسطيني وكل من لديهم سيادة في مواقفهم تجاه ما يحدث في هذا العالم.

فمتى تتوقف سياسة الضغط الموجه باسم حقوق الإنسان المهدورة بالأساس بسبب الدعم الأمريكي للكيان ضد الحق الفلسطيني؟ على غرار استخدامها لحق النقض “الفيتو” في اجتماعات مجلس الأمن الدولي ضد أي مشروع قرار يطالب الكيان بوقف عدوانه ضد المدنيين العزل في غزة.

ولعل ما ورد في البيان الأخير لكتابة الدولة الأميركية المتعلق بالحرية الدينية في الجزائر جاء متزامناً مع بداية عهدتها في مجلس الأمن بصفتها عضو غير دائم كنوع من الضغوط المقصودة ضد سياستها الخارجية المبنية على أسس وقيم داعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: كيف حولت الولايات المتحدة قضايا حقوق الإنسان إلى أداة لفرض إرادتها؟

أ.د عمار إبراهيمية

كاتب وباحث – الجزائر