يعتبر موضوع الحرب والسلم من المواضيع الأصيلة في حقل العلاقات الدولية، حيث تعددت الدراسات التي تحلل وتفسر أسباب الحروب والنزاعات الدولية وكذا سبل القضاء عليها او احتواءها؛ ففي ظل وجود تيار يؤمن أن الحرب والصراع شكل طبيعي للتفاعلات البشرية، يوجد تيار أخر يحاول البحث عن حلول لتجنب النزاعات والتوجه نحو التعاون والشراكة.
كتب ستيفن والت – حول هذا الموضوع – مقالاً في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية بعنوان:Why Wars Are Easy to Start and Hard to End، حيث حاول الكات تحليل سبب إستمرار الحروب لمدة أطول وكيف يقع القادة في خطأ الانطلاق في الصدام دون التخطيط لكيفية حسمه.
حسب اعتقاده، ينسى القادة خلال أداءهم لمسؤوليتهم في صنع السياسة الخارجية العديد من الافكار مثل ميزان القوة، النزعة القومية، والمأزق الأمني، وفي هذا المقال كانت الفكرة المطروحة بسيطة بالنسبة لوالت ولكنها مهمة، حيث يجدر على كل صانع قرار أو مستشار للسياسة الخارجية تثبيت هذه الفكرة على مكاتبهم، أو تعليقها على أقرب جدار أو ربما حتى وشمها في جفونهم الداخلية لكي لا ينسوها أبداً، وهي أن “بدء الحرب أسهل بكثير من إنهائها”.
يعتقد والت أن الرسومات التوضيحية لهذه الظاهرة وتداعيتها منتشرة في كل مكان، ويدعم رأيه بفكرة لجيفري بلايني في كتابه the Causes of War مفادها أن العديد من الحروب والنزاعات السابقة كانت مدعومة بأحلام وأوهام حول الحرب المحتملة وهناك اعتقاد يصاحب هذه الأحلام أنها ستكون سريعة وبتكاليف منخفضة، وستنتهي بالانتصارعلى العدو لا محال.
على سبيل المثال وفي العام 1792، سارعت جيوش طل من النمسا والمجر وبروسيا وفرنسا لساحة الحرب مؤمنة أن الحرب ستنتهي وسيحققون الانتصار بعد معركة أو معركتين. إعتقد كل طرف في هذه الحرب أنه الأقوى والأقرب إلى الفوز، ولكن ما حصلوا عليه بدلاً من ذلك هو ما يقرب من ربع قرن من الحرب المتكررة التي جرّت جميع القوى الكبرى وانتشرت في جميع أنحاء العالم.
أيضاً، طرح والت مثال آخر عربي، حيث استسلم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لنفس الوهم في العام 1980، معتقداً أن ثورة 1979 تركت إيران ضعيفة وعرضة لهجوم عراقي. واستمرت الحرب الناتجة ثماني أعوام، حيث عانت الدولتان من مئات الآلاف من القتلى وأضرار اقتصادية هائلة.
وحتى الحروب التي تستغرق وقتاً أقل لا يمكن أن نعتبرها ناجحة لأن تداعياتها كانت أكبر، حيث يخلق من أي حرب مستنقع كبير يجر داخله اي انتصار لحظي أو مكسب مؤقت.
وقد استشهد الكاتب – أيضاً – بحرب “الأيام الستة”، العام 1967، ودامت أقل من أسبوع، التي حسب اعتقاده لم تحل أياً من القضايا السياسية الأساسية بين إسرائيل والدول العربية، بل مهدت الطريق فقط لحرب الاستنزاف الأكثر تكلفة (1969 – 1970)، و”حرب أكتوبر”، العام 1973، كذلك غزو إسرائيل للبنان، العام 1982، الذي انتج احتلال لجنوب لبنان استمر 18 عاماً، وكلف مئات الأرواح.
إقرأ أيضاً: “الشطرنج” الروسي في مواجهة “البوكر” الأمريكي
وبالنسبة لوالت، فإن حتى النجاحات الأولية التي حققتها الولايات المتحدة في افغانستان والعراق كانت مؤقتة، وكل ما نتج عنها هو حرب مكلفة وغير ناجحة في نهاية المطاف ضد حركات تمرد فعّالة ومرنة بشكل مدهش؛ وفي نفس المسار، إعتبر والت أن الحرب التي شنتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن “غير حكيمة”.
والأساس في هذا المقال هو الحديث عن الرئيس الروسي، فلاديمير بويتن، حيث يعتبر آخر زعيم عالمي يبدأ حرباً يعتقد أنه ستكون نهايتها إيجابية وسريعة، وكما يعتقد والت أن الرئيس بوتين “يرتكب نفس الخطأ” الذي سبقه فيه العديد من القادة، وهذا نابع من ثقته المبالغ فيها في قوة روسيا العسكرية وفي نفس الوقت الإستهانة بالقدرات الأوكرانية، أو رد فعل الأطراف الأخرى حول هذه الحرب، والأن هو على وشك أن يتلقى درسه بشكل جيد: من الأسهل بكثير بدء حرب بدلاً من إنهائها.
ويطرح والت سؤال مهم للتأكيد على فكرته وهو: لماذا نرى عدداً قليلاً جداً من الحروب القصيرة والحاسمة التي ترتقى إلى مستوى توقعات المبادرين إليها ويتضح أنه من السهل إيقافها؟
الإجابة أنه لا يكفي الاعتراف بأن الحرب دائماً غير مؤكدة، وأن تقديرات ما قبل الحرب غالباً ما تكون معيبة، أي أنه هناك نسبية فيما يخص النتائج الحاسمة للحرب، فالقتال والصدام غالباً ما ينتج عنه عواقب غير مقصودة تنفي كل حسابات ما قبل الحرب. وما يحتاجه القادة الذين يفكرون في الحرب هو تقدير الميول القوية التي تجعل الحروب تكبر وتكلّف أكثر وتستمر لفترة أطول مما يتوقعون.
من هنا، وضع ستيفن والت 7 نقاط أساسية تتعلق بالحرب، وكيف يقع القادة في مأزق الحرب طويلة الأمد وغير المخطط لها، وهي:
1. إن التفكير الذي يجعل القادة يقعون في الخطأ، هو التفكير المفرط في ما بعد الحرب ونتائج الحرب والمكاسب المحتملة، بالمقابل التفكير المحدود في القدرات الحالية وقدرة الصمود والتداعيات السلبية، أو قدرة الخصم على المقاومة.
2. كلما كلّفت الحروب الدولة والمواطنين خسائرة كبيرة، كلما تضاعف إصرار صناع القرار على الاستمرار في هذه الحرب لتعويض الخسائر وتحقيق فوز يرضي الأطراف المتضررة.
3. سبب رئيسي في استمرار الحرب هو تنامي العداء بين الأطراف المتصارعة نتيجة الخسائر الهائلة التي تكبدها كل طرف، والتي تقلّص من احتمالية أية نية جيدة، بل تؤيد من الشك المتبادل والإحساس بالخطر؛ بالتالي، يكون الاستمرار والتوجه نوح فوز حتمي 1 – 0، هو الحل الوحيد.
4. تراجع فرص التفاوض بسبب تصلّب صورة العدو، وينتج عنه قطع العلاقات الدبلوماسية، مما يجعل الاتصال المباشر أكثر صعوبة، وحتى لو بدأت المفاوضات فلن يثق أي من الجانبين بالآخر بما يكفي لعقد صفقة فعلية.
إقرأ أيضاَ: الحرب في أوكرانيا واحتمالات التصعيد: قراءة تحليلية لمقال جون ميرشايمر
5. تميل الحروب أيضاً إلى التصعيد وتوسع نطاقها خاصة إذا كان أحد الجانبين يخسر، فقد يفكر في استخدام المزيد من القوة، أو ضرب أهداف جديدة وأكثر خطورة. على سبيل المثال في الحرب الاوكرانية الحالية، إن تفجير سيارة للمفكر الروسي، ألكسندر دوغين، (بعبوة مفخخة) والذي يوصف عادة بـ “العقل المدبر لبوتين”، كمحاولة للضغط على السلطات الروسية، بالإضافة إلى تزايد عدد الأطراف المشاركة والمتدخلة في الحرب يزيد من التوتر، على سبيل المثال الدعم الأوروبي – الأمريكي لكييف ضاعف غضب موسكو.
6. سبب آخر في تمديد فترة الحرب هي المعلومات المغلوطة التي توّيد كلما استمرت الحرب أكثر، ربما يكون هذا بسبب تداخل اطراف عديدة في هذه الحرب، ويعمل كل طرف على نشر الرواية التي تخدم مصالحه أكثر، ومن جانب الحكومات تعمل على نشر الأخبار السارة للحفاظ على المعنويات المرتفعة للمواطنين. وفي كثير من الأحيان، تكون المعلومات مغلوطة خاصة بالنسبة للطرف الخاسر، مما يعقّد الوضع ويصبح من الصعب الحصول على المعلومات الحقيقية حتى على من هم في داخل علبة صناعة القرار.
7. السبب الأخير هو أن الطرف الذي بدأ في الحرب من الصعب عليه أن يعمل على انهائها دون تحقيق المكاسب التي قام بتسطيرها مسبقاً، لأن الاستقرار على القليل من المكاسب فقط هو اعتراف بأنهم أهدروا وقتاً كبيراً من وقتهم، وعادة القادة غير قادرين على الإعتراف بأنهم كانوا مخطئين.
في نهاية المطاف، تنتهي الحروب مهما طالت مدتها ولكن التفكير الأساسي يكون في حجم الخسائر التي تكبدها كل طرف، وهل المكاسب المحققة كافية وكانت على نفس مستوى التوقعات. في الحقيقة، يجب على كل صانع قرار التفكير بقدر أكبر من التردد في مثل هذه القرارات، حيث يؤكد والت أنه “بمجرد إطلاق العنان لكلاب الحرب، لا يوجد ما يخبرنا من سينتهي به الأمر بالبعض ومع ذلك، فهو رهان آمن أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول وسيكلف أكثر بكثير مما تعتقد.”
مصدر الصور: رويترز – إندبندنت عربية.
مدوّنة / حاصلة على درجة ماجستر في الدراسات الأمنية والاستراتيجية – الجزائر