في الآونة الأخيرة، شهدنا تصاعداً في الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، حيث قامت إيران بقصف أهداف في العراق وسوريا، هذه الهجمات أثارت تساؤلات حول الأهداف والأسباب وراء هذا السلوك العدائي والمفاجئ، حيث يظهر أن إيران تسعى إلى تحقيق عدة أهداف من خلال هذه العمليات العسكرية.

أحد الدوافع الرئيسية وراء هذه الهجمات هو الرد على التحديات والضغوط التي تواجهها إيران على الساحة الإقليمية والدولية وهذا السبب المشهور، كما يأتي هذا في سياق التوترات المستمرة بين إيران والقوى الإقليمية والدولية، خاصةً في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، تأتي هذه الهجمات كرد فعل على التحديات الأمنية التي تواجهها إيران داخلياً وخارجياً، حيث تعمل إيران على تعزيز نفوذها وتأمين مصالحها الاستراتيجية، وقد يُنظر إلى هذه الهجمات كوسيلة لتحقيق ذلك.

على صعيد آخر، يمكن رؤية هذه الهجمات كجزء من السياسة الإيرانية في محاولة لتحقيق توازن القوى والحفاظ على مكانتها في المنطقة، إيران تسعى إلى تحديد مساحتها في وجه التحركات الإقليمية وتأثير اللاعبين الكبار.

في النهاية، يظهر أن إيران تستخدم هذه الهجمات كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية في ظل التحديات الراهنة. تبقى التطورات المستقبلية في هذا السياق موضوع تتبع وتحليل لفهم الآفاق المستقبلية لهذه الأحداث.

وجدير بالذكر أن إيران قامت بقصف أهداف في أربيل بإقليم كردستان العراق وإدلب في شمال سوريا والذي هو خارج سيطرة الحكومة السورية، بالإضافة إلى محافظة بلوشستان في باكستان، هذه الهجمات الثلاثة تحمل رسائل مهمة وبنفس الوقت هي رسائل معقدة تكشف عن دوافع وأهداف إيران في هذا السياق.

في البداية، يبرز قصف أربيل بإقليم كردستان العراق كتصعيد مهم في النقاشات الإقليمية، يبدو أن هذا الهجوم يأتي كرد فعل لأحداث وتطورات إقليمية، وقد تم توجيهه نحو هدف استراتيجي يمثل تحدياً لإقليم كردستان وأيضاً للمصالح الأمريكية في المنطقة، فمن المعروف ان العراق هو موطئ قدم المصالح الأمريكية والإيرانية ويعمل الطرفان على استمرار المحاولات في إزاحة أحدهما الآخر من هذا المشهد، وفي سياق متصل، فإن قصف إدلب في سوريا يعكس بدوره تفاعلاً مباشراً مع تطورات الأزمة السورية الحالية، بالتالي، إن إيران تسعى لتعزيز تأثيرها في الأزمة السورية وتحقيق مكاسب استراتيجية في وجه المستجدات الإقليمية والدولية، وقد يكون القصف هو جزء من تلك السياسة التوسعية.

أما بالنسبة لقصف بلوشستان في باكستان، فيظهر أنه يأتي في سياق العلاقات الثنائية المعقدة بين إيران وباكستان، والتي تشهد تحديات أمنية واقتصادية، حيث يُمكن رؤية هذا الهجوم على أنه رسالة تحذير أو استجابة لمطالب وتحديات محددة في إطار هذه العلاقات، مع الإشارة إلى أن هناك مشاريع واعدة ستبصر النور وبرعاية صينية من خلال أفغانستان وباكستان وإيران إذا استمرت بهذا النهج قد تكون خارج السياق، لأنها ستعزز الهجمات الانتقامية عليها انطلاقاً من كابول وإسلام أباد.

بالتالي، تجمع هذه الهجمات الثلاثة في ظل الزمان والمكان في سياق أوسع حيث تسعى إيران لتحقيق مصالحها وتعزيز تأثيرها في المنطقة، لكن تبقى تلك الرسائل موضوع تحليل لفهم كيف ستتشكل المستقبلية للعلاقات الإيرانية مع الدول المتأثرة بتلك الهجمات، وهذا سيتوضح ليس في المستقبل البعيد وإنما مع حدوث أي تطور لاحق والمتوقع أن يكون قريب جداً.

هل يضرب الحليف.. الحليف؟

مع قصف إيران لأهداف داخل العراق وسوريا، اللذين يعتبران حلفاء لإيران، تثير هذه الهجمات تساؤلات حول الأسباب وراء استهداف إيران لأراضي حلفائها، وهو ما يتطلب تحليلاً دقيقاً لفهم دوافع هذا السلوك.

بالتالي، قد يكون القصف الإيراني للأهداف في العراق وسوريا نتيجة لتطورات إقليمية ودولية أثرت على حسابات إيران، حيث يمكن أن تكون هذه الهجمات استراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو أمنية لإيران في الشرق الأوسط، كما تحمل الهجمات أيضاً رسائلاً قوية قد تكون موجهة للمجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين، وقد تكون إيران تحاول إظهار تأثيرها وقوتها العسكرية في المنطقة، وذلك بمحاولة توجيه رسائل تحذير أو تأكيد لمواقفها.

من جانب آخر، قد تكون هذه الهجمات استجابة لتطورات محلية داخلية في إيران، مثل التحديات الاقتصادية أو الاحتجاجات، والتي قد تدفع الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ إجراءات لتحويل الانتباه العام وتوجيهه نحو التحديات الخارجية.

بصورة عامة، يظل السبب الحقيقي وراء قصف إيران لأهداف حلفائها موضوعاً معقداً يتطلب تقديم تحليل شامل لتفسير المستجدات وتوجيهات سياسات إيران في الوقت الحالي.

بشكل عام، حيث تتداخل الديناميات الإقليمية والدولية والأحداث الداخلية في إيران، وقد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الأزمات الإنسانية المستمرة في مناطق مثل غزة، بالتالي، مع التصاعد الحالي في التوترات في المنطقة بعد الهجوم الإيراني على أهداف في العراق وسوريا، يطرح السؤال الحاسم: هل نتوقع رداً على هذا الهجوم، ومن سيكون المؤهل لتنفيذ هذا الرد؟

من الممكن أن يكون للولايات المتحدة وحلفائها رد فعل قوي، خاصةً إذا كانت هناك تقديرات بأن الهجوم الإيراني يشكل تهديداً للأمن الإقليمي، قد تكون هناك عمليات دبلوماسية وعسكرية تستند إلى تحالفات المنطقة لتحقيق الاستقرار، أما من الجهة الإقليمية، قد تكون دولٌ مجاورة لإيران مؤهلة للرد، خاصةً إذا كانت قد شعرت بأنها تتعرض لتهديد أمني، يمكن أن يتضمن الرد تكثيف التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية، لكن من غير الممكن تحديد بدقة أي طرف سيكون المؤهل للرد، حيث يعتمد ذلك على تفاعلات معقدة في الساحة الدولية، إنما يجب أن يكون الرد متوازناً ومحسوباً لتجنب تصاعد التوترات إلى مستويات غير مسبوقة.

بالتالي، إن موقف إيران في الهجوم على أهداف في العراق وسوريا يبرز تعقيدات وأبعاداً متعددة:

أولاً وقبل كل شيء، يمكن تفسير الهجمات الإيرانية كتصعيد لتحديات أمنها ومصالحها في المنطقة، ويأتي هذا الهجوم في سياق التوترات الإقليمية والدولية كما أشرنا آنفاً، ويمكن أن يكون رداً على تحركات استخباراتية أو عمليات تخابر تستهدف إيران.

ثانياً، يعكس الهجوم بشكل مباشر موقف إيران كلاعب قوي في المنطقة، بإظهار القدرة على تنفيذ هجمات على مسافات بعيدة، تسعى إيران للتأكيد على قوتها العسكرية والردع.

ثالثاً، قد تكون الهجمات جزءاً من استراتيجية إيران لتوجيه رسالة إلى الأطراف الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما يمكن أن تكون هذه الرسالة تحذيرًا أو إشارة إلى أن إيران قادرة وعازمة على حماية مصالحها.

رابعاً، يمكن تفسير الهجمات على أنها جزء من سياسة إيران الإقليمية، حيث تسعى لتأثير التوازنات الإقليمية والتأثير في القرارات الإستراتيجية.

وبهذا، يظهر موقف إيران كمشغل رئيسي في الساحة الإقليمية، مع تأكيد على استعدادها للتصعيد والدفاع عن مصالحها بشكل حازم، وهذا بقراءة جيو سياسية تبين النطاق العام.

أما توقعاتي فتشير على أن هذا التصعيد غير مدروس إطلاقاً، فالمنطقة بشكل عام ملتهبة ولا تحتاج إلى اشتعال أكثر من ذلك، فاحتمالية توسع رقعة الحرب مرتفعة للغاية، وهذا التصرف قد يسرّع من عملية الاشتعال هذه، وهذا التوسع لن يكون على الأراضي الإيرانية بل في مناطقنا العربية بشكل خاص، وستصبح دولنا مسرحاً لحرب لسنا من أشعلها، وهنا عدا عن تحكيم العقل والمنطق، يجب إنهاء هذا العبث بدول آن لها أن تعيش أياماً جميلة وأن تنتهي تجاذبات الدول الأخرى من استغلالها، بالتالي، من الخطأ جداً الوجود الإيراني والأمريكي في منطقتنا العربية لأن هذا الوجود ثمنه لقمة الإنسان وروحه.

مصدر الصور: أرشيف سيتا – الشبكات الاجتماعية.

إقرأ أيضاً: أوستن محذراً إسرائيل: النصر الإسرائيلي في غزة قد يتحول إلى هزيمة استراتيجية

عبد العزيز بدر بن حمد القطان

كاتب ومفكر – الكويت.