د. عبدالله الأشعل*

هاتان مقولتان مترابطتان، ولكن صارتا منفصلتين. فهناك من يحب الفلسطينيين ولا يكره الإسرائيليين، وهناك العكس رغم أن جميع العرب كانوا مجمعين على كراهية إسرائيل ولكن لا يحب الفلسطينيين بالضرورة. لذلك، سأعالج هذين الأمرين في جزأين متتاليين.

ثانياً: لماذا أدعم الفلسطينيين؟

هناك أسباب عديدة تدفعني إلى مساندة الشعب الفلسطيني. لقد أعتمدت الدعاية الصهيونية والغربية على علمنة العلاقة بين الشعوب العربية، فإنطلقت الفردية والذاتية على مستوى الدول والأفراد كل يجري وراء مصالحه، وإنتهز الحكام العرب الفرصة فإلتصق الحاكم بالوطن وصارت كل دولة تركز على شؤونها ومصالحها بعيداً عن غيرها من الدول العربية.

أيضاً، أصبح الحاكم العربى ينوب عن الدولة بحساباته الشخصية دون الإستعانة بالقدرات الوطنية حيث إرتبط التطور نحو الذاتية الوطنية بذاتيته الشخصية إذ أصبح أكثر إستبداداً، ومتعبراً أنه عندما يرفع شعار “مصر أولاً”، على سبيل المثال، فأنه يكون رائد الوطنية فيها ولا يزايدن أحد عليه، فترتب على ذلك تلاشي فكرة الدولة في حياة الشعوب، وصار الحاكم ونظام الحكم هو الذي يتعامل مع المواطن على أنه رعيه وليس مواطناً.

في مثل هذه الظروف، يضع الحاكم العربي كل الصلاحيات بيده، وتصبح المؤسسات شكلية، ويصبح الناقد لسياسات الحاكم أو لطريقه وصوله للسلطة عدواً للوطن والشعب، وتلك حالة مصر منذ العام 1952 كما أنها حال كل الدول العربية بلا إستثناء، وبصرف النظر عن أنها تُحكم من جانب حكم أُسري أو عسكري أو حزبي، فهذه هي الأنماط الثلاثة لنظم الحكم في العالم العربي، والقاسم المشترك بينها هو استبداد الحاكم. هذا الإستبداد، هو سبب التخلف والقهر وإنعدام الإبداع وإهدار الطاقات العربية، كما حرصت إسرائيل، وما زالت، على مساندة الدكتاتوريات العربية بقطع النظر عن شعاراتها، فيما تحرص هي على الديمقراطية لليهود وحدهم ما أدى إلى سلسلة المآسي العربية والإنتصارات الإسرائيلية التي نشهدها الآن.

من خلال ما سبق، سنقوم بتعداد الأسباب التي تعتبر الدافع لدعم الفلسطينيين وحقوقهم، وهي:

السبب الأول: قضاء إسرائيل على “العروبة” التي تشكل اللحمة الأساسية الناظمة للدول العربية، كما تقضي على أي أمل بتقدم تلك الدول تحت ستار “السلام لإسرائيل والموت للعرب”. لذلك، أسهم بعض الحكام العرب، مثل الرئيس أنور السادات، في الترويج للمزايا الوهمية لسلام إسرائيل، وسجل مصر والمنطقة العربية منذ صفقة “كامب ديفيد” يشهد بذلك من خلال نظرة أمينة بعيدة عن الإعلام الضال.

السبب الثاني: كذب إسرائيل العالم وإدعاؤها بأنها تريد فقط أن يكون لها مكاناً في فلسطين والمنطقة على أساس قسمة فلسطين بين الطرفين، كما زعمت أن وجودها كـ “نموذج ديمقراطي” متقدم تكنولوجيا سيكون قاطرة إخراج العرب من حالة التخلف والدونية إلى حالة التقدم التي تشهدها هي. ولكن الحقيقة أنها تُلحق الموت بالعرب، وتريد أن تفني هذا العرق، وهو ما يظهر في سلوكياتها ضد المقاومة، بالإضافة إلى حرمانها الشعوب العربية من نوابغها عن طريقين أو سلاحين؛ الأول، دعم الإستبداد العربي المعادي لأية عبقرية أو نبوغ. والثاني، إستئصال الشخصيات النافعة للشعوب العربية عن طريق الإغتيال، وسجل إسرائيل حافل في هذا الباب؛ وما دامت تفلت بجريمتها في كل مرة، فإنها مقتنعة بأن هذا السلاح يفيد ولا يضر ولو كان الأمر بيدي لجمعت الأدلة فى كل مرة وقدمت الجناه إلى محاكمة عادلة، ومنهم يحيى المشد، العالم المصري في الذرة والمشرف على البرنامج النووي العراقي والذي تعاونت معه فرنسا على بناء المفاعل (ضربته إسرائيل فى 8 يونيو/تموز 1981) وكان طبيعياً أن يتردد المشد على باريس مع فريق العمل في البرنامج، فتربصت به المخابرات الإسرائيلية وإغتالته في أحد فنادق باريس وقامت على الفور بضرب المفاعل النووي العراقي. كذلك، اغتال الموساد العلماء الألمان الذين استخدمهم الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، في إنشاء صناعة الصواريخ والطائرة حلوان المصرية، فهدد الموساد أسرهم في ألمانيا، وأرسل لهم طروداً بريديه مفخخة في مصر، فأنتهى المشروع الناصري بنهاية الخبراء الألمان، والسجل حافل بضحايا الموساد من العلماء النابهين في كل المجالات وأبرزهم جمال حمدان صاحب شخصية مصر.

السبب الثالث: أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض واليهود، وبعض الحكام العرب، تمكنوا بالتدليس والمؤامرة، بمساعدة بريطانية، من التوطُّن في فلسطين فباتوا كياناً سياسياً وعسكرياً متناسين أنهم كانوا يرتجون الفلسطينيين كي يعيشوا بأمان إلى جانبهم، هذا ما أعده سبباً أخلاقياً.

السبب الرابع: إنتهاك إسرائيل لكافة مبادئ القانون الدولي الحامية للفلسطينيين وحقوقهم، ولقد ضربت مثلاً لإمتهانها القانون الدولي والكذب على المجتمع الدولي، وقد سجلنا ذلك في مقالات سابقة لا سيما مقال حول علاقة “إسرائيل والأمم المتحدة”، فعددت القرارات الصادرة لحماية الحقوق الفلسطينية والقدس، وكيف قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بإغفالها وأقدمت على برنامج تفريغ فلسطين من أهلها لصالح اليهود.

السبب الخامس: يتعلق بمصر، وهو أن فلسطين هي الفناء الخلفي للأمن القومي المصري، وهي بوابة الدفاع عن مصر ضد الهجمات التي تعرضت لها من آسيا، حتى القرن الرابع عشر، فكانت أمجاد الجيش المصري ضد الصليبيين والتتار في فلسطين. لذلك، إن دعمي لفلسطين وإفراغها من “الوحش” الصهيوني يعنى أن فلسطين هي خط الدفاع الأول عن مصر، وأنه بغير “فلسطين عربية” فإن الوحش الإسرائيلي سيعربد بأطراف الدولة المصرية، فعينه لا تزال على سيناء. فلقد إنشغلت مصر طوال العقود السبعه الأخيرة بمغامرات إسرائيل، التي ضربت القوات المصرية في غزة العام 1955 ثم احتلت سيناء فى العام التالي ورفضت الإنسحاب من شرم الشيخ وغزة إلا بشروط إستراتيجية ثم استولت مرة أخرى على سيناء بعد أن ضربت سلاح الطيران في مرابضه يوم 5 يونيو/حزيران 1967.

السبب السادس: يتعلق بسلسلة المآسي الفلسطينية التي كان العالم والعرب شركاء فيها. فعندما طرد الفلسطينييون من منازلهم وأرضهم، تحولوا إلى لاجئين مؤقتين في الدول المجاورة، كمصر وسوريا ولبنان والأردن، فيما هاجر بعضهم إلى أوروبا وبقية الدول العربية، خاصة الخليجية منها، أواخر سبعينيات القرن الماضي، كما أنشأت الأمم المتحدة العام 1953 “وكالة غوث اللاجئيين وتشغيلهم” في الشرق الأوسط المعروفه بأسم “الأونروا”، فيما رفضت المنظمة نفسها إستفادة الفلسطينييين من إتفاقية جنيف للجوء، العام 1951، فأعطت انطباعاً زائفاً بأن اللجوء الفلسطيني مؤقت ولهم حق العودة من خلال قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1948، ثم قررت الجامعة العربية الإمتناع عن منح الفلسطينيين، خارج فلسطين، جنسيات الدول التي يقيمون فيها أملاً بتجميعهم مرة أخرى للعودة إلى وطنهم.

لم يدرك العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية أن المشروع الصهيوني يخطط أصلاً لإحلال اليهود محل الفلسطينيين؛ لذلك، إن تسليم القدس لإسرائيل وإعتبارها عاصمة لها وإسقاط حق العودة في خطة الرئيس دونالد ترامب الأمريكية – الإسرائيلية لم يكن مفاجئاً، لكنه كان صادماً لكونه نقل التكهنات والتوقعات إلى حقائق وكان للعرب دور فيها.

خلاصة القول في هذه النقطة، إن العرب الذين كان من المفترض ن يشكلوا درعاً حامياً للفلسطينيين قد تآمر بعضهم عليهم وفضَّل كرسي الحكم والإستمرار فيه على قضية فلسطين.

السبب السابع: إن العرب جميعاً ينتمون إلى أمة عربية واحدة، وأن الشعارات الخاصة بالقومية والوحدة العربية كانت لإيقاظ الوعي القومي في قلوبهم، لكنها كانت جرس الإنذار لإسرائيل والغرب. لذلك، فإن الفلسطينيين هم الأحرص على الأمة العربية لأنهم لا يصدقون أن إسرائيل تنفرد بهم وتُبعد عنهم الغطاء العربي، ناهيك ما ظهر للعيان من تواطؤ عربي مع إسرائيل في قتل الفلسطينيين وإخراجهم من أراضيهم.

السبب الثامن: أن الفلسطينيين ومقاومتهم هم الذين يدافعون عن هوية المنطقة العربية والإسلامية لأن إسرائيل لا تطمع في أرض فلسطين وحدها، وإنما تريد تمزق الأمة العربية، وتزري بالتيارات القومية والإسلامية حتى أنجبت الأرض العربية الذين ضللوا وإفتتنوا بإسرائيل بإعتبار أنها الغالبة تطبيقاً لنظرية الفيلسوف العربي إبن خلدون. لكن ليست هذه هي نهاية المطاف، فالصراع بيننا وبينهم صراع على الوجود، وهنا نقول بأن الأمة العربية باقية ولو تنكر بعض أبنائها لعروبتهم وإنجذبوا إلى النموذج الإستعماري لإسرائيل، والطريق إلى ذلك هو هذه الحملة للمقاومة الثقافية والفكرية للأضواء الخادعة للمشروع الصهيوني.

في الجزء الأول، أوضحنا لماذا أكره إسرائيل. وفي هذا الجزء، أرجو أن تكون الأسباب الموجبة للدفاع عن حقوق فلسطين المشروعة في أرضهم والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للمنطقة بأسرها باتت واضحة جلية.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصور: موقع نبض – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: إسرائيل والأمم المتحدة