في عالم يحكمه السياسيون والقوى العظمى، يبدو أن مصائر الناس تتلاشى خلف متاهات الصراعات السياسية والمصالح الاستراتيجية، وفي هذا السياق، يظهر تجاهل محزن تجاه أهل فلسطين وغزة، الذين يُعتبرون مجرد أرقام في حسابات القوى الكبرى، في حين تتجه كل الجهود والاهتمامات نحو مناطق أخرى من العالم، تاركة الفلسطينيين يعانون تحت وطأة الاحتلال والحصار.

وفي شهر رمضان المبارك، تتجلى قيم التضامن والإحسان بشكل خاص، حيث يتسابق المسلمون في جميع أنحاء العالم لتقديم المساعدة والدعم للمحتاجين والمعوزين، ومن بين تلك الفئات المحتاجة بشكل خاص تقف غزة، التي تعيش تحت وطأة الحصار منذ سنوات، أمام تحديات متعددة تزيد من معاناتها خلال هذا الشهر الكريم، ففي كل عام، يتجلى العطاء والتضامن مع أهل غزة بشكل ملموس، حيث يسعى الناس جاهدين لتخفيف معاناتهم وتوفير الإمكانيات اللازمة لقضاء شهر الصيام والعبادة بكرامة وراحة، إن دعمنا ومساعدتنا لأهلنا في غزة يعكس القيم الإنسانية النبيلة التي يحث عليها ديننا، وتعبر عن روح التكافل والتعاون التي تجسد أصالة الروح الإنسانية.

لذا، في هذا الشهر الفضيل، دعونا نقف جميعاً متضامنين مع أهل غزة، ولنمد لهم يد العون والدعم بكل ما نستطيع، حتى يمكنهم قضاء هذا الشهر المبارك بسلام وراحة، ولنجعل من رمضان فرصة لتجسيد معاني الإنسانية العظيمة والمحبة والتضامن مع الآخرين في أوقات الاحتياج.

فبالأمس، اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً مبتكراً يطلب فيه بشدة “وقف فوري لإطلاق النار” في قطاع غزة خلال شهر رمضان، وهو القرار الأول من نوعه الذي يأتي في هذا السياق، وقد أضيفت كلمتان حاسمتان لهذا القرار، وهما اللتان غابتا في مشروع القرار السابق، مما أدى إلى فشله في المرور بسلاسة، رغم ذلك، فقد تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية التصويت على هذا القرار.

وتزامناً مع حلول شهر رمضان المبارك، شهدت قضية إطلاق النار في قطاع غزة تحولاً مهماً على الساحة الدولية، حيث امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت على مشروع قرار يهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال هذا الشهر الكريم، يأتي هذا الرفض في ظل مطالبات دولية متزايدة بوقف التصعيد العسكري في المنطقة، خاصة في ظل التوترات المستمرة وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.

بالتالي، رغم أهمية القرار المقترح، فإن الولايات المتحدة لم تقم بسحب حقها في استخدام النقض “الفيتو” لتمريره، بل امتنعت ببساطة عن المشاركة في التصويت، ويأتي هذا الانسحاب في سياق توترات دبلوماسية متزايدة بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، مما يثير مخاوف من انعكاسات سلبية على جهود حل النزاعات وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

ومن بين البنود الرئيسية للقرار الذي لم تقم واشنطن بدعمه يأتي تأكيد الدعوة إلى وقف الأعمال العسكرية فوراً والتزام جميع الأطراف بالامتناع عن أي تصعيدات عسكرية إضافية، بالإضافة إلى دعوة جميع الأطراف المعنية للالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين في جميع الأوقات، ومع عدم دعم القرار من قبل الولايات المتحدة، فإنه يتعين على المجتمع الدولي البحث عن آليات أخرى لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وذلك من خلال تكثيف الجهود الدبلوماسية والحوار المباشر بين جميع الأطراف المعنية.

وفي خطوة تهدف إلى إحلال السلام وتخفيف معاناة السكان في قطاع غزة خلال شهر رمضان المبارك، اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً مهماً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، مع إيجاد حل دائم ومستدام لهذا الصراع المستمر، ويأتي هذا القرار في سياق تزايد الضغوط الدولية لوقف التصعيد العسكري والعمل نحو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

ومن بين البنود الرئيسية لهذا القرار، فإنه يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأسرى، ويشدد على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية والإنسانية الأخرى، كما يحث على أن تلتزم جميع الأطراف المتورطة بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الأشخاص الذين تحتجزهم، ويؤكد على الحاجة الملحة لتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزة بأكمله.

إضافة إلى ذلك، يدعو القرار إلى رفع جميع الحواجز التي تعيق تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، وذلك وفقاً للقانون الإنساني الدولي والقرارين 2712 (2023) و 2720 (2023)، بهدف تخفيف معاناة السكان المحاصرين وتحسين أوضاعهم الإنسانية في هذه الظروف الصعبة.

وفي مشروع قرار الولايات المتحدة الأمريكية السابق، كانت واشنطن قد أعلنت عن مشروع قرار يشدد على الضرورة الملحة لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة، بهدف حماية المدنيين الأبرياء من التأثيرات السلبية للنزاع المسلح. وقد تضمن هذا المشروع أيضاً دعماً قوياً للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، من خلال التأكيد على أهمية الحوار الدبلوماسي والجهود المشتركة لإحلال السلام في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار المشروع الأمريكي إلى ضرورة الإفراج الفوري عن جميع الأسرى المتبقين، وهو موقف يعكس التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان والحد من الآثار الإنسانية المدمرة للنزاعات المسلحة على الأقل نظرياً، ومن المهم فهم أن هذه الخطوات تأتي في سياق الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، والتي تتطلب التعاون المشترك والتزاماً جاداً من جميع الأطراف المعنية، لكنها مع شديد الأسف غير مطبقة على أرض الواقع.

بالتالي، تثير مواقف بعض الدول الكبرى، مثل روسيا والصين والجزائر، تساؤلات حول استجابتها للأوضاع الراهنة في قطاع غزة، حيث اعتبرت هذه الدول القرار الأخير الذي تم تبنيه في مجلس الأمن الدولي على أنه لا يطالب بوقف إطلاق النار بشكل صريح، بل يعبر فقط عن “ضرورة العمل على ذلك”، هذا الرأي يفسح المجال للكيان الصهيوني لمواصلة الأعمال الحربية دون وجود ضغوط دولية ملموسة.

بالإضافة إلى ذلك، إن تلك المواقف تتسبب في تعقيد المشهد الدولي وتزيد من الانقسامات بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وفي ظل هذا الانقسام، يبقى السؤال المحوري حول كيفية تحقيق التوافق الدولي اللازم لوقف التصعيد العسكري في قطاع غزة وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وعلى الرغم من أن مثل هذه الأوضاع تبدو مثيرة للقلق، إلا أنها تبرز أيضاً أهمية دور المجتمع الدولي في تعزيز التعاون والحوار البناء بين جميع الأطراف المعنية، بهدف إيجاد حلول شاملة ومستدامة للأزمة الحالية في قطاع غزة.

في هذا الإطار، تطرح تصريحات كبار الدبلوماسيين الروس مشكلة القرار الأخير الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، حيث يرى فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، أن هذا القرار يميل إلى التحيز لصالح (إسرائيل)، مؤكداً أنه يعطي المجال للعمليات العسكرية في رفح دون توفير آليات لوقف العنف بشكل فعّال، ويضيف نيبينزيا أن هذا القرار يهدف في الأساس إلى تأجيل التصعيد الدولي ضد (إسرائيل).

ويؤكد دميتري بوليانسكي، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، على أن مشروع القرار الأمريكي يمثل “خداعاً مألوفاً”، مشيراً إلى أنه كان يتوجب عليه أن يطلب بوضوح وبدون تردد وقف فوري لإطلاق النار، بدلاً من تقديم تعاريف للضرورة دون توجيه لطلب ملموس.

في المقابل، يبرز القرار الجديد بنصه الواضح والحازم، حيث يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان بطريقة تحترمها جميع الأطراف، مما يفسح المجال لفهم وتطبيق القرار بشكل قاطع دون ترك مجال للتأويل أو التفسير المختل، وهذا يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، خاصة مع اتساع دائرة الدعم لهذا القرار من قبل الدول الأعضاء في المجلس الأمن الدولي.

بكل وضوح وصراحة، لقد تم تجاوز مشروع القرار الأمريكي، الذي تم رفضه بواسطة روسيا والصين، والذي كان يتضمن شروطاً تتعلق بوقف إطلاق النار الفوري وإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بدلاً من ذلك، جاء القرار الجديد بتبني نهج مختلف، حيث طالب أيضاً بإطلاق سراح جميع الأسرى الذين تم اعتقالهم، ولكنه لم يربط هذا المطلب بشكل صريح بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان.

هذا التغيير في النهج يبرز تباين الآراء والمواقف بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بشأن كيفية التعامل مع الأوضاع في قطاع غزة، ففي حين أن القرار الأمريكي كان يركز على العلاقة المباشرة بين وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، فإن القرار الجديد يبدي استعداداً للنظر في كل من هذين الجانبين بشكل منفصل.

كما أن هذا الاتجاه الجديد قد يفتح الباب أمام مزيد من المناقشات والمفاوضات في المستقبل، حيث يمكن للأطراف المعنية البحث في القضايا المطروحة بشكل مستقل، مما قد يسهم في التوصل إلى حلول تتناسب مع الوضع الراهن وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وبالرغم من الحالة الطارئة التي تعيشها غزة، إلا أن الدول العربية لم تظهر بشكل واضح في هذا الصراع، واكتفت الجزائر بالتصويت ضد مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك، فإن هذا التدخل لا يمثل الدور الكامل الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية في حل الأزمة.

تتساءل العديد من الأطراف عن سبب عدم تحرك الدول العربية بشكل أكبر، ولماذا لا تستطيع تلك الدول التأثير بشكل فعال في الوقت الراهن؟ يمكن أن يكون الخوف من التصعيد الدبلوماسي والاقتصادي ضد داعمي الكيان الصهيوني هو عامل رئيسي يعيق تلك الدول عن اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، ومن بين هذه الدول، تبرز دور الولايات المتحدة وتأثيرها الكبير في المنطقة، مما يجعل العديد من الدول العربية تتردد في اتخاذ خطوات تصعيدية قد تؤدي إلى تصاعد الاحتكاكات الدولية.

ومع ذلك، فإن التضامن مع فلسطين ودعم قضيتها يظل من أولويات الدول العربية، ولكن قد يكون النهج الحالي أقل تصعيداً بسبب التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها تلك الدول، وفي النهاية، فإن تحقيق النصر لفلسطين وغزة يعتمد على تعاون الجميع وجهود مشتركة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الدول العربية والمجتمع الدولي بأسره.

بالتالي، لماذا لا يمكن أن يكون حق العرب والمسلمين، وخاصة أهل فلسطين وغزة، أولوية في سلم أولويات المجتمع الدولي؟ لماذا يُعاملون بالتجاهل والإهمال، في حين تتم إعطاء الأولوية لمشاكل وقضايا أخرى في العالم؟ هذه الأسئلة تتطلب إجابات مقنعة وإجراءات عملية لتصحيح هذا الظلم والتمييز.

هنا يأتي دور المحامين القانونيين، وخاصة المحامين العرب، في تقديم الدعم والدفاع عن حقوق الفلسطينيين والتحدث باسمهم على الساحة الدولية، إنهم يمثلون صوت الضعفاء والمظلومين، ويسعون لتسليط الضوء على الظلم والانتهاكات التي يتعرضون لها، وتعزيز الوعي بحقوقهم الإنسانية والقانونية، ومن خلال العمل الدؤوب والمثابرة، يمكن للمحامين أن يلعبوا دوراً حاسماً في تحقيق العدالة والمساواة لأهل فلسطين وغزة، وضمان أن تكون أصواتهم مسموعة وحقوقهم محفوظة في كل منتدى دولي.

مصدر الصور: الأمم المتحدة – CBC.

إقرأ أيضاً: أوستن محذراً إسرائيل: النصر الإسرائيلي في غزة قد يتحول إلى هزيمة استراتيجية

عبد العزيز بدر بن حمد القطان

كاتب ومفكر – الكويت