الصين والمملكة العربية السعودية رسميًاً شريكين استراتيجيين شاملين، ودعموا الكلمات بصفقات – خلال الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام إلى الرياض، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بشرف كبير، ووقع الطرفان أكثر من ثلاثين اتفاقية، كانت هذه “الحقبة الجديدة في تطور الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية”، كما أطلق عليها الرئيس شي، إشارة واضحة للدول بأن الشرق الأوسط يعتزم تنويع علاقاته الخارجية، بما في ذلك من خلال التقارب مع المنافس الرئيسي لواشنطن، ومع ذلك، فإن التعاون بين الرياض وبكين له عيوبه أيضاً.
عهد جديد
في السنوات الأخيرة، ظلت العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية ناجحة للغاية، البداية بسبب العلاقات التجارية والاقتصادية، فقد كان السعوديون المورد الرئيسي للنفط لبكين، وهي ليست غنية بموارد الطاقة الخاصة بها، بينما احتلت الصين بثقة المركز الأول في السنوات الأخيرة من حيث الواردات والصادرات في التجارة مع المملكة العربية السعودية.
في عام 2022، وفقاً لمقال بقلم الرئيس الصيني شي جين بينغ لصحيفة الرياض السعودية، حان الوقت “لتوريث الصداقة التي تعود إلى ألف عام وخلق مستقبل أفضل معاً”، وأيضاً “فتح حقبة جديدة في تطور صداقة تقليدية بين الصين والدول العربية ودول الخليج والمملكة العربية السعودية.
في هذه الزيارة تمكن شي ليس فقط من رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولكن أيضاً المشاركة في المؤتمر العربي الصيني، وقمة واجتماع أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي، حيث سيكون هذا أكبر حدث دبلوماسي على أعلى مستوى بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما ستكون هذه علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية.
كان لقاء طائرة الرئيس شي في مجالها الجوي بواسطة أربع طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو الملكي، بعد هبوط طائرة الرئاسة في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، حلقت سبع طائرات سعودية حولها، تاركة وراءها أعمدة دخان حمراء وصفراء في السماء – بألوان العلم. جمهورية الصين الشعبية، وبعد الترحيب الحار الذي تضمن رحلة إلى القصر الملكي برفقة فرسان يحملون أعلام الدولتين وجولة في حرس الشرف، حصل شي جين بينغ أيضاً على درجة الدكتوراه الفخرية في الإدارة من جامعة الملك سعود، أول مؤسسة أكاديمية في البلاد، تأسست عام 1957.
مثل هذا الاستقبال الفخم للضيف الصيني سلط الضوء على تناقض حاد مع الطريقة التي التقى بها السعوديون بالرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الصيف، ومعظم وسائل الإعلام الأمريكية، التي أعقبت زيارة شي الحالية بحماس، لم تفشل في ملاحظة ذلك، حيث ذكرت شبكة CNN هذا الأسبوع كيف جاء بايدن ليطلب من الرياض زيادة الإنتاج، السعوديون بعد أشهر، على العكس من ذلك، قرروا التخفيض.
بالتالي، ليس من المستغرب أن البيت الأبيض لم يستطع مقاومة منعطف حاد لخصمه الجيوسياسي بمناسبة زيارة شي جين بينغ، مشيراً من خلال ممثل مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: “رغم أن أمريكا، كما يقولون، تفعل ذلك. عدم مطالبة أي شخص بالاختيار بين واشنطن وبكين، فإن سياسة الولايات المتحدة “هي الأنسب للحفاظ على ازدهار وأمن البلدان في جميع أنحاء العالم من تلك التي تظهرها الصين أو تعلن عنها “.
في كل الجبهات
لقد تبين أن زيارة شي جين بينغ إلى الرياض كانت غنية ليس فقط في الشكل، ولكن أيضاً في المحتوى، حيث وقع الطرفان اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية واتفقا على عقد اجتماعات بين رئيسي البلدين كل عامين.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وسائل الإعلام السعودية عن توقيع 34 اتفاقية استثمار خلال الزيارة في مجالات الهيدروجين الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والنقل والبناء، وكما ورد سابقاً، كان كلا البلدين يعدان اتفاقيات بقيمة 30 مليار دولار للزيارة ، ومن بينها (مما أثار استياء الولايات المتحدة بشكل واضح) مذكرة مع شركة هواوي الصينية، والتي شاركت بالفعل في إنشاء شبكات 5G في معظم دول الخليج العربي، حول الحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في المدن السعودية.
واتفق الطرفان على توسيع التعاون في سلاسل إمداد الطاقة من خلال إنشاء مركز إقليمي في المملكة للمصانع الصينية، وأكد الرئيس شي في وزارة الطاقة السعودية أن الرياض ستظل شريكاً موثوقاً في مجال الطاقة لبكين.
وكانت “قمة النجاح” هي الخطط لمزامنة المشروع الضخم للبنية التحتية الصينية العالمية “الحزام والطريق”، والذي أزعج الأمريكيين منذ فترة طويلة، مع المشروع السعودي “رؤية 2030″، والذي ينبغي أن يسمح للمملكة الابتعاد عن الاعتماد على الاقتصاد فقط على عائدات النفط.
وهنا من المهم ذكر أنه كانت علامة أخرى على رغبة الرياض، التي لا تزال المستورد الرئيسي للأسلحة الأمريكية، ليس فقط في تنويع علاقاتها الخارجية، ولكن أيضاً لتجاوز التعاون التقليدي في التجارة والطاقة في العلاقات مع الصين، وهي تطوير شراكة في مجال السلاح، وبالعودة إلى عام 2017، توصلت الرياض وبكين إلى اتفاق لإنشاء مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج طائرات صينية بدون طيار، ولكن هذا العام، وفقاً لمعلومات غير مؤكدة، بعد العرض الجوي في تشوهاي الصيني، اشترى السعوديون أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار من بكين، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للسفن وأنظمة الليزر ضد الطائرات بدون طيار، وفي العام الماضي، قالت مصادر استخباراتية أمريكية إن الصين تساعد السعودية في تطوير صاروخها الخاص.
في هذه الزيارة، يظهر السعوديون ومعهم الشرق الأوسط بأكمله للدول أن المنطقة تنوي تنويع علاقاتها الخارجية، بما في ذلك من خلال التقارب مع المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن علاقات الرياض مع واشنطن ليست مهمة، لأن الصين ليست مستعدة بعد للعمل كلاعب عسكري وسياسي كامل في الخليج وتقديم ضمانات أمنية للممالك العربية.
بالنتيجة، تفضل المملكة العربية السعودية وجيرانها التوازن بين واشنطن وبكين، حتى لا يتم الانجرار إلى المواجهة التي تختمر بين القوتين العظميين، بالإضافة إلى ذلك، للرياض مطالباتها الخاصة تجاه بكين، فالسعوديون غير راضين عن تعاون الصين النشط مع خصومهم الجيوسياسيين إيران وتركيا، بالتالي، وبينما الحديث يتمحور حول “شراكة استراتيجية شاملة” تقوم على الطاقة وليس على علاقات الحلفاء كما هو الحال مع الولايات المتحدة.
لكن أثبتت المملكة العربية السعودية أنها رائدة في قيادة المنطقة، من خلال القرار المستقل وهذا يسجل للأشقاء في المملكة الذين سيرفعون من منطقة الخليج العربي من خلال القيادات الشابة التي باتت لاعب غير سهل وخصم يحسب له ألف حساب.
مصدر الصور: وكالة شينخوا – جلوبال تايمز.
اقرأ أيضاً: الخصخصة في السعودية: كيف تستفيد من التجارب العربية؟
كاتب وإعلامي – الكويت