شارك بحماس واندفاع في مسيرات الاحتجاج في القدس العربيّة، ملثماً، حاملاً العلم الفلسطيني ومرتدياً الكوفية، الأمر حتى اللحظة يبدو مألوفاً، فهذا ديدن الشرفاء من شعبنا الفلسطيني الذي لم يكل ولم يمل منذ اغتصب الاحتلال الغاشم لأرضه. فالموعد في القدس الشريف – لا سيما حي الشيخ جراح وباحات المسجد الأقصى – أصبح يومياً لرفض سياسة العدو الهمجية ولحماية سكان الحي الأصليين من عمليات الطرد والتهجير الممنهجة.

أما اللافت بجماله وروعته أن ذاك الفتى البطل حضر إلى ساحة المسجد الأقصى، ومعه واجباته المدرسية، افترش الأرض المقدسة، استعان بقلمه الذي ينبئ بمستقبل أمة، قام بواجبه الدراسيّ فهو أولوية بالنسبة له، لاننا نحن أمة “إقرأ باسم ربك الذي خلق”، وهو على كامل الاستعداد بعد الانتهاء من فروضه، للمشاركة في مسيرة العز والكرامة.

لا أخفي عنكم مدى الأثر الطيب والمطمئن الذي تركته في ذاتي هذه الصورة البهية التي تستحق بنظري أن تكون صورة العام لا بل صورة لكل الأعوام. كما تلك الصورة التي ظهرت فيها بنت غيرة تحمل كتبها وهي تبكي بعد أن قصف منزلها وتدميره طائرات العدو في غزة منذ أعوام خلت. وهذا يؤكد ما قلناه بالأمس في مقالنا “نعم قاوم… حتى بتغيير صورة البروفايل” عن أبعاد نشر صور وفيديوهات الاحتجاج، وصبر الشعب الفلسطيني الأبي ومجاهدته، وأهمية هذا النشر والتبادل.

صورة تدل على أن الأرض لا تحرر إلا بالقلم قبل البندقية، وأن الأوطان لا تبنى إلا بالكتاب قبل الترسانة العسكرية. هي صورة تؤكد ان هذا الشعب لن يُهزم، ولن يستسلم، ولن يسلّم أرضه أو يتنازل عنها مهما طال الزمن.

“إرفع رأسك” عالياً يا عزيزي، ليس فقط بوقفتك الشامخة أمام الجلاد المدجج بالسلاح، بل لأنك اختصرت الطريق وأوضحت لكل العالم أننا أمة عزيزة حية قادرة، وأن الأجيال الصاعدة ستكون أكثر إصراراً على مواصلة طريق الجهاد بالعلم والقلم والسلاح. فالسلاح أمانة بأيدي الأبطال كما القلم والكتاب.

ها هو العدو يسعى بكل ما يملك من إمكانيات وعلاقات سياسية وإعلامية صخمة أن يضفي صفة الإرهاب والجهل على المقاومين وأهل الأرض وأنه “المظلوم”، ولا يتورع عن اختلاق الصور والأقاويل الباطلة لاقناع الرأي العام العالمي بذلك. فجاء رد مدوٍ ومزلزل، بنظري، سيغير رأي الكثيرين وخصوصاً أولئك الذين يعرفون القيمة المعنوية الهائلة لهذه الصورة لفتى يسرع كي يكمل واجباته المدرسية للالتحاق بالمظاهرة الاعتراضية على سلبه حقوقه؛ فغاية العلم، إحقاق الحق وإظهار زيف الباطل.

بالله عليكم، عمموا هذه الصورة ودعوا كل أطفالنا يرونها ويتأملون بها، وليعلموا أن الواجب الأول والاساس الآن لديهم هو التعلم مهما كانت الظروف صعبة وقاسية، فالعلم كافٍ كي يساعد على حل تلك الأحوال المعقدة. أما نحن الكبار، فيجب أن نعمل بكل ما لدينا من طاقة وقوة كي لا تُغلق المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية لأي سبب كان وأن نوفر البديل لتلاميذنا وأبناء شعبنا لان بالعلم يحيا الإنسان وبالعلم تتحرر العقول وتبنى الأوطان.

موضوع ذا صلة: لن نستبدل وباء “كورونا” بـ “جائحة” الجهل

الشيخ كامل العريضي

كاتب – لبنان