محمد كريم الخاقاني*

وسط أجواء عاصفة ومناخ سياسي متأزم وتظاهرات شعبية مستمرة منذ نحو أربعة أشهر ولا تزال، تم تكليف السيد محمد علاوي برئاسة الوزراء خلفاً لسلفه المستقيل عادل عبد المهدي.

أمام الحكومة الجديدة جملة من التحديات قد ورثتها من سابقاتها على إمتداد 17 عاماً، منذ إحتلال الولايات المتحدة للعراق في أبريل/نيسان العام 2003، كالفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية، وإنعدام فرص التعيين لشرائح المجتمع، وتردي واقع الخدمات المقدمة كمسألة الكهرباء، وتوفير مستلزمات العيش البسيطة، مما انعكس سلبياً على معظم افراد الشعب العراقي على الرغم من كونه من أغنى البلدان.

كل تلك المبررات، دفعت الجماهير المنتفضة، ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، للنزول إلى الشارع مطالبة بتغيير المعادلات التي حكمت البلد على طول السنين الماضية، فكانت أشبه بثورة شعبية طالبت بتغيير جذري للمشاكل التي عانى وما يزال يعاني منها العراق، وإصلاح الأمور وبما يحقق النذر اليسير من مستلزمات العيش الكريم لهذا الشعب المعطاء، ودعم علاوي الحراك الشعبي مطالباً بإستمراريته لغاية تحقيق المطالب، وهذا يدل على شفافية ووضوح تعامله مع الشعب العراقي.

نتيجة إصرار الجماهير التي خرجت للساحات من بغداد نزولاً إلى البصرة ولدعم المرجعية الدينية لمطالبهم، تقدمت الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي بإستقالتها بعد سقوط ضحايا من المنتفضين لتنطلق الحوارات والنقاشات السياسية حول توافق القوى السياسية على شخصية مقبولة تقود البلد في مرحلة إنتقالية للإعداد لإنتخابات مبكرة، مع إقرار قوانين تنسجم مع متطلبات إقامتها كإقرار قوانين المفوضية المستقلة للإنتخابات وتعديل الدستور وغيرها من الإصلاحات التي طالب بها الشعب المنتفض. ومع طرح شروط ومواصفات في شخص رئيس الوزراء القادم من قبل ساحات التظاهر، تم تكليف السيد محمد توفيق علاوي برئاسة الحكومة المقبلة بعد توافق القوى السياسية مع قبول ترشيحه من الشعب، لتبدأ مرحلة جديدة في تأريخ العراق المعاصر.

تنتظر الرئيس علاوي العديد من التحديات من أجل تشكيل حكومته المرتقبة في مدة لا تتجاوز الشهر، حسب الدستور؛ ومن جملة الصعاب التي تواجهه مسألة التوافق بين رغبات القوى والأحزاب السياسية والجماهير المنتفضة. فمن الناحية الداخلية، نجد بأن مواقف البعض من تلك القوى وبمختلف مسمياتها مع دعم رئيس الوزراء المكلف وتجاوز الخلافات من أجل تشكيل الحكومة خلال المدة المحددة دستورياً. ومن الناحية الخارجية، نرى توافقاً دولياً على بعلاوي، إذ أعلنت واشنطن وطهران ترحيبهما بتكليفه، فضلاً عن عواصم أخرى لم تعلنها صراحة ولكنها تنتظر وضوح الرؤية أكثر لإعلان مواقفها من حكومة علاوي.

هذا ومن المتوقع أن يتم تشكيل الحكومة بصورة مغايرة لما جرت العادة بتشكيلها بالدورات السابقة وفقاً للمعادلات السائدة وبعيدة جداً عن المحاصصة الحزبية وتقديم التنازلات والمساومات السياسية التي أعلن عنها الرئيس علاوي في أول حديث له للشعب العراقي بأنه سيكون صريحاً معهم بشأن مشاورات تشكيل الحكومة إذا ما فرضت عليه ضغوط من الجهات والقوى السياسية التي لا تريد مغادرة العقلية التي طبعت طريقة تفكيرها، منذ العام 2003، بفرض مرشحيها بغض النظر عن توافر شروط توزيرهم، ومطالبته بترشيح وزراء مستقلين عن الأحزاب وذو مهنية وكفاءة ونزاهة، وهذا يعني بأن نظام المحاصصة الحزبية سوف يتعارض مع التمثيل العادل للمكونات في تشكيل الحكومة؛ وبالتالي، إن إعطاء مزيداً من الحرية له في إختيار وزراءه بعيداً عن ضغوطات القوى السياسية.

لذلك، يستند علاوي في رؤيته في تشكيل الوزارة إلى عدة معطيات أبرزها دعم المرجعية الدينية لشخصية غير جدلية وكذلك تأييد الجماهير الشعبية، مما يجعله مؤهلاً لإستعادة الثقة بين القوى السياسية والجماهير التي ترى فيه أنه لا يخضع لشروط وإملاءات الفرقاء السياسيين وبالشكل الذي يعزز من مقبوليته لديهم، وأنه عازم على مصارحة الشعب كما تعهد. وبالتالي، نرى بأنه لا يمكن أن تجازف تلك القوى بتلك المغامرة بعد قلب معادلة الحكم ودخول العامل الشعبي وبقوة فيها، لذا نجد أنه بالإمكان استثمار تلك الورقة الشعبية وتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها حكومة سلفه عبد المهدي؛ وعليه، سيتم نيل الثقة بكابينته الوزارية ربما أقل من المدة المحددة دستورياً لتوافق كتلتي “الفتح” و”سائرون” عليه، وهذا يعني جواز مرور لحكومته ونيلها الثقة من مجلس النواب.

ونرى بأن المهمة الأخرى التي على حكومة علاوي القيام بها على أكمل وجه تتعلق بمحاربة الفساد والمفسدين وفتح كافة ملفاته، ويجب على الحكومة التعامل بجدية مع ملف تواجد القوات الأجنبية على أرض العراق، والمحافظة على وحدته وإستقلاله وإبعاده عن الصراعات وأنه ليس طرفاً في أي منها مستقبلاً وقطع الطريق أمام مشاريع التقسيم.

كل تلك التحديات التي تنتظر حكومة علاوي قد تمثل حجر عثرة أمامها، ولكنها في ذات الوقت تعطي لها قوة تفضي إلى الخروج بنتائج مقبولة بالمقياس الوطني. فمن الممكن تحجيم دوره عبر وضع الآليات والوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك الهدف على الرغم من صعوبته، ولكن لا بد من تنفيذ التعهدات التي أطلقها عند التكليف وهذا يعني مصداقيته في هذا الجانب.

وتبرز كذلك مسألة إجراء الإنتخابات المبكرة، كما دعت إليها المرجعية الدينية والجماهير الشعبية لتكون منطلقاً نحو تشكيل حكومة جديدة وبرلمان يناط به مسؤولية إقرار القوانين التي تهم مصالح الشعب العراقي وإنبثاق حكومة عراقية ممثلة لهم بعيداً عن ضغوطات القوى السياسية، كما كان في السابق.

وتقع على الحكومة الجديدة، أيضاً، مسؤولية الكشف عن هوية المسؤولين الحقيقيين عن قتل المتظاهرين أثناء أزمة التظاهرات الشعبية، وتقديمهم للقضاء ونيل قصاصهم العادل، على الرغم من تشكيل الحكومة السابقة للعديد من اللجان التحقيقية بشأنها لكن من دون تحديد الجناة وهذا يعني زيادة الثقة بإجراءات علاوي وتعهداته أمام الشعب.

كل تلك التحديات التي تنتظر حكومة علاوي قد تمثل حجر عثرة أمامها ولكنها في ذات الوقت تعطي لها قوة تفضي إلى الخروج بنتائج مقبولة بالمقياس الوطني.

*باحث سياسي عراقي.

مصدر الصور: قناة العالم.

موضوع ذو صلةمحمد علاوي.. رجل المهمات الصعبة