علوان أمين الدين*
يعتبر الكثير من المراقبين أنّ قانون الانتخاب النسبي، الذي أقرّته الحكومة اللبنانية في 14 يونيو/ حزيران 2017 والبرلمان في 16 يونيو/ حزيران أي بعد يومين من إقراره في الحكومة، هو “القانون الأرثوذكسي المقنَّع”.
بناءً عليه، يمكن اكتشاف بعض الملاحظات البسيطة لكي نبيّن إذا ما كان هذا القانون هو فعلاً قانون “أرثوذكسي مقنَّع” أو قانون “مختلط” أو قانون “مستقل” بذاته. ولكن قبل ذلك، يمكن الإشارة إلى تضمن كلا القانونين بعض النقاط المشتركة، غير أنّ الاختلاف قد يكمن في بعض الأمور الموضوعية التي سنشير إليها فيما يلي.
تشكيل اللوائح
- إنّ اللوائح تضم مرشحين من كافة الطوائف وليس من طائفة واحدة على غرار القانون الأرثوذكسي الذي حدّد الاقتراع بمرشحي كل طائفة، فيما خلا بعض الأقليات التي أُعطيت الحق في حرية الاقتراع، بحسب المادة 2/ج، وبالتالي يكون القانون الأرثوذكسي نفسه متناقض مع روحه. فكيف يعطى بعض المواطنين، إذا ما أخذنا الموضوع على أساس الوطن، الحق في الاختيار بينما لا يعطى البعض الآخر هذا الحق؟!
- إنّ الحاصل الانتخابي، الذي تُحسَب على أساسه نسبة كل لائحة من الفائزين، يقوم على جمع كافة أصوات المقترعين بكافة طوائفهم، وهو ما يغاير القانون الأرثوذكسي الذي يقوم على أساس أصوات مقترعي الطائفة حصراً.
- إنّ تقسيم الدوائر الانتخابية جاء على قياس بعض الساسة إذ تمّ دمج بعض الأقضية، وربط الأخرى حتى وصلنا إلى ما مجموعه 15 دائرة. في المقابل، يقوم القانون الأرثوذكسي على أن لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولأمانة القول فإن هذه خاصية إيجابية ومطلوبة، إن لجهة حجم تنوع البيئة الاجتماعية، وإن لجهة “ردم الهوّة” التي خلّفتها الحرب الأهلية والتي لم يستطع لبنان حتى اليوم التخلص من آثاراها.
- في القانون الجديد، يجب أن تغطّي اللائحة ما نسبته 60% من عدد المرشحين عن كل دائرة، بينما لم توضح المادة 4 من القانون الأرثوذكسي عدد أعضاء اللائحة.
الصوت التفضيلي
- لا يقوم الصوت التفضيلي على أساس الطائفة، فمن الممكن أن يختار المقترع مرشحاً ليس من طائفته وهو ما قد يقوم به مقترعو الأحزاب المدنية، أو بعض الأحزاب التي قد تجيّر أصواتها التفضيلية لمرشحين من طائفة أخرى، على نفس اللائحة إجمالا، لتحسين وضعه كي يكون له فرصة المنافسة والوصول إذا كانت تتوقع، بالتحديد، حاصلاً انتخابياً عالياً. هذا الموضوع غير موجود في القانون الأرثوذكسي، إذ أنّ كل المرشحين هم من نفس الطائفة ولا يمكن للمقترع إلا التفضيل بين مرشحي طائفته حصراً.
- قد يتم الاتفاق بين القوى والأحزاب، في بعض التحالفات، على سحب بعض المرشحين من بعض الدوائر الانتخابية مقابل هذا الصوت التفضيلي، مما سيخلق نوعاً من “التحالف” خارج القيد الطائفي، وهو بالطبع غير متوافر في مشروع القانون الأرثوذكسي.
- إنّ حساب الصوت التفضيلي لكل مرشح يقوم على حاصل الأصوات التفضيلية في القضاء ككل، وبالتالي فإن هذه النسبة ستحسب من خارج القيد الطائفي، حيث لن يتم احتساب نسبة الحاصل التفضيلي على أساس طائفة المقترع.
ماهية القانون
في البداية، يجب التذكير بأن القانون الأرثوذكسي يعتبر قانوناً غير دستوري ويخالف وثيقة الوفاق الوطني وهو ما تحدثنا عنه سابقاً(1)، وتطبيقه يكرّس مبدأ الطائفية التي نريد الخروج منها ومن تداعياتها.
من هنا، يمكن اعتبار هذا القانون الجديد قانوناً نسبياً، كونه يضم مكونات حزبية وسياسية لا يجوز إقصاؤها بقانون أكثري؛ وقانوناً أكثرياً فردياً إذا ما أخذنا الصوت التفضيلي على أساس الدائرة الصغرى (القضاء) لأن المقترع يفضل مرشحاً بعينه، ضمن اللائحة التي يختارها، يرى أنه يمثله تمثيلاً صحيحاً، إضافة إلى تفعيل القانون الأكثري الفردي (على أساس القضاء) في حال شغور أي مقعد لسبب ما (وهي نقطة لم يتطرّق لها القانون الأرثوذكسي).
في الخلاصة، يبقى هذا القانون غير وطني لعدة أسباب يكمن أهمها في أنّ وثيقة الوفاق الوطني جعلت من المحافظة دائرة انتخابية (على أقل تقدير)، ودعت إلى اعتماد قانون انتخابي خارج القيد الطائفي مرفق بمجلس شيوخ (لحفظ حقوق الطوائف بالأساس) تتساوى فيه كل الطوائف لناحية التمثيل والأصوات بغض النظر عن حجمها أو عدد أفرادها. ولكن برغم السيئات الموجودة في هذا القانون، إلا أن تكريس مبدأ النسبية يبقى الأهم، وهو ما برحت الأحزاب والقوى المدنية اللبنانية المطالبة به منذ عقود.
*مؤسس ومدير مركز “سيتا”
الهوامش:
(1) علوان نعيم أمين الدين. 22/2/2013. المشروع الأرثوذكسي من منظار قانوني. جريدة الأخبار اللبنانية. على الرابط التالي:
https://al-akhbar.com/Opinion/46654
مصدر الصورة: موقع جنوبية.