إن الوضع الحالي للعالم عميق الخصوصية، ويبدو غير مفهوم لجزء كبير من الرأي العام. العالم يبدو وكأنه يتجه مجددًا نحو صراعات وحروب لا يمكن تبريرها. صوت العقل والحكمة يبدو وكأنه قد فقد بريقه، تاركًا المجال لضوضاء الأسلحة، منطق اقتصادي ومالي قاسي، وجنون بعض القادة الذين يضعون أنفسهم فوق شعوبهم. البعض منهم يرى نفسه كأنبياء حديثين أو مخلصين مرسلين من السماء.

هذا التطلع إلى “المخلص” يبدو منتشرًا على مستوى العالم. من ناحية، هناك من يأملون في مجيء مسيح لتحسين حياة أرضية يعتبرونها فاسدة، ناسين أن مصدر السعادة يكمن في داخل كل منهم. هذه المعتقدات، التي تكون غالبًا ملوّنة بدوافع دينية وسياسية، تولّد انقسامات بين الأفراد وتنتج صراعات دموية.

من ناحية أخرى، هناك من يرون أنفسهم كمخلّصين. هذه الشخصيات، المغمورة بتدين لاديني، ليست أكثر فعالية من المخلصين غير المرئيين الذين يحلون محلهم، لأنهم يغذّون أيضًا الصراعات والحروب. سواء كان المخلص غير مرئي أو مرئي، إلهيًا أو بشريًا، فإن الأبرياء هم دائمًا من يدفع الثمن الباهظ.

فكرة المخلص تقوم على شخص يتمتع بعناية إلهية، قادر على إنقاذ البشرية من معاناتها. هذا المفهوم يجسّد الأمل العالمي في كائن إلهي أو قائد كاريزمي يجلب السعادة والخلاص. ومع ذلك، في أيامنا هذه، يبدو أن هذا الترقب لا يؤدي إلا إلى الخراب، الكوارث، والحروب.

بعض المثقفين الزائفين والمفكرين التافهين يرون الأحداث الحالية كلعبة نهاية الزمان بين الخير والشر. ولكن السبب الحقيقي لهذا الوضع ليس الخطيئة الأصلية الدينية، بل هو الغرور، الأنانية، والفردانية لبعض الأفراد والجماعات، الذين يهددون بجر البشرية إلى هاوية لا قاع لها.

ثقافة الأنا لم تعد حكرًا على السياسيين فقط. لقد أصبحت ثقافة عامة، نمطًا من التفكير يتشاركه الكثيرون، حتى أولئك المقتنعين بأنهم يعملون بنية حسنة. كما أنها تمس أيضًا من يقولون إنهم مؤمنون، روحيون أو مستنيرون. في الوقت نفسه، تنتشر التفاهة على نطاق واسع، تطال النخب كما الطبقات الشعبية. الأفراد، في حياتهم اليومية، يسعون لتقليد أولئك الذين يجردونهم من غريزتهم، ويحولونهم إلى مجرد أدوات باسم قيم متحضرة مزعومة. هذه الفردانية المبالغة تتماشى مع خطاب متناقض يدعو إلى حب الآخر.

عبادة “عجل الذهب” الحديث، المتمركزة حول “الأنا”، تعود بقوة. عبادة هذا الأنا أصبحت شائعة إلى درجة أنها خطيرة مثل الحرب، بل أكثر من الانفجار النووي. ولكن هذا الانفجار قد حدث بالفعل في عقول الكثيرين، مولّدًا الإحباط، عدم اليقين، الخوف، والارتباك.

الصحفيون، المحللون، المثقفون والسياسيون يتحدثون باستمرار عن إمكانية حدوث حرب عالمية ثالثة، دون أن يدركوا أن الانفجار قد حدث بالفعل. ما هو سببه؟ ولماذا؟ والأهم، ماذا يمكنهم أن يفعلوا لإيقافه؟

هذه الحقبة من التفاهة لا تمس الغرب فقط، بل تكاد تطال العالم بأسره. البشرية، التي يقال إنها خُلِقت على صورة الله، تبدو وكأنها تخيّب آمالها وآمال خلقها.

أنطوان شاربنتييه – صحفي مستقل – متخصص في الشرق الأوسط وأوروبا – باريس

مصدر الصورة:  lindaikejisblog

إقرأ أيضاً: شاربنتييه: تعديلات جذرية في سياسات الإتحاد الأوروبي الخارجية بعد “كورونا”