حوار: سمر رضوان
يعيش الإتحاد الأوروبي حالياً أزمة إنسانية وصحية كبيرة بسبب تفشي وباء كوفيد – 19 أو ما يسمى بفيروس كورونا، حيث يرى العديد من المراقبين بأنه سيعدل كثيراً في الأداء السياسي الأوروبي على الساحتين الداخلية والخارجية مستقبلاً، الأمر الذي يزيد من حدة الأزمات السياسية في ظل عدم ظهور أي تضامن بين الحكومات والأحزاب، وحتى بين الشعوب الأوروبية، لمواجهة هذا الفيروس.
عن المخاطر المحيطة بدول الإتحاد الأوروبي، عموماً، وفرنسا، خصوصاً، في مواجهة فيروس كورونا، وتأثيرات ذلك على السياسة الأوروبية، بالتحديد مع الولايات المتحدة، وعلى مسألة تكتل الإتحاد الذي أظهر عجزاً في الموجهة إلى حد الآن، سأل مركز “سيتا” الدكتور أنطوان شاربنتييه، الباحث في الشوؤن الأوروبية – باريس، حول هذا الموضوع.
إنهيار وشيك
إن “مبدأ التضامن”، الذي يعد أحد أسس الإتحاد الأوروبي، لم يعد له أي نفع عملياً وهو ما قد يؤثر على مستقبل الإتحاد ويضعه على سكة التفكك خاصةً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار، إلى جانب أزمة الكورونا، الأزمات الأخرى ومنها صعود اليمين المتطرف والنزعة الشعبوية، وأزمة اللاجئين، وإنحدار المحور الغربي الذي ينتمي إليه الإتحاد الأوروبي بسبب سياسات الولايات المتحدة في العالم، وإعلان الحرب من قبل الأخيرة بشتى الوسائل على أوروبا منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة.
فالرئيس ترامب هو أول من فرض الحظر على أوروبا ومنع مواطنيها من السفر إلى بلاده عندما سمع بتفشي الفيروس، بينما أرسلت الصين المساعدات والطواقم الطبية كي تساعد الشعوب الأوروبية والدول الغربية على مواجهة هذه الجائحة. بمعنى أن هذه النزعة الفردية، التي أصبحت ميزة، قد تؤدي بالغرب إلى الإنهيار.
توجه جديد
ليس هناك أي خيار آخر لبلدان الإتحاد الأوروبي إلا طلب المعونة من ذوي الإختصاص والخبرة لمواجهة هذا الوباء، أي الصين. ففي ظل تقاعس واشنطن، “قائد المحور الغربي” والتي تعتبر دولة عظمى، أظهرت بكين مسؤولية إنسانية وسياسية متزنة على مستوى عالٍ جداً ما ينقض “شيطنة” الإعلام الغربي لها منذ بدء ظهور أزمة الكورونا.
قد تساهم مبادرة إيطاليا وإسبانيا وصربيا بطلب المساعدة والمعونة من الصين بكسر الهيمنة الأمريكية على أوروبا وبشكل جدي، ما سيؤدي في المستقبل إلى إعادة التفكير في مبدأ هذه الرأسمالية ومبدأي الحرية والعولمة. فوباء كورونا، سيغير وجه الغرب وأوروبا ومعها وجه العالم، وهو ما أكده تصريح للرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، يؤكد أن الوهم الأوروبي “تبخر” ما يدعونا للتساؤل عن حاجة المواطن الأوروبي لهذا الإتحاد بالشكل الذي هو عليه الآن.
لقد أظهرت بروكسل ضعفاً كبيراً في مسار العلاقات الدولية ولم تستطع فرض نفسها سياسياً، لا في الداخل وفي الخارج ولا حتى إقتصادياً ولا إجتماعياً، فهي اليوم عبارة عن فكرة ثقافية وأمنيات مثالية لا تعطي أية نتيجة فعلية على أرض الواقع. اليوم، يرى المواطن الأوروبي نفسه محاصراً من جميع الجهات ومهدداً وجودياً وغير قادر على المواجهة بسبب سياسات حكوماته ما يزيد من صعود الجناح اليميني، الذي أثبت في بعض المواضيع أنه أسوأ من الحكومات الحالية. لكن هذا الصعود يؤكد أن الشعوب الأوروبية سئمت من الطبقة السياسية الحاكمة، حيث بات المواطن الأوروبي يطرح السؤال، منذ فترة، وهو: ما حاجتي بعد إلى الإتحاد الأوروبي؟ قد تأتي له أزمة الكورونا بالجواب.
من هنا، إن إحدى الحلول المتاحة لأوروبا هي “التوجه شرقاً”، ولهذا، يجب عليها كسر القيود الأمريكية وهيمنتها عليها، وخصوصاً أن واشنطن لم تساعدها يوماً، لا سيما وأن هناك محاولات “خجولة” من بعض القادة الأوروبيين نحو الصين، لكن هذا الإتجاه محصور في المجالين الإقتصادي والمالي.
والسؤال هنا: هل ستخطو الدول الأساسية في الإتحاد الأوروبي، كألمانيا وفرنسا، هذه الخطوة وتتجه نحو الشرق؟ هل ستقبل أمريكا بأن تخرج أوروبا من تحت عباءتها؟
خطة فرنسية
على الصعيد الداخلي الفرنسي، إن أكثر الإصابات والضغوط على المستشفيات هي في شرق فرنسا، بما فيها مدن ستراسبورغ ومولوز وكولمار؛ أما في باريس وضواحيها، فهناك أعداد هائلة من المصابين والوفيات. من حيث الأرقام، هناك حوالي 10 آلاف مصاب معروف، وحوالي 300 – 400 حالة وفاة، وخلال الـ 24 ساعة الماضية قضى حوالي 80 شخصاً.
من ضمن خطة الطوارئ الموضوعة، أرسل الرئيس إيمانويل ماكرون الجيش الفرنسي، الذي أنشأ مستفى ميدانياً في منطقة الألزاس، لمساعدة المستشفيات والطواقم الطبية. لكن المشكلة تبقى في نقص المعدات، أجهزة إنعاش وغيرها، وأعداد الطواقم الطبية، فهناك حضور بنسبة الخُمس تقريباً حيث أن البقية توقفت عن العمل تحت ذرائع مختلفة لإن الوضع مرعب لا بل مخيف في الحقيقة، إذ لا أحد يعرف كيف ستكون النتيجة ومفاعيل الفيروس ما يسبب في حالة ذعر كبيرة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة الفرنسية تأخرت بعض الشيء بفرض الحظر، وهو أمر لم نفهمه، في ظل ما كان يجري في إيطاليا وإسبانيا وكثير من بلدان العالم، كما أن الكثير من المواطنين لا يحترمون حظر التجوال والحجر المنزلي وهذه مشكلة كبيرة تواجهها اليوم قوى الأمن الداخلي وحتى الشعب أيضاً، إذ لديهم صعوبة بفهم مسألة أن هذا الفيروس هو نوع من أنواع الحروب، غير العسكرية أو المرئية الفعلية، غير المنظورة ما يزيد من عدم تقبل هذا الوضع؛ بالتالي، هم يساهمون بطريقة أو بأخرى في توسيع رقعة إنتشاره.
مسؤولية عالية
إن الإجراءات التي تأخذها الدولة الفرنسية هي إجراءات صارمة وطبيعية، في مثل هذه الحالة؛ فإذا كان نتحدث عن نوع من التقصير لكننا لا يمكن الحديث عن أنها تقاعست فهي تعمل في كل الإتجاهات والإمكانيات المتاحة لها ضمن كل الطاقات المتوفرة، ليلاً نهاراً، للحد من إنتشار هذا الفيروس ويبقى على عامة الشعب التجاوب معها.
ومن بين هذه الإجراءات فرض خطة طوارئ بين وزارة الصحة والمستشفيات، بما في الواقعة جنوب وغرب البلاد التي لا يوجد فيها الكثير من الإصابات أو من الممكن القول ليس هناك إصابات البتة، لكن يتم التجهيز جيداً، خاصة في أقسام الإنعاش، لأنهم يعرفون أنه مع حلول شهر أبريل/نيسان، حتى منتصفه، سيكون هناك ضغطاً كبيراً.
غير أن النقض في المواد والمعدات يجعلهم وكأنهم ذاهبون إلى حرب من دون سلاح، مع الإعتراف الكامل بشجاعة كل من الطاقم الطبي والدولة الفرنسية لمواجهة الحرب الضروس “حرب كورونا”.
مصدر الصورة: الميادين.
موضوع ذا صلة: “الهندسة الاجتماعية” أو نزول فرنسا إلى الجحيم (1/2)