اعداد: يارا انبيعة

تسعى روسيا إلى خلق مسار جديد لحل الأزمة السورية عبر إطلاق مؤتمر “سوتشي”، بعنوان “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، إلى جانب مسار “استانه” الذي تديره فعلياً، بمساعدة تركيا وإيران، دون أن يكون للأمم المتحدة أو الدول الغربية دور يذكر فيها.

وفي الوقت التي أعربت فيه عدة دول غربية عن خشيتها أن يستبدل مؤتمر “سوتشي” مسار “جنيف” برعاية الأمم المتحدة، أكدت روسيا أن هدف المؤتمر هو دعم “جنيف” والذي جاء بعد جولة فاشلة، برعاية الأمم المتحدة، بين الحكومة والمعارضة في “فيينا”، تلت جولات عدة مماثلة في “جنيف”، لم تؤدِّ إلى نتائج تذكر.

بمشاركة وصلت الى نحو 1500 شخص مثلت الغالبية العظمى من شرائح المجتمع السوري لا سيما الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني واعضاء من المعارضات الخارجية، انطلقت أعمال مؤتمر “الحوار الوطني السوري – السوري”، في 29 يناير/كانون الثاني 2018، من اجل ايجاد سبل جديدة لحل النزاع المستمر منذ العام 2011.

بداية “مُعَطِلة”

لم تكن بداية أعمال المؤتمر مشجعة، فالأجواء المتوترة كانت سائدة لا سيما بعد ان تأخر انعقاد المؤتمر نحو ساعتين ونصف الساعة بسبب رفض ممثلين عن فصائل المعارضة الناشطة في الشمال السوري المشاركة احتجاجاً على شعار المؤتمر الذي يتضمن العلم السوري، اذ غادروا لاحقاً عائدين الى تركيا.

الى ذلك، رفضت عشرات الفصائل المقاتلة المعارضة وهيئة التفاوض لقوى “الثورة والمعارضة السورية” الحضور، كما أعلنت الإدارة الذاتية الكردية عدم المشاركة في المحادثات بعد ان اتهمت روسيا وتركيا بـ “الاتفاق” على شن الهجوم على عفرين، والتي تتعرض لعملية عسكرية تركية واسعة.

وبعد مشادات كلامية واعتراضات، قرر عدد من المشاركين الانسحاب ما استدعى تدخلات من المسؤولين الروس والأتراك للحفاظ على سير المؤتمر لكن 78 معارضاً غادروا بالفعل، منهم الرئيس السابق للحكومة السورية الموقتة، أحمد طعمة، وقادة فصائل الشمال المدعومة من تركيا، على متن طائرة خاصة اقلتهم إلى أنقرة، حيث اصدروا بياناً قالوا فيه ان “توجه وفد قوى الثورة والمعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر سوتشي قادماً من أنقرة، آملاً دفع عملية السلم قدماً، وتحقيق انتقال سياسي جاد، ينقل سورية من الاستبداد إلى الديمقراطية”، مضيفاً “لكننا فوجئنا بأن أياً من الوعود التي قطعت لم يتحقق. فلا القصف الوحشي على المدنيين توقف، ولا أعلام النظام أزيلت عن لافتات المؤتمر وشعاره، فضلاً عن افتقاد أصول اللياقة الدبلوماسية من الدولة المضيفة.”

مؤتمر “فريد من نوعه”

القى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الافتتاحية التي جاء فيها “إنه مؤتمر فريد من نوعه، لأنه يجمع بين ممثلي أطياف اجتماعية وسياسية مختلفة للمجتمع السوري”، مضيفاً “نحن بحاجة إلى أي حوار فعال فعلاً بين السوريين، من أجل تحقيق تسوية سياسية شاملة، تلعب فيها الأمم المتحدة دوراً قيادياً.. الظروف مهيأة لإغلاق صفحة مأساوية في التاريخ السوري، السوريون وحدهم هم من يمكنهم تحديد مستقبل بلدهم.”

وأشاد الوزير لافروف بمشاركة ممثلين عن مختلف الجماعات العرقية والاجتماعية والسياسية في المؤتمر، كما قدم الشكر إلى كل من تركيا وإيران والأمم المتحدة على دعمها لمحادثات السلام، فيما وصفت مشاركة المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، بـ “الخجولة”.

الدستور أولاً

أكّد فيتالي ناعومكين، المستشار الخاص للمبعوث الدولي، أن “حضور أطراف دولية ولو على مستوى السفراء، ووجود دي ميستورا يمنح شرعية للمؤتمر”، وأضاف أنه “من المبكر الحديث عن صياغة دستور جديد”، مشدداً أن العملية يجب أن تتم تحت مظلة الأمم المتحدة وأن تساهم في دفع عملية “جنيف” إلى أمام، لافتاً إلى أن روسيا منفتحة على المجموعات المعارضة غير المتطرفة التي لا تشترط تغيير النظام.

إلى ذلك، أكّد وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، أن اللجنة الدستورية المنبثقة عن “سوتشي” سيكون لتركيا وإيران وروسيا عدد متساوٍ من الأعضاء فيها، مضيفاً أنها ستشكل برئاسة دي ميستورا، مشيراً الى ان قسماً من المعارضة كلف تركيا بتمثيله في المؤتمر.

في هذا الإطار، كشف عضو مجلس الشعب السوري والمشارك في المؤتمر، مهند الحاج علي، أن صفة هذه اللجنة ستكون “استشارية” وأن عملها يقتصر على “مناقشة الدستور السوري فقط من دون تعديله”، وأوضح أن هذا الأمر يعود إلى “قيود يفرضها القانون السوري، الذي ينص على أن حق تعديل الدستور يعود للجنة مشكلة من رئاسة الجمهورية وبطلب من الرئيس، أو لجنة مشكلة من مجلس الشعب وبموافقته.”

من جهتها دعت رئيسة “منصة استانا” للمعارضة السورية، رندة قسيس، إلى التركيز على صياغة دستور جديد لسورية على رغم الخلافات، وأعربت عن قلقها من إمكان تولى الأمم المتحدة قيادة لجنة صياغة الدستور، مشيرة إلى أن المفاوضات الجارية تحت الرعاية الدولية في “جنيف” لم تحرز أي تقدم على المسار السياسي، وشددت على ضرورة كتابة الدستور أولاً وتشكيل الهيئة ويجري بعد ذلك تسليمها إلى الأمم المتحدة من أجل شرعنتها، مضيفة “يمكن أن نضع أدوات الحل السياسي داخل الدستور.”

بدوره أعرب رئيس “منصة موسكو”، الدكتور قدري جميل، عن أمله بأن يكون مؤتمر “سوتشي” نقطة انطلاق لعملية الإصلاح الدستوري في سورية، وأكد ان “ما يهمنا (هو) انطلاق عملية الحوار وتثبيت فكرة أننا بحاجة لدستور جديد”، مشدداً على أن مسألة الإصلاح الدستوري يبحثها السوريون فقط.

اما رئيس تيار “قمح”، هيثم مناع، فقد وصف أجواء المؤتمر بالغائمة والمشابهة لأجواء المنتجع الروسي. وقال مناع إن الجهود انصبت على “منع حدوث انفجار داخلي أو خارجي، وعدم الخروج بخفي حنين”، مشيراً في الوقت ذاته إلى “تحقيق تقدم وإيجاد نقاط مشتركة بين المشاركين”. وأشار مناع لمحادثات جرت ليلاً هدفهت الى “التوافق على اللمسات الأخيرة لاختيار لجنة الشؤون الدستورية المشكلة من 200 عضو تمثل مختلف الأطراف والمكونات الحاضرة إضافة إلى عدد من الغائبين عن المؤتمر”، وأوضح أن “اللجنة لا تنافس أي مجموعات أخرى معنية بالعمل على الإصلاحات الدستورية.”

للسوريين وحدهم الحق في تقرير مستقبلهم

قال غسان القلاع، رئيس غرفة تجارة دمشق وأكبر الأعضاء المشاركين في المؤتمر سناً، في كلمته الافتتاحية الى ان “سورية قلب العروبة النابض وملتقى الحضارات ولذلك نؤكد على تمسكنا بهذه الرابطة التي لم تستطع السنوات السبع العجاف التي مرت على بلادنا من إضعافها بل على العكس زادتها قوة ومنعة ومتانة ولولا ذلك ما استطعنا كسوريين من تحقيق الانتصارات على مجموعات الإرهاب التكفيري وتقديم التضحيات العظام من زهرة شبابنا وشباب جيشنا الباسل وشعبنا الوفي.”

وأضاف القلاع ان “هذه الانتصارات هيأت الظروف لهذا اللقاء من أجل أن نعلن للعالم أجمع أننا كسوريين قادرون على الاجتماع والاستماع لبعضنا البعض لنؤكد العقد الوطني الذي يوحدنا وننظر كيف يكون وطننا أقوى وأفضل، لأن لا أحد أحرص على سورية من السوريين ولنطلق صرخة مدوية إلى كل من يعنيه، ارفعوا أيديكم عن سورية وكفاكم تدخلاً في شؤونها وإذكاء نار الفتن والتفرقة، فقد ذاق شعبنا الكثير من المرارة ومختلف العذابات جراء هذه التدخلات السافرة بعد أن كان أنموذجاً للعيش المشترك وعنواناً للاستقرار والأمان.”

وتابع القلاع “إن سورية لن تكون إلا للسوريين الوطنيين المخلصين من أبنائها ولهم وحدهم.. ووحدهم فقط، الحق في تقرير مستقبلهم”، مختتماً بالشكر الجزيل لروسيا الاتحادية قيادة وحكومة وشعباً على دعمها المتواصل لوطنه واستضافتها هذا اللقاء وتهيئة كافة الظروف لانعقاده.

المقررات الختامية

بالرغم من الاختلافات المتنوعة التي سادت قبيل انعقاده، اختتم المشاركون في المؤتمر بالتأكيد على الالتزام الكامل بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة سورية أرضاً وشعباً واعتماد التسوية السياسية للأزمة السورية، ضمن المبادئ الـ 12 التي اقرها البيان الختامي، دون التنازل عن أي جزء من الأراضي السورية، والالتزام الكامل بالسيادة الوطنية للدولة السورية ورفض التدخل الخارجي في شؤونها، وضرورة أن يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلاده بالوسائل الديمقراطية ومع حقه الحصري في اختيار نظامه.

كما نص البيان على أن تكون سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية وقائمة على التعددية والمواطنة المتساوية، وبناء جيش وطني قوي موحد يقوم على الكفاءة ويمارس مهماته، على رأسها حماية الحدود والسكان من التهديد الخارجية والإرهاب وفقا للدستور وبالأعلى المعايير، بالإضافة إلى بناء مؤسسات أمنية ومخابراتية تحفظ أمن البلاد مع الخضوع لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

ومن اهم المقررات، ايضاً، اتفاق المشاركين على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي الحكومة والمعارضة لإصلاح الدستور، حيث اشار البيان الى الاتفاق على “تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد الحكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، وذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254″، مشسراً الى ان اللجنة ستضم ممثلين خبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء (وقيل بأن عدد اعضاء اللجنة اصبح 164 عضواً 114 للحكومة السورية و50 للمعارضة).

الى ذلك، لم يشر البيان إلى تغيير النظام السياسي أو مسألة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، بحسب الأمم المتحدة.

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: روسيا اليوم – الجزيرة – تشرين اونلاين.