إعداد: يارا انبيعة

“البداية الجيدة”. عنوان وصف فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وذلك بعد اختتام قمة استمرت لأكثر من ساعتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، 16 يوليو/تموز 2018، في أهم لحظة فارقة بالنسبة للغرب منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991.

أما الرئيس الروسي، فقد اعتبرها “الخطوة الأولى في إزالة الأنقاض عن العلاقات بين البلدين”، مشيراً إلى أنّ العلاقات المشتركة كانت في أسوأ حالاتها قبل اليوم لكنها تحسنت بفضل هذه القمة.

وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب حاول رسم ابتسامة عريضة على وجهه أثناء مصافحته لنظيره، إلا أن هذه المحاولة لم تعنه على إخفاء الاضطراب الذي اعترى قسمات وجهه وجعله يبدو متجهماً، في المقابل بدا بوتين هادئ الأعصاب على سجيته، متمتعاً بكل راحة في جلسته على المقعد المقابل لترامب يرمقه بنظرة فيها بعض من الترحيب والترغيب والمودة، والكثير الكثير من الأسرار.

محادثات “كل شيء”

في مستهل قمتهما التاريخية، أعرب الرئيس الأميركي عن أمله في علاقة “استثنائية” مع نظيره الروسي، الذي اعتبر أنه آن الأوان لإجراء محادثات “جوهرية” حول نزاعات العالم. وقال ترامب “أعتقد أنه ستكون لدينا علاقة استثنائية في النهاية، إن التوافق مع روسيا أمر جيد وليس بالسيئ”، مضيفاً أن محادثاته مع بوتين تناولت “كل شيء بدءاً من التجارة ومروراً بالشؤون العسكرية والصواريخ (وانتهاء) بالصين، سنتحدث قليلاً عن الصين وصديقنا المشترك الرئيس شي.”

كذلك، أشاد ترامب بإستضافة روسيا لبطولة كأس العالم لكرة القدم، مشيراً إلى أن “الأهم من ذلك هو أن لدينا الكثير من الأمور الجيدة التي يمكن أن نتحدث بشأنها.”

بعد 4 ساعات.. العلاقات أفضل

خلال مؤتمر صحافي للرئيسين الأميركي والروسي في ختام قمة هلسنكي، أشاد ترامب بالرئيس الروسي قائلاً “لقد اختتمت للتو اجتماعاً مع الرئيس بوتين بشأن سلسلة من القضايا المهمة لبلدينا، ولقد أجرينا حواراً مباشراً وصريحاً ومثمراً للغاية”، وأضاف “من مصلحة كل منا مواصلة حوارنا، واتفقنا على القيام بذلك. أنا متأكد من أننا سنلتقي مستقبلاً في كثير من الأحيان، وآمل في التوصل إلى حل المشكلات التي ناقشناها اليوم.”

كما أكد ترامب “أن واشنطن حريصة على إبعاد العداء في علاقتها مع موسكو”، مشيراً إلى أن علاقة الولايات المتحدة بروسيا لم تكن أسوأ أكثر من الآن لكن هذا تغير. وأضاف أن القمة الأميركية الروسية بحثت الهجمات الإرهابية والتعاون الأمني، مؤكداً أهمية الضغط على إيران، وتغير العلاقة مع موسكو منذ 4 ساعات، في إشارة إلى اجتماع القمة الذي جمع الزعيمين، وأشار أن روسيا ساعدت الولايات المتحدة في تدمير تنظيم “داعش”. وفي رده على أحد الأسئلة، قال ترامب “لقد سميت بوتين منافساً في إطار المدح ولم أنعته بالخصم.

بدوره، قال الرئيس بوتين إن محادثاته كانت ناجحة جداً ومفيدة للغاية وسط أجواء من الصراحة والعمل، واعتبرها ناجحة جداً ومفيدة للغاية. وتابع بوتين “بشكل عام نحن مرتاحان لهذا اللقاء الفعلي الأول، لقد تحادثنا بشكل جيد، وآمل بأن نكون قد بدأنا نفهم بعضنا البعض بشكل أفضل.. لم نتمكن من حل كل شيء، إلا أننا أنجزنا خطوة مهمة في هذا الاتجاه.”

قضايا على المائدة

نافش كلا الرئيسن عدداً من المواضيع المهمة التي تشكل عامل قلق للكثير من دول العالم كونها لا تزال يعتبرها الكثير من المراقبين بأنه فتيل لأزمة أكبر، أي حروب كبيرة. أبرز تلك المواضيع:

– الحد من انتشار الأسلحة: الزعيمان يفتخران بقدرات بلديهما النووية. وقد وقع البلدان على اتفاق خفض حجم ترسانتهما النووية التي هي الأكبر في العالم. ويسري الاتفاق إلى 2021، وأي اتفاق على تمديده سيكون موقفاً إيجابياً.

– العقوبات الأمريكية: فرضت العقوبات على أشخاص وشركات بعد ضم شبه جزيرة القرم، ودعمها للانفصاليين في أوكرانيا، دورها في النزاع السوري، ومزاعم تدخلها في انتخابات 2016.

– أوكرانيا: منحت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً لأوكرانيا وسيكون بوتين سعيداً لو يختفي هذا الدعم. وسيكون ذلك اعترافاً بضم شبه جزيرة القرم.

– سوريا: تريد إسرائيل أن تبتعد إيران والقوات التي تدعمها عن جنوب غربي سوريا القريبة من حدودها، ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان بوتين سيعرض على ترامب تحديد نشاطات إيران في سوريا.

في هذا الملف بالتحديد، أعرب الرئيس ترامب عن أمله في تحسين التعاون بين بلاده وروسيا في هذا البلد، وقال إن الجانبين لديهما القدرة على إنقاذ حياة آلاف الناس في الحرب الأهلية الدائرة هناك، وأضاف ترامب أنه لا ينبغي السماح لإيران بأن تستفيد من الحملة الناجحة على تنظيم “داعش”.

من جهته، قال الرئيس بوتين إن عملية إعادة اللاجئين السوريين لبلدهم ستخفف من الضغط على أوروبا، مؤكداً استعداد موسكو لتقديم مساعدات إنسانية في سوريا، مشيراً إلى بحث التطورات في سوريا، وأن الظروف أصبحت مواتية لتعاون “فعّال” بشأنها. وفي موضوع الجولان السوري، أكد الرئيس بوتين على ضرورة العودة إلى ما يعرف بـ “قواعد فض الاشتباك” المقرّة في العام 1974.

التَّدخل في الإنتخابات.. بين التشكيك والثقة

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب “ثقته الكبيرة” بأجهزة الاستخبارات الأميركية، في 17 يوليو/تموز2018 مع أنه كان رفض بعيد قمته مع فلاديمير بوتين إدانة موسكو لتدخلها في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وهو الأمر الذي أكدته هذه الاستخبارات.

من جانبه، أكد بوتين أن بلاده لم تتدخل مطلقاً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مضيفاً “كان علي أن أكرر ما سبق أن قلته عدة مرات، الحكومة الروسية لم تتدخل إطلاقاً ولا تنوي التدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، بما في ذلك العملية الانتخابية.”

كما رحب بوتين بالتعاون بين أجهزة الاستخبارات الروسية والأميركية، خاصة في مجال جرائم المعلوماتية، قائلاً “نؤيد تمديد تعاوننا في مجالي مكافحة الإرهاب ومكافحة جرائم المعلوماتية، أجهزتنا الاستخبارية تحقق نجاحاً كبيراً.”

“خطأ مأساوي”

رأى المحلل السياسي، مكسيم سوتشكوف، أن أكثر ما يهتم به ترامب هو استمالة روسيا لتقف إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهة بين دول القرن الـ 21 الرئيسية أو، على الأقل، تلتزم الحياد، إذ ذهب ترامب للقاء بوتين من أجل تلك الغاية.

من جهته، عبر رئيس مركز موسكو لمؤسسة كارنيغي، دميتري ترينين، عن شكوكه في إمكانية أن يصل الرئيس الأمريكي إلى هدفه، واستبعدت أوساط الخبراء إمكانية أن يغدو بوتين شريكاً لترامب في مواجهة كل من إيران والصين.

من جهته، وصف السيناتور الجمهوري الأمريكي، جون ماكين، اجتماع الرئيسين الأمريكي والروسي بأنه “خطأ مأساوي” وتراجع جديد للولايات المتحدة، متهماً ترامب بالتقاعس عن الدفاع عن بلاده، إذ قال “لم يتقاعس الرئيس ترامب فحسب عن قول الحقيقة عن خصم، ولكن رئيسنا، الذي يتحدث باسم أمريكا للعالم، تقاعس عن الدفاع عن كل ما يجعلنا ما نحن عليه، جمهورية شعب حر كرّس نفسه لقضية الحرية في الداخل والخارج.. من الواضح أن قمة هلسنكي كانت خطأ مأساوياً.”

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: العربية نت.