الياس فرحات*

اخرجت اسرائيل الى العلن استعداداتها لضربة عسكرية ضد ما تدعيه انه “منشآت ايرانية لصناعة الصواريخ في لبنان”. بدأ ذلك مع اجتماع رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، في 28 اغسطس/آب 2017، عندما اشار الى “التحصينات الايرانية” في لبنان والجهود التي تبذل لبناء مواقع لانتاج الصواريخ، وقال نتنياهو: “هذا امر لن تقبله اسرائيل ويجب ان لا تقبله الامم المتحدة ايضاً.”

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2018، حذر رئيس الاركان الاسرائيلي، غادي ايزنكوت، من ان حزب الله يخرق قرارات مجلس الامن بإقامة مناطق عسكرية مقفلة ومحظورة في لبنان، والقيام بأعمال تطوير الصواريخ. وفي 28 يناير/كانون الثاني 2018 وفي خطوة غير مألوفة، وزَّع الجنرال رونين مانيليس، كبير الناطقين بلسان الجيش الاسرائيلي، مقالاً باللغة العربية(1) حذر فيه ان لبنان قد اصبح مصنع صواريخ كبير، وان ايران فتحت ما سماه فرع “ايران – لبنان”، كاشفاً ان واحداً من كل ثلاثة او اربعة بيوت في جنوب لبنان هو مقر لسلاح حزب الله، ومتهماً حزب الله بمحاولة السيطرة على الدولة اللبنانية.

في هذا المجال، جاءت زيارة نتنياهو الى موسكو قبل ايام، في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، ولقاؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلامه عن ان لبنان اصبح مصنع صواريخ متقدم، لتؤكد على نوايا اسرائيل. بحث نتنياهو خلال زيارته موضوع منشآت الاسلحة الايرانية في لبنان التي يمكنها تحويل الصواريخ الى مقذوفات بالغة الدقة بإمكانها اصابة اي هدف في اسرائيل من بنى تحتية ومراكز سكنية، وقال للصحافيين “ان تهديد الاسلحة الدقيقة من لبنان اصبح كبيراً ولن نقبل به، واذا كان علينا القيام بعمل ما، فسوف نقوم به.”

وبعيد عودته الى اسرائيل وصل، يوم الاربعاء الماضي في 31 يناير/كانون الثاني، وفد عسكري امني روسي برئاسة سكرتير مجلس الامن القومي الروسي، نيقولاي باتروشيف، على رأس وفد كبير يضم نائب وزير الخارجية ونائب وزير الامن الداخلي ونائب وزير القضاء بالاضافة الى عدد من الجنرالات ومسؤولي الاستخبارات لإجراء ما اعلن انه “مشاورات روسية – اسرائيلية في مجال الامن.”

الى ذلك، قال وزير الدفاع الاسرائيلي، افيغادور ليبرمان، امام حزبه اسرائيل بيتنا: “نقوم بمساع سياسية وغيرها من اجل وقف تصنيع الصواريخ في لبنان، وآخر ما اريده لاسرائيل هو ان تدخل حرب لبنان الثالثة. اعتقد ان هناك وسائل كافية اخرى ما زالت بتصرفنا.”

تشير هذه الوقائع المتسارعة والخطيرة الى انه يجري تحضير ضربة عسكرية بحجم كبير وربما محدودة ضد حزب الله في داخل لبنان، اذ ان التدابير السياسية، كوضعه على لوائح الارهاب وتشويه صوته في الاعلام ومحاولة تحويله الى منظمة اجرامية تتاجر بالمخدرات وغيرها، قد استنفدت جميعها.

المعروف انه منذ دخول القوات الروسية الى سوريا، في سبتمبر/ايلول 2015، التقى نتنياهو الرئيس بوتين سبع مرات! كما جرى اتفاق على عدم تنازع العمليات العسكرية الروسية مع اسرائيل. وخلال هذه الفترة، شنت اسرائيل غارات وضربات صاروخية على ما قالت انه مواقع اسلحة لحزب الله في سوريا، حيث كان موقع مصياف في شمال غرب سوريا هو الهدف الاقرب لمركز القيادة الروسي في حميميم. ومن المنطقي ان تكون هذه الضربات قد جرت بغض نظر روسي.

يبدو من سياق الاتصالات ونوعيتها ان الامر وصل الى داخل الاراضي اللبنانية التي بقيت لفترة طويلة بعيدة عن ضربات اسرائيل. كانت قواعد الاشتباك المعمول بها كأمر واقع تسمح بإستهداف مواقع حزب الله في سوريا وليس في لبنان. كما سمحت قواعد الاشتباك بتحليق الطيران الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية وفي بعض الاحيان شن هجمات من هذه الاجواء باتجاه اهداف في داخل سوريا.

لم تحصل منذ صدور قرار مجلس الامن 1701، عام 2006، ضربات اسرائيلية دخل الاراضي اللبنانية لانها بذلك تكون قد خرقت قرار مجلس الامن بشكل فاضح، وهذا ما يثير معارضة روسية واوروبية ايضاً حيث ان معظم القوات الدولية المنتشرة في الجنوب اللبناني هي اوروبية، والاتحاد الاوروبي لا يريد ان يراها عالقة بين متحاربين!علما ان السبب الاساسي هو خشية اسرائيل من نشوب حرب مع حزب الله تصل الى عمق اسرائيل وتطول، اذ لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائجها.

ما هي السيناريوهات المحتملة؟

من الواضح ان هاجس اسرائيل هو وجود صواريخ تعمل بدقة عالية على حدودها الشمالية وقادرة على ضرب العمق الاسرائيلي والحاق اذى كبير به، وهي تريد التخلص من هذه الصواريخ بأي وسيلة مع عدم استبعاد العمل العسكري. لكنها، في المقابل، تدرك ان الردع الذي يمثله حزب الله يشمل توسيع دائرة النزاع رداً على اي هجوم على الاراضي اللبنانية ولو كان محدوداً. هذا الرد يفترض ان يشمل قصفاً بالصواريخ يطاول اسرائيل بكاملها مع منصات النفط والغاز، قبالة ساحلها، ويستمر لوقت طويل، وهذا ما يشكل خطراَ كيانياً على اسرائيل لأن الجبهة الداخلية الاسرائيلية ضيقة ومناورة القوات وعمليات الانقاذ تجري فيها بصعوبة وتحت خطر قصف الصواريخ.

لذلك، من المفترض ان تطلب اسرائيل من روسيا الضغط على ايران لوقف العمل بهذه المصانع المفترضة. وعندما لا تستجيب ايران للضغوط الروسية، ستدرس اسرائيل توجيه ضربة محدودة لاهداف داخل لبنان تعتقد انها مصانع صواريخ لحزب الله. من الطبيعي ان تكون اسرائيل، كما يعلن قادتها، تناقش مع روسيا شن عملية ضد حزب الله في لبنان وتحاول ما امكنها تحييد روسيا، وربما تقديم ضمانات معينة لها تتعلق بإتساع الحرب ومدتها ومصالح روسيا وحلفائها. يمكن ان تقبل اسرائيل برد محدود من حزب الله على ان لا تتوسع دائرة الرد.

لا شك ان حدود العمليات العسكرية المفترضة ستكون دقيقة جداً في المكان والزمان، من الناحية العسكرية والاستخبارية، وستكون دقيقة ايضاً، من الناحية السياسية والقانونية. ولهذا، تحدث ايزنكوت عن مخالفة قرارات مجلس الامن، ولهذا ايضاً اصطحب سكرتير مجلس الامن القومي الروسي نائب وزير الخارجية ونائب وزير القضاء في زيارته الراهنة الى اسرائيل.

في ظل غياب توضيحات من الجانب الروسي، في الاعلام على الاقل، وفي حال الموافقة الروسية على ضربة محدودة، هل يقبل حزب الله برد محدود يحفظ له هيبته رداً على تلك الضربة العسكرية المفترضة؟ لا شك ان ذلك سيفقده قسماً كبيراً من قوة الردع التي راكمها ضد اسرائيل، منذ العام 2006، والتي ردعتها عن القيام بأي اعتداء داخل الاراضي اللبنانية منذ ذلك الحين.

في التفاتة سريعة الى الداخل اللبناني، نتساءل: هل التأزيم المفتعل للاوضاع الداخلية اللبنانية يهدف الى ارباك حزب الله وارغامه على الوقوع في فخ القبول بمعادلة ضربة محدودة مقابل ضربة محدودة؟

*خبير استراتيجي

مصدر الصور: واشنطن تايمز – المدن.

المراجع:

(1) http://www.panet.co.il/article/2055061