يان فان زيبروك*
يثور التساؤل التالي لدى الصحافي الأمريكي هربرت ماثيوز: “ماذا لو لم تكن أمريكا اللاتينية بجانبنا؟ إنّ وضعنا سيكون دراماتيكياً. بدون الوصول إلى منتجات وأسواق أمريكا اللاتينية، سينخفض مركز قوة الولايات المتحدة إلى الدرجة الثانية.”(1)
لمعرفة أصول الثورة البوليفارية(2)، نسبة إلى سيمون بوليفار الشخصية التاريخية الكبيرة، والانتعاش في فنزويلا، من قبل الرئيس الراحل هوغو تشافيز، وفي جميع بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية، نحن بحاجة إلى معرفة علاقاتها مع الولايات المتحدة ودراسة تطوراتها البينية، حتى نصل إلى ذروة الأزمة مع وصول الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو إلى سدة الرئاسة في كوبا.
بعد 150 عاماً من التدخلات الأمريكية، لا تزال هناك آثار لا تمحى؛ فبين عامي 1846 و1848، حرمت الولايات المتحدة المكسيك من نصف أراضيها؛ وبين عامي 1898 و1934، تدخل الجيش الأمريكي 26 مرة في أمريكا الوسطى، فأطاحوا بالرؤساء ونصبوا آخرين، إلى أن أصبح الوقت مناسباً للاستيلاء على القناة (قناة بنما)، التي تربط ما بين المحيطين الأطلسي والهادئ، الواقعة في مقاطعة بنما الكولومبية السابقة، العام 1904.
في العام 1924 وخلاله حديثه عن المكسيك، قال روبرت لانسينغ، وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس وودرو ويلسون، أنه يجب أن نتخلى عن فكرة تثبيت مواطن أمريكي على سدة الرئاسة المكسيكية، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى حرب جديدة. ان الحل يتطلب مزيداً من الوقت. يجب علينا أن نفتح أبواب جامعاتنا أمام الشباب المكسيكي الطموح، ونعلمهم طريقتنا وقيمنا في الحياة، واحترام أصولنا السياسية. بعد سنوات قليلة، سيشغل هؤلاء الشباب مناصب هامة من دون أن تضطر الولايات المتحدة إلى إنفاق قرش واحد أو إطلاق رصاصة واحدة. إنهم سيفعلون ما نريده بشكل أفضل وحماس أكثر مما يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة نفسها.
لكن فتح أبواب الجامعات لا يعني مطلقاً وضع القوة العسكرية جانباً. ففي العام 1927، في نيكاراغوا تحديداً، أنشأت البحرية الأمريكية وحدة الحرس الوطني، ونصبت على رأس هرم السلطة فيها “ديكتاتور المستقبل”، أناستاسيو سوموزا.
في ملاحظة دقيقة لنقطة حيوية وهي ولادة دول أمريكا الجنوبية عبر تشكيل ما يمسى بـ “القادة الصغار” في أوروبا أو ما يسمى بـ ” مبادرة القادة الأفارقة الشباب” في أفريقيا وهو الأمر نفسه الذي يحدث في الدول العربية، تم إيصال أولئك الأشخاص الذين تلقوا التدريبات والأفكار الأمريكية. لقد لعبوا دوراً محورياً خلال السنوات الدامية من الحرب الباردة.
ولكن بعد أن حكم الرئيس الراحل فيدل كاسترو كوبا، أصبح لواشنطن ذريعة كي تتدخل عبرها في شؤون مختلف بلدان أمريكا اللاتينية، وقيامها بـ “تنصيب” ديكتاتوريات دموية فيها.
وفي ظل حكم الدكتاتور باتيستا ووصاية الولايات المتحدة، أنشأ “اتحاد” المافيا الكازينوهات حيث باتت كوبا “جنة” حقيقية لكافة تجار المخدرات وسوقاً للبغاء، وبالتالي أصبح الباب مفتوحاً أمام “الغوغاء” فحين أن أغلبية السكان الكوبيين يعيشون في حالة مزرية. لكن مع وصول كاسترو، أجبرت هذه المافيا، وغيرها من المجموعات “الشاذة”، على المغادرة إلى الولايات المتحدة على متن أول طائرة مغادرة حيث وصلوا إلى ميامي. عن هذا الحدث، قال كاسترو أنه “أرسل المصعد” ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيفرغ السجون الكوبية من هؤلاء المجرمين عقلياً، حيث ستساعدهم عودتهم كي يصبحون إما “لوردات” المخدرات أو قوادين. من هنا، كانت المحاولات العديدة لزعزعة الاستقرار في هافانا، فعلى سبيل المثال نجا كاسترو من حوالي 638 محاولة اغتيال.
من هنا، كان البدء بالتخطيط العسكري لضرب هذه البلدان التي وصلت إلى “الخط الأحمر”، إذ بدأت التدريبات الأمريكية لقوات عسكرية، وأقيمت المراكز الأمنية، ناهيك عن تعليم هؤلاء الأشخاص تقنيات التعذيب(3)، سواء في هندوراس، أو البرازيل، أو الأرجنتين، أو تشيلي، أو باراغواي، أو كولومبيا، التي سيتم فيها إعداد هذه الفرق وتدريبها.
إن الهوس من الخطر الشيوعي، في جيوش تلك البلدان المختلفة، تلاقى مع تنسيق موازٍ مدعوم من الولايات المتحدة لإحباط أية تحركات مناهضة كتلك التي سميت بـ “المعارضة اليسارية”، وهو ما انعكس أيضاً على التعاون العسكري وأبرزه اتفاقات الشراكة العسكرية بين المكسيك والولايات المتحدة في العام 1951.
*باحث في مركز “سيتا”
المراجع:
(1) نيويورك تايمز، 26 أبريل 1959.
(2) http://bit.ly/2E7dS7U
(3) http://bit.ly/2nCwP7R
http://bit.ly/2DVJJoH
http://bit.ly/2nBUKVd
http://bit.ly/2EbltSU
مصدر الصور: موقع إضاءات – ارم نيوز