حوار: سمر رضوان

 

لا تزال اصداء مؤتمر الحوار الوطني السوري – السوري، في سوتشي، تتردد  بغض النظر عن نتائج التفاهمات التي صدرت عنه سواء على المستويات الداخلية او الإقليمية او الدولية. حول هذا المؤتمر وابعاده، تحدث الدكتور نواف ابراهيم، الإعلامي والكاتب السياسي ونائب مدير معهد قضايا الأمن والتنمية المستدامة بموسكو، لمركز “سيتا“.

السوريون قادرون على الحوار

 لقد أثبت الشعب السوري أنه قادر على الحوار بمجرد اللقاء وجهاً لوجه ما يعني أن الكراهية والحقد والسموم التي تدسها بعض الأطراف من مرتزقة  قوى العدوان لم تأتِ أكلها، وما أداء النشيد الوطني في قاعة الحوار وغيره من الأغاني الوطنية السورية والهتافات التي علت “واحد واحد الشعب السوري واحد” لها معانٍ ودلالات كثيرة جداً تدل على أصالة الشعب السوري ووطنيته وتمسكه بالأرض والوطن ووحدته وسيادته على الرغم من كل الخلافات السياسية البينية على شكل الدولة والنظام السياسي في سورية المتجددة بعد سبع سنوات عجاف.

 

الدوران الإسرائيلي والتركي

أما على الصعيد الإقليمي فنحن رأينا إعتكاف الكثيرين ولم يظهر على الساحة سوى الإسرائيلي والتركي بشكل فاضح حيث أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جاء إلى سوتشي للقاء مع الرئيس بوتين في تصرف إستفزازي واضح ليناقش الأوضاع في سوريا مع الرئيس بوتين وتشكيل حلقة ضاغطة نفسياً على المجتمعين ولأجل ظهار نفسه بأنه لاعب مهم في مستقبل سورية والمنطقة ولكنه كالعادة عاد بخفي حنين وأقل من ذلك.

التركي حاول أن يدخل بمواجهة سياسية مع الروسي بعد أن خرق كل الخطوط الحمر في الإعتداء على سوريا في عملية “غصن الزيتون” في عفرين بالرغم من الشائعات التي لأكدت أن كل تفاصيل العملية تم تنسيقها مع روسيا والحلفاء وتم إخطار سوريا بذلك وهذا مالم يثبت رسمياً من جميع الأطراف، التركي الذي من المفروض أن يكون طرفاً ضامناً أرسل مجموعة الفصائل المسلحة إلى مطار سوتشي حيث قامت بإفتعال الكثير من المشاكل والإستفزازات أهمها رفض المشاركة تحت شعار المؤتمر الذي يلفه العلم الوطني السوري وهذا أمر غريب لأنه من المفروض أن يكونوا على علم بكل تفاصيل المؤتمر، وأن يطالبوا بتغيير الشعار والعلم الوطني السوري الذي تمت طباعة وثائقه في آلاف من النسخ باللغات العربية والروسية والإنجليزية عدا عن أن كل شوارع المدينة من المطار إلى مكان عقد المؤتمر وحتى في داخله تزين بهذه اليافطات فهل يعقل أن يتم تغييرها لأجل بعض من ممثلي أنقرة الذين يدعون أنهم يمثلون الشعب السوري إذن من يمثل القسم الباقي والذي يزيد تعداده عن 1393 علماً أن بعض التصريحات أكدت حضور 1511، ليس مهم العدد المهم كل أطياف الشعب السوري جاءت للمشاركة وحضرت وشاركت وكانت الأجواء جداً حامية الوطيس ومتوترة وحاولت الفصائل التركية المسلحة ممن أقنعتهم أنقرة بالمشاركة بعد التواصل بين وزيري خارجية البلدين حيث وقف أحدهم يندد بالموقف الروسي ويطالب بوقف قصف الطيران الروسي لمناطق تواجدهم لكن تم اسكاته بالهتافات التي علت “عاشت الصداقة الروسية – السورية” وإخراجه واضطر حينها لافروف للقول إذا كنتم تحبون روسيا دعوني أتابع كلامي أثناء كلمة الإفتتاح التي غاب عنها ديمستورا أو غيبته الكاميرا بسبب الخلافات بين من أتى ليحميهم ويمثلهم من المعارضات المتشددة، المهم أنهم لم يقدروا على أي شيء لحرف مسار الحوار وإفراغه من مضمونه إعتماداً على جهل بعض المخربين من المشاركين وهنا لابد أن نقول أنه في الوقت الذي كان أردوغان يقصف عفرين ويقتل المدنيين والأبرياء من أبناء سوريا هناك، كان يحاول بشتى الوسائل ومن تحت الطاولة أن يفتح حواراً مع روسيا بحجة الرغبة بتصحيح العلاقة مع روسيا وهناك دلائل وإثباتات أنه في نفس يوم الإفتتاح كان المرسال في موسكو يعمل على حفظ الجانب الآخر من العلاقة مع روسيا بحجة سوريا.

مواقف دولية باهتة

أما على المستوى الدولي فرأينا أن مواقف الدول الأوروبية كانت باهتة وليست ذات قيمة يعني شيح بريح لأنهم لم يستطيعوا تحديد ملامح الحوار وما يمكن أن تؤول إليه النتائج المهم فشلوا وأغلب الظن نفضوا أيديهم من الملف السوري بشكل جزئي ولكن ليس له طرق عودة، أما الولايات المتحدة التي حاول أردوغان أن يدخل معها بمواجهة من خلال جيشه المؤلف من فصائل مسلحة متبعثرة بعضها لم يبق منه إلا الاسم كالذي يسمى بـ “الجيش السوري الحر” وملحقاته من المجموات الإرهابية المسلحة المنفصلة عن جبهة النصرة وتوابعها والملتحقة بجيش أردوغان، وعندما تعلن الولات المتحدة أنها سوف توجه 700 ألف جندي وضابط أمريكي إلى بحر الصين  نحو كوريا الجنوبية لا يمكن أن يفهم إلا على أنه هرب إلى الأمام لإكمال مشروع لعله أكثر ضمانة من مشروع الحرب الإرهابية على سوريا وروسيا والحلفاء بآن واحد، يعني أمريكا قررت كف اليد عن سوريا والله وحده يعلم الى أي حد أو الى أي مدى قد يعتمد ذلك على الفشل أو النجاح في قضية كوريا الشمالية، لأن الأمريكي فشل في سوريا وقد يكون يبحث لنفسه عن مخرج آمن يحفظ له ماتبقى من الكرامة في حال اضطر للهروب من سوريا مستقبلاً.

ديمستورا “لا يقدم ولا يؤخر”

أما المبعوث الدولي استيفان ديمستورا فهذا المكلف والموجه بأوامر محددة لا يقدم ولا يؤخر بشيء فقد جاء إلى سوتشي للمشاركة من أجل أن يقدر من على أرض الواقع ماهو مستوى نجاح أو فشل هذا اللقاء السوري السوري  لكي يقوم معلموها بتقدير حجم الشرعية الدولية التي يجب أن يتكلل بها هذا الحوار، فكانت المفاجأة في النجاح الصاعق لكل من راهن على فشل سوتشي،  والمراهنة على فشل سوتشي لم تكن موجهة حسب رأيي تجاه سوريا فقط بل اتجاه الداخل الروسي ونحن على أبواب الإنتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة، فلو استطاعوا إفشال هذا المؤتمر لكانت الأوضاع تغيرت بشكل كلي تقريباً ولحدث المكروه فعلاً على الأقل في إحداث قلقلة سياسية داخلية من الصعب تقدير أثرها لأن كل شيء كان مخططاً وجاهزاً، علماً أن الرئيس بوتين كان من الواضح من أنه لايغامر بل كانت مبادرته لعقد هذا الحوار هي تأكيد جديد على رزانة وحصانة السياسة الروسية وثقتها بكل خطوة تقوم بها تجاه هذه الملفات الساخنة، نعم وأكدت مواقف الكثير من الوفود المعارضة الداخلية والخارجية أيضاً أنها تثق بالدور الروسي وتثق بالرئيس بوتين شخصياً وأنها تؤيد السياسة الروسية لجهة الحل السياسي وأكد رؤساء هذه الوفود بأن سوتشي قد يكون الأمل الوحيد لإطلاق العملية السياسية لذا يجب العمل عليه بكل جد وصدق لأجل أن يكون النقطة صفر نحو دمشق، نتائج المؤتمر التي باركتها كل القوى الإقليمية والدولية وكل من شارك فيه وحتى من لم يشاركوا حيث شهدنا كيف أن وفد هيئة المفاوضات العليا أسرع بالإعلان عن تأييده لمخرجات الحوار الوطني السوري في سوتشي.

“سوتشي”: مهبط آمن

النتيجة واضحة ورغم كل محاولات بعض دول أوروبا والولايات المتحدة تسعير الأوضاع من خلال إعادة فتح ملف استخدام الغازات السامة والتصعيد في الميدان وقصف دمشق وقتل الأبرياء لم يستطيعوا أن يرفعوا صوتهم “الشاذ” على حساب صوت الأمل والخير الذي اعتلى من سوتشي ليقول كلمته بلسان الشعب السوري أو ممثلي معظم أطيافه كفاكم قتلاً وطننا لن نتخلى عنه ونحن من سيقوم بحل كل مشاكلنا السياسية فيما بيننا ونحن قادرون لا بل أكثر من قادرين، فأرفعوا أيديكم وإرهابكم عن وطننا ودعونا وشأنا ونحن كفلاء بأن نعيد الحياة إلى الموت الذي زرعتموها في كل زاوية وشبر من وطننا السوري الذي لن نسمح بتقسيمه أو بتمزيقه تحت أي شعار أو مسمى.

نجحت سوريا وحلفائها إلى جر الأصلاء إلى الميدان وآخرهم كان التركي بعدما فشلت كل محاولات الوكلاء في تنفيذ مشاريع الأصلاء وهذا منجز ميداني انعكس على الساحة السياسية التي حوصر فيها الأصلاء في سوتشي وبان عجزهم حتى عن التنفس الطبيعي أو المراوغة فبقوا مكانك راوح رغم محاولاتهم خطف الإنجاز السياسي الموازي للإنجاز الميداني والذي يساويه في القوة والاتجاه نحو الحل السياسي.

ونجح مؤتمر سوتشي وشكل مسنداً هاماً لكل من مخرجات جنيف وأستانا ولم يبقى إلا عربة القطار التي سوف أو يجب أن يركب بها جميع السوريين نحو دمشق بعد أن تعبدت الطريق بتضحيات ودماء الشهداء وبصمود الشعب السوري ووعيه التاريخي الكبير وقدرة وحكمة الدولة السورية وحلفائها على التعاطي مع أدق وأخطر تفاصيل  نهايات الحرب الإرهابية الكونية على سوريا.

سوتشي مهبط آمن لكل من تأمر على سورية قبل أن يكون مخرجاً للحوار الوطني السوري المحاصر إقليمياً ودولياً.

 

مصدر الصور: بي بي سي عربية – روسيا اليوم.