اعداد: يارا انبيعة

 

شكلت وثيقة “العقيدة النووية الأميركية” التي أصدرها البنتاغون الأميركي في 2 فبراير/شباط 2018، المكونة من 64 صفحة حول السياسة النووية الجديدة، اضطرابات دبلوماسية بين القوى الكبرى، التي رأت فيها استدعاء لخطابات الحرب الباردة وإشارة انطلاق نحو سباق تسلح جديد.

العديد من دول العالم انتقدت العقيدة التي أولت اهتماماً كبيراً لتطوير القوات النووية الروسية، حيث كان فيها العديد من التهديدات المحتملة الأخرى، والتي طالت أيضاً كوريا الشمالية وإيران والصين.

العقيدة الجديدة “واقعية”

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العقيدة النووية الجديدة لبلاده بالواقعية مؤكداً أنها ستضمن الردع النووي الفعال، وأنها تؤكد الالتزام الأمريكي تجاه عدم انتشار الأسلحة النووية، كما نوه ترامب إلى أن إدارته لن تقوم بتكرار أخطاء الإدارات السابقة التي أدت إلى وصول الولايات المتحدة إلى وضع خطير، قائلا: “التجربة الماضية علمتنا أن الرضا والتنازلات لا تثير سوى العدوان والاستفزاز.”

الى ذلك، أعلن البنتاغون أن الجهود الأمريكية ستهدف إلى تطوير رؤوس نووية ذات طاقة منخفضة، وبالإضافة إلى ذلك إلى أن الولايات المتحدة سوف تستمر في إنفاق المال على تحديث القوات النووية وتطوير عناصر “الثالوث النووي” (صواريخ عابرة للقارات والغواصات الاستراتيجية وقاذفات القنابل).

وأكدت الولايات المتحدة، أنها تؤيد بشكل عام خفض الأسلحة النووية، لكنها انتقدت الاقتراح الوارد من قبل الأمم المتحدة حول حظرها الكامل، بأنها لا تستجيب لجدول الأعمال الحالي. كما نصت على زيادة حجم الانفاق على قدرات الردع النووي لأكثر من ضعفين، ويقدر حجم الانفاق الحالي ب 700 مليار دولار.

روسيا في المقدمة

ركزت الوثيقة بشكل ملحوظ على روسيا وتنامي قدراتها النووية وطبيعة استراتيجيتها وعودتها إلى منافسة القوى العظمى، حيث جاء فيها “تقوم اليوم روسيا، بتحديث سلاحها النووي، فضلاً عن الأنظمة الاستراتيجية الأخرى، وما يدعو إلى القلق أكثر هو اعتماد روسيا لاستراتيجيات عسكرية تنطوي على توسيع القدرات النووية، إلى جانب استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم والتهديدات النووية لحلفائنا بما يؤكد عزم موسكو على العودة إلى مجابهة القوى العظمى.” لقد برر وزير الدفاع، جيمس ماتيس، السبب الذي دفع بلاده للتركيز على روسيا بأنه الرد على تنمية القدرات النووية الروسية وطبيعة استراتيجيتها وعقيدتها، وعودتها إلى منافسة القوى العظمى.

لم تكن الاتهامات التي وجهت لروسيا في العقيدة النووية الامريكية الجديدة الأولى من نوعها من قبل الإدراة الأمريكية، فقد دعا الرئيس ترامب في وقت سابق في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي إلى إنهاء خفض الميزانية العسكرية للبلاد، وضرورة تحديث الترسانة النووية الأمريكية وجعلها قوية لدرجة تسمح لها بكبح جماح أي عمل عدواني، حيث قال: “إننا نواجه في جميع أنحاء العالم أنظمة مارقة وجماعات إرهابية ومنافسين مثل الصين وروسيا اللتين تتحديان مصالحنا واقتصادنا وقيمنا، إلى جانب سعي كوريا الشمالية المتهور لامتلاك أسلحة نووية.”

وثيقة مثيرة للتساؤلات

جاء رد روسيا سريعاً على ما ورد في الوثيقة الأمريكية حيث قالت أنها وثيقة مثيرة للتساؤلات وتبعث على القلق وخيبة الأمل، وقالت الخارجية الروسية إن الفقرات التي تشير إلى تسوية العلاقات مع موسكو مجرد نفاق.

وأعربت روسيا عن عدم رضائها، بحسب ما جاء على لسان سفيرها في الولايات المتحدة أناتولي أنطونوف، واشارت الى أنه لا بد من الدراسة التفصيلية والدقيقة للعقيدة الأمريكية الجديدة، مضيفة أنها تمكنت من التعرف على الجزء العلني من هذه الوثيقة فقط، بالإضافة إلى التعليقات والملاحظات الأولى، التي أدلى بها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس. في هذا الخصوص ايضاً، قال السفير أنطونوف: “برأيي كشخص عمل لفترة طويلة في مجال نزع السلاح وعدم الانتشار النووي، حتى هذه التصريحات الأولى مثيرة للقلق بالتأكيد، أو دعونا نقول دون تسرع، إنها مثيرة للتساؤلات.”

كما رفض أنطونوف ما ورد في العقيدة الأمريكية من اتهامات لروسيا بخرق معاهدات خاصة بضبط الأسلحة النووية وغير ذلك من التزاماتها الدولية، وأوضح أن موسكو حذرت مراراً وبشكل رسمي، أن موافقتها على معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، كانت مرهونة بمستوى الدفاع الصاروخي القائم وقت التوقيع عليها، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما حدث في مجال الدفاع الصاروخي في وقت لاحق، بعد أن قررت واشنطن الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2001.

واعتبر أنطونوف أن الولايات المتحدة اخترعت “فزاعة” متمثلة بروسيا، من أجل تبرير نمو الإنفاق العسكري وزيادة القدرات النووية الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه أعرب عن قناعته الراسخة بضرورة مواصلة التعاون بين موسكو وواشنطن في مجال نزع السلاح. فيما أشارت الخارجية في بيان لها ، إلى أن موسكو ستأخذ ما ورد في العقيدة النووية الجديدة للولايات المتحدة بعين الاعتبار لدى اتخاذ خطوات لتعزيز أمنها الوطني.

العقيدة الأميركية تعيد “هيروشيما” و”ناغازاكي”

أعتبر السيناتور الروسي فرانز كلينتسيفيتش، أن العقيدة النووية الأمريكية الجديدة تسمح بإعادة سيناريو “هيروشيما” و”ناغازاكي”، وقال كلينتسيفيتش: “العالم كله يتذكر هيروشيما وناكازاكي، الإستراتيجية النووية الأمريكية لا تضع حداً لعدم تكرار هذا القضية، وهذا مقلق أكثر من غيرها”.

وأشار السيناتور إلى أن العقيدة الجديدة تعزز بشكل خطير عنصر المواجهة في السياسة الأمريكية الخارجية، من خلال التركيز على التنافس مع روسيا في هذا مجال وليس التعاون.

الوثيقة الأميركية “متغطرسة”

الى ذلك، صرح المتحدث بإسم وزارة الدفاع الوطني الصينية، رن قوه تشيانغ، بأن الصين تعارض بحزم وثيقة العقيدة النووية الأمريكية الجديدة التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، حيث اشار الى ان الوثيقة الأمريكية تتضمن تكهنات متغطرسة حيال الصين وتبالغ بشأن تهديد القوة النووية الصينية، وبحسب رن ايضاً، فقد صورت الوثيقة الصين على أنها “تحد كبير للمصالح الأمريكية في آسيا”.

كما لفت رن إلى أن بلاده متمسكة بالتنمية السلمية وستواصل انتهاج سياسة دفاعية وطنية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن بلاده تمارس دوما أقصى درجات ضبط النفس إزاء تطور الأسلحة النووية، وأنها حدت من قدراتها النووية إلى أدنى مستوى يتطلبه الأمن القومي، آملاً في يتخلى الجانب الأمريكي عن عقلية “الحرب الباردة”، ويضطلع بمسؤوليته الخاصة والأساسية في نزع الأسلحة النووية، ويفهم بشكل صحيح هدف الصين الاستراتيجي ويتبنى رأياً منصفاً حيال الدفاع الوطني للصين وتطورها العسكري، وحث الولايات المتحدة على الالتقاء بالصين في منتصف الطريق وجعل العلاقات العسكرية بين الجانبين عامل استقرار في العلاقات الثنائية، وأن يعمل البلدان معا لحماية السلام والاستقرار والرخاء العالمي.

اليابان بين مرحب ومعارض

رحبت الخارجية اليابانية بالعقيدة النووية الأمريكية الجديدة،، في حين قابلها الناجون من الهجوم النووي على اليابان عام 1945، بمشاعر القلق والغضب.

وقال وزير الخارجية الياباني، تارو كونو، في بيان له: “تعترف طوكيو بعزم الولايات المتحدة على ضمان فاعلية سياسة الردع وتمسكها بأن تشمل هذه السياسة حلفاءها، بما في ذلك اليابان، نظرا للتدهور السريع الذي تشهده الأوضاع الأمنية في العالم منذ صدور العقيدة النووية السابقة عام 2010.” وأضاف البيان أن “اليابان ستعمل على تعزيز سياسة الردع في إطار التحالف مع الولايات المتحدة عبر مشاورات مباشرة حول مسائل مختلفة، بما فيها تلك المتعلقة بالردع النووي.”

من جانب آخر، عبر اتحاد منظمات ضحايا القصف النووي على “هيروشيما” و”ناغازاكي”، عن قلقه واستيائه من الاستراتيجية النووية الأمريكية الجديدة، وبحسب ناشطي الاتحاد، فإن سعي رئيس دولة كبرى إلى توسيع إنتاج السلاح النووي وتحديثه، يقضي على أي أمل في إزالة هذا السلاح من كوكب الأرض خلال حياة الناجين من القصف النووي. ويشير الناشطون إلى أن توجه واشنطن إلى صنع قنابل نووية صغيرة يخفض الحاجز أمام استخدامها ويزيد من خطر اندلاع حرب نووية، سيكون من الصعب على اليابان المحتضنة للقواعد العسكرية الأمريكية، تفادي التورط فيها.

“أميركا” لا تخجل!

رأى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن الأمريكيين يهددون الروس دون خجل بسلاح نووي جديد، وأضاف روحاني في خطاب تلفزيوني له: ” نفس الأشخاص الذين من المفترض أنهم يعتقدون أن استخدام أسلحة الدمار الشامل جريمة ضد الإنسانية، يتحدثون عن أسلحة جديدة لتهديد منافسيهم بها أو لاستخدامها ضدهم.”

فيما اتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الولايات المتحدة بخرق معاهدة حظر الانتشار النووي بعد إعلانها عن مراجعة عقيدتها النووية، وأكد الوزير ظريف أن السياسة الأمريكية النووية تهدد بفناء البشرية. وفي تغريدة له على “تويتر”، قال ظريف ان مراجعة القدرات النووية الأمريكية تظهر اعتمادا أكبر على السلاح النووي بالمخالفة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتقرب البشرية إلى الفناء، وتابع لا شك أن إصرار ترامب على القضاء على خطة العمل الشاملة المشتركة ينبع عن ذات التهور الخطير.

“دوامة” تسلح نووي

من جهته، رأى وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، ان “قرار الحكومة الأمريكية بشأن السلاح النووي التكتيكي الجديد يظهر أن دوامة سباق تسلح نووي أخرى بدأت تدور من جديد”، وأضاف “يجب أن نطلق مبادرات جديدة بشأن الحد من الأسلحة (النووية) ونزعها السلاح.”

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: جريدة قاسيون – روسيا اليوم.