شادي القعسماني*
لماذا تكرر سوريا رسمياً أنها نشرت منصات دفاع جوي متطورة في الشمال السوري؟
وهل ستكون معركة ادلب تصفية حسابات دولية بين أقطاب الصراع على سوريا؟
ماذا أعدت إيران من مفاجآت لمعركة ادلب وما هدف زيارة المسؤولين الأتراك إلى طهران؟
تبدو أجواء ادلب ضبابية أو ان غيومها داكنة ستمطر قذائف من كل حدب وصوب. عشية تحضير الجيش السوري للوثوب على ادلب، كيف ترتسم المشاهد عسكرياً وسياسياً؟
شكل وصول القوات السورية إلى مطار أبو الظهور الاستراتيجي وثبة سريعة أقلقت التواجد الأمريكي في الشمال السوري، كما التواجد التركي في ادلب والمتعثّر في عفرين. وقد ثبتت هذه الوثبة بإعلان سوريا نشر منصات مضادة للطائرات في الشمال، فالكل يحشد والكل قلق من مصير معركة معقدة والتطورات التي يمكن أن تنزلق إليها الأطراف المشاركة والمرابطة في المنطقة. فالحسابات الروسية شهدت تعديلاً قاسياً بعد إسقاط النصرة للطائرة الروسية ومقتل طيارها، ممّا دفع بالروسي إلى إعطاء الضوء الأخضر للجيش السوري بنشر الدفاعات الجوية، فالنصرة تملك بالإضافة إلى الصواريخ الجوية النوعية مضادات للدبابات المتطورة والفتاكة التي ممكن أن تُعيق تقدّم القوّات البريّة السوريّة، وبالتالي تكبيد القوات المندفعة نحو ادلب خسائر كبيرة.
إن مراوحة الجيش التركي في مكانه، بعد أسابيع من الإشتباك مع وحدات حماية الشعب في عفرين، دفعه إلى إرسال المزيد من القوات التركية لحسم المعركة. كما دفع بالتركي إلى إمداد الجماعات الإرهابية في ادلب بالمزيد من القدرات العسكرية لإطالة أمد الحرب أكثر وقت ممكن، على أمل بالحصول على مكاسب أكبر في السياسة خاصة وأن تركيا دخلت سوتشي شبه خالية اليدين.
أما الأمريكي فأمامه أكثر من خيار. وما قصف دير الزور الأخير للقوات الحليفة ولأبناء العشائر الذين انتفضوا بوجه داعش وقسد إلّا رسالة واضحة أنه أمام تفكير جدّي في التدخل بمعركة ادلب جوياً من خلال الطيران أو من خلال قصف صاروخي بهدف رسم خطوط حمر تمهيداً لتقسيم قد يجد طريقه في أي لحظة. فسعي أمريكا لتقسيم سوريا لم يتوقف بعد، وسيترجم بإستهدافات متكررة للجيش السوري وللمواقع الإيرانية بحجة استخدام الكيميائي ضد المدنيين. لذلك تكرر سوريا من خلال أكثر من مكان ومسؤول أنها نشرت منظومات دفاع جوية في الشمال لتأمين غطاء جوي مقبول خاصة وأن مطار أبو الظهور سيكون مرفق حيوي في رفد القوات السورية في معركة ادلب رغم عدم استكمال أعمال التجهيز في المطار. وربما الإيراني نفسه قد زوّد القوات السورية بمنظومات دفاع جوية يشرف على تشغيلها ضبّاط إيرانيون متواجدون في الشمال السوري. فالمعركة مصيرية، ونجاحها يعني رسم خارطة إقليمية جديدة تكرّس وتؤسس لمرحلة أكثر شراسة وتعقيد في السياسة والعسكرة، فتطهير ادلب يضع الجيش السوري أمام القوات التركية المتواجدة في الشمال وقوات قسد المدعومة من أمريكا.
هل سنشهد سقوط طائرات سورية أو روسية أو تركية وأمريكية؟
يبدو المشهد أكثر تعقيداً وشراسة من التوقعات في ظل احتكام القوى المتصارعة على الجغرافيا الشمالية إلى القوة، فالجيش السوري والقوة الرديفة والحليفة اكتسبت تكتيكات جديدية في القتال وأصبحت أكثر انسجاماً وعزيمةً على القتال والحسم واسترجاع الأرض رغم كل التهديدات والمخاطر الجوية.
ان المجموعات الارهابية في ادلب تحبس أنفاسها، بل تعد أنفاسها وتعيد حساباتها الداخلية في ظل مستقبل مجهول بعد سلسلة من الهزائم، والتركي منغمس في عفرين، والداخل التركي نفسه قلق. لقد انزلقت القوات التركية في مواجهة مع الأكراد، ورغم تفوق العدد والعتاد إلّا أن التكلفة باهظة على القوات العسكرية، وخوف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من التحرك الكردي في الداخل دفعه، وعدد من معاونيه، إلى الاتصال بإيران وروسيا وحتى إلى إرسال إيحاءات إلى دمشق بضرورة تمرير صفقة عفرين. ورغم أنّ المكوّن الكردي ممسوك في الداخل التركي إلّا أن القلق يبدو واضحاً جداً من مجازر انتقامية متوقع حصولها من الجيش التركي.
إن العشائر الكردية المتواجدة في عفرين لها روابط دموية تجمعها مع مناطق أورفا وديار بكر وغيرها من المدن والعشائر الكردية وهي مرغمة على التكافل للحفاظ على وجودها والحفاظ على بعض القوة السياسية في تركيا خاصة أنهم يشكّلون حوالي 20% من مجموع سكان تركيا، لا سيما وان حكومة أردوغان لم تفِ بوعودها مع الأكراد الذين دعموا وصول أردوغان إلى الحكم وسياسة الجزرة مكشوفة، وعليهم تدبّر قرارات جديدة مستغلّين التوتر التركي – الأمريكي.
ادلب معركة استراتيجية بكلّ المقايس ومفاعيلها إقليمية بامتياز والأيام المقبلة ستقود إلى اندحار “شياطين الدم” وارتفاع العلم السوري مضرجاً بالدم.
*أكاديمي لبنان
مصدر الصور: منتدى الدفاع العربي المشترك – القدس.