اعداد: يار أنبيعة

تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الشرق أوسطية، والتي تشمل 5 دول وهي مصر والأردن ولبنان والكويت وتركيا، في مرحلة صعبة وخطيرة بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة في العديد من دوله، حيث بدأ الوضع يأخذ منحى يمكن أن يفضي إلى نزاع دولي حقيقي. وفي هذه الزيارة، تمت مناقشة ثلاثة مسائل تشكل العمود الفقري لسياسة الادارة الامريكية في المنطقة. في المقام الأول، التسويق لخطة السلام الفلسطينية – الاسرائيلية وفق رؤية الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، أو ما يطلق عليها “صفقة القرن”، تليها الحد من النفوذ الايراني في المنطقة بخاصة في سوريا ولبنان، وهنا يبرز اسم حزب الله اللبناني كمفتاح أساسي لفتح أو غلق باب هذا النفوذ، واخيراً النظر في استعادة الحليف، تركيا.

تعزير العلاقات مع القاهرة

انتهت زيارة تيلرسون بلقاء جمعه من نظيره المصري، سامح شكري، ورئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي. هذه الزيارة إلى مصر تمخض عنها نصائح وتوجيهات أمريكية، إلى الجانب المصري، بشأن الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في البلاد في مارس/آذار 2018، حيث نقل تيلرسون إلى نظيره المصري قلق الولايات المتحدة إزاء وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، لا سيما بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية، داعياً الى أن تكون الانتخابات “حرة وشفافة”. في المقابل، قال الوزير شكري ان بلاده تعمل على تعزيز حقوق الإنسان، فضلًا عن حرصها على أن تكون الانتخابات نزيهة.

الى ذلك، صرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية، بأن وزير الخارجية الأمريكي نقل إلى الرئيس تحيات نظيره الأمريكي مؤكداً على ما تمثله مصر من شراكة هامة لبلاده، وما يجمعهما من علاقات ممتدة تحرص الولايات المتحدة على تعزيزها وتطويرها، مؤكداً وقوف بلاده إلى جانب مصر والتزامها بدعمها في حربها ضد الإرهاب. واشار راضي الى ان الرئيس السيسي أكد على ما يربط بين البلدين من علاقات استراتيجية راسخة، مشيراً إلى أهمية الاستمرار في العمل على الارتقاء بها في مختلف المجالات بما يمكن البلدين من التصدي للتحديات المشتركة التي تواجههما.

من هنا، تحدث العديد من الخبراء المصريون عن أن الزيارة تأتي في توقيت مهم، حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيراً في ملامح بعض الملفات، مثل القضية الفلسطينية، بعد إعلان واشنطن القدس “عاصمة إسرائيل”. كما كان لملف الإرهاب، بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وتنمية العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة مكان هاماً ضمن جدول أعمال تيلرسون في القاهرة.

اجتماع مع دول التحالف في الكويت

بعد مصر، توجه الوزير تيلرسون إلى الكويت للمشاركة في اجتماع وزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا. وعلى هامش الاجتماع، قال تيلرسون إن واشنطن خصصت مساعدات إضافية بقيمة 200 مليون دولار “لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة بسوريا”. كما عبر عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في مدينة عفرين شمالي سوريا، على خلفية العملية العسكرية التي أطلقتها أنقرة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في المنطقة، وأشار إلى أن بلاده تدرك تماماً المخاوف الأمنية لتركيا.

الأردن ودعم العلاقات الثنائية

بعد إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن أنه سيتم إبرام “مذكرة تفاهم” ثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية والأردن، تلتزم فيها الأولى بالتعاون على مجموعة كاملة من أولويات المساعدة الثنائية الاقتصادية والدفاعية والأمنية لأعوام مقبلة، وصل وزير الخارجية ريكس تيلرسون الى العاصمة عمان في أعقاب زيارة وصفتها الخارجية الأميركية بأنها “ناجحة جداً، أجراها نائب الرئيس الاميركي مايك بنس قبل بضعة أسابيع للمملكة الأردنية، واعتبرت انها تمثل فعلاً إشارة على القوة الطويلة والدائمة للشراكة الأميركية الأردنية.”

وفي مؤتمر صحفي عقده تيلرسون مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، قال “إن خطة جديدة للسلام في الشرق الأوسط تعمل عليها الإدارة الأميركية بلغت مرحلة متقدمة جداً، وإن الرئيس دونالد ترامب سيقرر متى يعلن عنها.”

الى ذلك، وقع تيلرسون حزمة من المساعدات على مدى خمس سنوات تزيد الدعم الأميركي للأردن، حيث علق تيلرسون على خطة السلام بالقول “رأيت الخطة، إنها قيد التطوير منذ عدة شهور، تشاورت معهم بشأن الخطة وحددت مجالات نشعر أنها بحاجة لمزيد من العمل.”

كما أعرب تلرسون عن شكره للأردن على قراراتهم الأخيرة بقطع العلاقات مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، حيث إن أدوات الضغط من هذا القبيل تساعد على تصحيح مسار كوريا الشمالية، وترغمها على العودة الى طاولة المفاوضات من أجل نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. كما شكر حكومة وشعب الأردن على استقبالهم العديد من النازحين بسبب النزاع في سوريا، وأضاف “نحن ملتزمون بإيجاد سبيل للمضي قدماً في سوريا من شأنه أن يتيح العودة الآمنة والطوعية لهؤلاء النازحين عندما تسمح الظروف بذلك.” بالإضافة الى ذلك، سلط تيلرسون الضوء على شراكة الأردن والتزامه بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، مشيراً إلى مشاركة الأردن الفعالة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الارهابي.

التصعيد يزعزع المنطقة

وفيما يتعلق بالضربة الإسرائيلية الأخيرة على سورية، علق تيلرسون بالقول إن التصعيد بين إسرائيل ووكلاء إيران في سوريا يزعزع الأمن بالمنطقة، ودعا الوزير الأمريكي إيران إلى “سحب كافة تشكيلاتها المسلحة” من سوريا، من أجل “فسح المجال أمام التسوية السياسية”.

من جهته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي “نحن متفقان على ضرورة الحل السلمي للأزمة السورية، هذا الحل يجب أن يكون على أساس القرار 2254 وعبر مسار جنيف الذي نعتبره المسار الوحيد لتحقيق الحل السلمي. والحل الذي نريده هو حل يقبل به الشعب السوري ويضمن وحدة سوريا وتماسكها”، وأضاف “نحن في تشاور دائم ولنا ذات الأهداف في سوريا ونعمل معا من أجل تحقيق السلام وبالتالي جهودنا مستمرة على المستوى الثنائي أو مع أصدقائنا وشركائنا في المجتمع الدولي.”

اجتماع مغلق مع المعارضة السورية

فيما يخص الازمة السورية، عقد وزير الوزير تيلرسون اجتماعاً مغلقا في الأردن مع وفد من هيئة التفاوض السورية المعارضة برئاسة نصر الحريري، وضم وفد المعارضة رئيس هيئة التنسيق الوطنية السورية حسن عبد العظيم، وعبد الإله فهد وعباب خليل وفدوى العجيلي، وهم من تحالف قوى المعارضة. وقبل وصول تيلرسون، التقى المسؤولان في الخارجية الأميركية، ديفيد ساترفيلد وريتش اوتزن، أعضاء الوفد السوري، وتحدثا معهم حول مؤتمر الحوار السوري الذي عقد في منتجع “سوتشي” الروسي في يناير/كانون الثاني 2018، وأبلغوهم أن تيلرسون رحب بأفكارهم حول سير الأمور.

لبنان و”المحادثات الدقيقة”

بعد مرور 5 سنوات على زيارة آخر وزير للخارجية، وصل تيلرسون الى لبنان، حيث شدد الرئيس اللبناني، ميشيل عون، شدد على وجوب الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، و ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة من أجل منع إسرائيل من الاستمرار في اعتداءاتها على السيادة اللبنانية البرية والبحرية والجوية. كما أصر الرئيس عون على تمسك لبنان بحدوده ورفضه إدعاءات إسرائيل بملكية أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية، ومؤداً على التزام بلاده الهدوء على الحدود الجنوبية، لافتاً إلى عزم لبنان مواصلة العمل على تفكيك الخلايا الإرهابية المتبقية في البلاد بعد أن حرر لبنان أرضه من الإرهاب.

كما التقى تيلرسون نظيره اللبناني، جبران باسيل، حيث دون الضيف الأميركي كلمة في السجل الذهبي الخاص. وفي السياق، كرر بعض المسؤولين اللبنانيين لتيلرسون رفضهم تقاسم “البلوك 9” مع إسرائيل، وقالت مصادر لبنانية إن “لبنان أبلغ تيلرسون ألا تنازل عن شبر واحد من السيادة اللبنانية سواء في البر أو في البحر.”

العنوان الرئيسي: “حزب الله”

شكل حزب الله، بسلاحه وأدواره العسكرية الخارجية والعقوبات المالية عليه، عنواناً رئيسياً في المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي في بيروت، اذ لم يتأخر تيلرسون في تبديد الالتباس الذي أثاره ما نقل عنه، في الأردن، حول وجوب الاعتراف بأن حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان، الأمر الذي فسر على يقع ضمن إطار تخفيف واشنطن لموقفها إزاء الحزب، حيث اشال الى ان بلاده ترى الحزب على أنه منظمة إرهابية منذ عقدين من الزمن ولا يوجد فرق بالنسبة إليها بين الجناح العسكري والسياسي له، معتبراً أن من المستحيل أن التحدث عن الأمن والاستقرار في لبنان من دون معالجة مسألة حزب الله.

عين التينة

خلال لقائه مع رئيس مجلس النواب، استحضر الرئيس نبيه بري أمام ضيفه الامريكي الخروقات الاسرائيلية اليومية، ونية اسرائيل بناء الجدار الاسمنتي في نقاط داخل الاراضي اللبنانية، وادعاءاتها في المنطقة الاقتصادية الخاصة، شارحاً التشريعات والقوانين التي صادق عليها المجلس النيابي والمتعلقة بالحركة المالية والنقدية والمصرفية وفق المعايير العالمية التي لا تستدعي مزيداً من الاجراءات أو التدابير تجاه لبنان.

إحتواء النزاع

خلال لقائه رئيس الوزراء سعد الحرير، صرح تيلرسون بأن اميركا ملتزمة بدفع الأهداف المشتركة مع لبنان إلى الأمام، حيث أعطى إشارات واضحة حيال سعي واشنطن الى لعب دور بين بيروت وتل أبيب لاحتواء هذا النزاع اذ قال “اننا ملتزمون بمساعدة لبنان والشعب اللبناني للازدهار من خلال الثروات الطبيعية النفط والغاز وبالاتفاق مع الجيران”، مضيفاً “نقاشاتنا مفيدة بموضوع العثرات في مسألة النفط في البحر وطلبنا من لبنان وإسرائيل إيجاد حل.”

كما أوضح تيلرسون بأن أميركا ليست في موقف الضامن لأي دولة أخرى، ويمكن أن تلعب دوراً في الوصول إلى اتفاق على الحدود، ان بلاده متفائلة في ان كل هذه المباحثات ستوصل إلى حل نهائي يتعلق برسم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ولم تطلب ادارته من لبنان التخلي عن أي شيء، مؤكداً على أن واشنطن تتواصل مع لبنان وإسرائيل لضمان الهدوء في منطقة الحدود.

اما كلام الرئيس الحريري، فلم يكن اقل دلالة، حيث اشار الى الملفات التي طرحت من الوضع في المنطقة، والنزاع الحدودي مع اسرائيل، والعقوبات الأميركية على حزب الله، وملف النازحين، وصولاً الى المؤتمرات الدولية لدعم لبنان. كما اكد الحرير على اعتبار الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً في محاربة الارهاب، ورسالتها أنها نقف بشدة الى جانب لبنان ومؤسساته الشرعية، موضحاً انه أبلغ تيلرسون حق لبنان في استكشاف واستثمار وتنمية مواردنا الطبيعية في مياهنا الإقليمية.

كما اشار الحريري الى الاتفاق على أن القطاع المصرفي اللبناني لا يزال حجر الأساس في الاقتصاد اللبناني، مجدداً التأكيد على أن هذا القطاع متين وسليم ويخضع للإشراف ويلتزم كلياً بالقوانين والأنظمة الدولية، لافتاً الى أن لبنان يريد الانطلاق إلى حالة وقف إطلاق نار دائم مع اسرائيل، لكن الانتهاكات الاسرائيلية وخطابها التصعيدي يقف حاجزاً أمام ذلك، كما شدد الحريري على الالتزام ان سياسة النأي بالنفس في لبنان هي مسؤولية جماعية، شاكراً واشنطن على دعمها للمحكمة الدولية الخاصة في لبنان بالقول “لا بد ان تتحقق العدالة في حق مرتكبي الجرائم السياسية في لبنان.”

“تركيا”ابرز محطات المنطقة

في ختام جولته، توجه الوزير تيلرسون الى تركيا حيث استقبله الرئيس رجب طيب أردوغان، في العاصمة أنقرة، وبحثا معاً سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن تبادل الآراء في مواضيع دولية. هذه المحادثات وصفت بـ “الصعبة” لا سيما بعد التوتر الذي ساد العلاقة بين البلدين بسبب عدد من القضايا على رأسها دعم واشنطن للأكراد في سوريا. الى ذلك، أفادت مصادر رئاسية تركية أن اللقاء بين أردوغان وتيلرسون تطرق الى إبلاغ تيلرسون بكل وضوح أولويات تركيا وتطلعاتها في كافة هذه المواضيع.

وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، قال تيلرسون إن البلدين وضعا “آلية” مشتركة لحل مصير مدينة مبنج السورية “كأولوية”، وهي المدينة التي ينتشر فيها جنود أميركيون فيما تهدد أنقرة بتوسيع نطاق عمليتها في عفرين لتشملها. وقال تيلرسون إن منبج ستكون “موضع مباحثات” مع تركيا لضمان أن المدينة التي ستبقى تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة. كما أكد تيلرسون على ان تركيا والولايات المتحدة “لن تتحركا بعد الان كل بمفرده” في سوريا وتريدان المضي قدما في العمل معاً، لتجاوز الازمة الحالية.

وكان مسؤول تركي قد أعلن إن بلاده اقترحت على الولايات المتحدة انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية السورية إلى شرق الفرات في سوريا وأن تتمركز قوات تركية وأميركية في منطقة منبج. وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة تدرس الاقتراح الذي قدمته أنقرة إلى وزير الخارجية الأميركي.

من ناحيته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ان الوزير تيلرسون أجرى محادثات إيجابية وصريحة مع الرئيس أردوغان بشأن سبل تحسين العلاقات بين البلدين، فيما لم يدل تيلرسون بأي تصريح، ورداً منه على سؤال صحفيين حول اللقاء قال وزير الخارجية قال “ما زال لدينا عمل.”

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: بي بي سي – إرم نيوز – سبوتنيك – دي دبلو – معلومات مباشر – قناة ال بي سي.