إعداد: يارا انبيعة

بعد سياسة تحد جعلت العالم يخشى من احتمال ضغط هذا الرئيس أو ذاك على زر ترسانته النووية في أي لحظة، وفي ظل عداء مطلق بلغ قبل أسابيع فقط حد التهديد بتدمير الآخر، جاءت المفاجئة الكبرى للعالم بإمكانية عقد قمة ما بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، في مايو/أيار2018، في خطوة أشادت بها الكثير من الدول، على رأسهم روسيا والصين وكوريا الجنوبية، لا سيما وأنها المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيس أمريكي مع زعيم كوري شمالي، في تاريخ علاقات البلدين مما سيعد حدثاً تاريخياً.

 70 عاماً من التوتر

اتسمت العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، على مدار ما يزيد عن 70 عاماً بتوتر شديد تخلله بعض الانفراج لفترات قصيرة منذ انتهاء الحرب الكورية، إلا أن المرحلة الأخيرة من الخلافات بين البلدين وصلت إلى ذروتها مما جعل العالم يترقب حرب نووية وشيكة، وذلك على خلفية الحرب الكلامية الحادة بين الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، والرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، دونالد ترامب.

وفيما يبدو أنها انفراجة تاريخية غير مسبوقة، جرى الاتفاق بين الرئيسين، كيم جونغ أون ودونالد ترامب، على إجراء حوار مباشر دون وسيط، خلال شهر مايو/ أيار 2018، لبحث سبل تخلي بيونغ يانغ عن ترسانتها النووية والباليستية، بما يكفل نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، وذلك على أساس هام وهو حفظ أمن وسلامة كوريا الشمالية من أي تهديدات عسكرية مستقبلية.

كوريا الجنوبية: “بداية الحل”

لعبت كوريا الجنوبية دور عراب التهدئة واحتواء نذر الصراع النووي منذ دورة الألعاب الشتوية الأخيرة التي كانت مسرحاً لذوبان الجليد بين الكوريتين، وتدشين لحوار قد ينتهي إلى اتفاق سلام تاريخي، حيث أشار كيم إيوي كيوم، المتحدث بإسم رئيس كوريا الجنوبية جون جاي إن، في 25 فبراير/شباط 2018 إلى أن الرئيس مون يرى أن الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة يجب أن يتم قريباً من أجل تحسين العلاقات بين الكوريتين، وإيجاد حل جوهري لقضية شبه الجزيرة الكورية.

في هذا الخصوص، أرسلت كوريا الجنوبية مبعوثاً رسمياً الى كل من بكين وموسكو من أجل حشد دعمهما للقمة المقررة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يتوجه رئيس الاستخبارات الكورية الجنوبية، سوه هون، الى طوكيو.

الى ذلك، رد المندوبون الكوريون الشماليون بأن بلادهم كانت على استعداد تام لبدء المحادثات مع الولايات المتحدة، واتفقوا على أن العلاقات بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وتلك التي بين الشمال والولايات المتحدة يجب أن تتطور في وقت واحد.

وفي 6 مارس/آذار 2018، صرح مبعوثون من كوريا الشمالية، بعد مقابلتهم الزعيم كيم جونغ أون، ان الجانب الكوري الشمالي على استعداد لنزع السلاح النووي، وأن بلادهم ليس لديها النية للإبقاء على هذا النوع من الاسلحة في حال تم القضاء على التهديد العسكري ضد الشمال وضمان أمنه.

هنا، تجب الاشارة الى ان كلاً من الصين وروسيا واليابان كانوا مشاركين في المباحثات السداسية، التي توقفت منذ فترة، وكانت تهدف لإجبار كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي.

أمريكا: تفاؤل بحذر

عبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في اليوم التالي مباشرة أثناء لقائه مع قادة أمريكيين، عن رغبته في إجراء محادثات مع كوريا الشمالية، ولكن تحت شروط صحيحة، لكنه قال بأنه ما زال ينتظر المزيد من “الإشارات” الايجابية، من قبل كوريا الشمالية، والتي على اساسها يمكن تثبيت اللقاء في مايو/أيار.

في المقابل، غرد دونالد ترامب، في 8 مارس/آذار 2018 عبر حسابه الرسمي على تويتر، بأن كوريا الشمالية لن تجري تجارب صاروخية في الفترة الحالية، حيث قال: “تحدث كيم جونغ أون مع ممثلي كوريا الجنوبية عن نزع للسلاح النووي، وليس مجرد تجميد استخدامه، وكذلك لن تجري كوريا الشمالية خلال الفترة الحالية أي تجارب صاروخية، ويتم حالياً إحراز تقدم كبير، لكن العقوبات ستظل قائمة لحين التوصل إلى اتفاق، كما يجري حالياً الإعداد للقاء.”

ضغوط أمريكية

بالرغم من أن التفاصيل التي تقف وراء تغيير كلا الزعيمين موقفهما ما تزال في طي الكتمان، لكن التكهنات تبين أن الرئيس ترامب قبِل اقتراح كوريا الشمالية لإجراء محادثات في مقابل وعده بالتوقف عن تطوير صواريخها الباليستية العابرة للقارات والقادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، أو السماح بتفتيش منشآتها النووية لتفكيك الأسلحة النووية وبرامج الصواريخ، هذا من جهة. من جهة اخرى، يرى الخبراء أن هناك العديد من الأسباب التي ساعدت على تغيير كوريا الشمالية لموقفها أهمها الضغط الذي مارسته أمريكا على العديد من الدول من أجل إقناع الرئيس الكوري الشمالي بالجلوس معه على طاولة المفاوضات.

من هنا، قال روبرت مانينج، في مركز “سكوكروفت” للاستراتيجية والأمن التابع لمجلس أتلانتيك الأمريكي، إن “هناك عوامل عديدة وراء التحول الكبير في موقف كوريا الشمالية والولايات المتحدة”، وتابع مانينج “هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها بيونغ يانغ عقوبات اقتصادية شاملة، ويُمارس عليها ضغط بهذا الشكل، ما يرجح أنها تعيش الآن مشاكل اقتصادية تؤثر على نخبتها، وهي القاعدة الرئيسية لكيم جونغ أون.” غير ان مانينج يرى بأن الـ 25 اختبار صاروخي والـ 3 تجارب نووية التي نفذها الرئيس أون منحته ثقة كبيرة، وأشعرته بأنه قادر على ردع الولايات المتحدة، ما أثار خوف الرئيس ترامب من امكانية شنها هجوم حقيقي على أمريكا.

وفيما يتعلق بأضرار العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية، يقول لي سوك، الباحث الكبير في معهد التنمية الكوري، ان هناك تقارير أفادت بأن الأنشطة الصناعية والإنتاج الزراعي والتجارة تضرروا كثيرا من العقوبات الدولية المفروضة على البلاد. في هذا الخصوص، شدد وزير المالية الأمريكي، ستيفين منوسين، على أن بلاده لن ترفع أو تخفف العقوبات على كوريا الشمالية، حتى يجرى الاتفاق معها على إجلاء شبه الجزيرة من الأسلحة النووية.

وبينما تؤكد كوريا الجنوبية القمة المرتقبة أمراً تاريخياً وحدثاً غير مسبوق، يرى المحللون أن تصرفات كيم جونغ أون طبيعية ومتوقعة، وكانت جزءاً من استراتيجية اتبعها طوال الوقت، ولكنها انتظرت الوقت الذي تصبح فيه بموقف قوة، لا سيما بعد إعلان الزعيم الكوري الشمالي انتهاء العمل من برامج تطوير الأسلحة النووية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اذ يقول شو شانج ريول، الباحث في معهد استراتيجية الأمن القومي، إن المسؤولين الكوريين الشماليين “كانوا يخططون للأمر طوال الوقت، ويعملون وفق خطة زمنية معينة، فهي في البداية رغبت في تقوية ترسانتها العسكرية، ثم تعمل الآن على التخلص من العوائق الاقتصادية.” وتابع ريول بالقول: “لقد حان الوقت المناسب لجلوس كوريا الشمالية على طاولة المفاوضات، وذلك لتحقيق أهدافها.”

سفارة أمريكية في بيونغ يانغ؟!

أفاد مصدر رفيع المستوى بالإدارة الرئاسية لكوريا الجنوبية، بأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أعرب عن رغبته القوية لتوقيع معاهدة سلام مع الولايات المتحدة وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وافتتاح سفارة للولايات المتحدة في بيونغ يانغ. وأشار المصدر إلى أن الرئيس أون أعرب عن نيته تطبيع العلاقات مع واشنطن خلال اجتماع عقد في بيونغ يانغ مع وفد من كوريا الجنوبية.

ترحيب أوروبي

فيما تبدي أوروبا بعض التخوفات، رحب الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، بإعلان التوصل إلى اتفاق لعقد قمة تاريخية، وذلك في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي ترامب، ودعا إلى حوار جاد مع بيونغ يانغ من شأنه ان يفضي إلى نزع الأسلحة في شبه الجزيرة الكورية.

الى ذلك، صرحت انجيلا ميركل، المستشارة الالمانية، “أنه في ظل هذا التطور يمكن القول هذه بارقة أمل  ولابد من مواصلة العمل عليها”، وتابعت “سيكون بالطبع أمراً رائعاً إذا حدثت انفراجة، لأن التوتر الناتج عن برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي مصدر قلق لنا جميعاً.”

كذلك، رحب وزير الخارجية البلجيكي، ديديه رايندرس، بالإعلان عن قمة بين واشنطن وبيونغ يانغ ضمن الجهود الرامية لإيجاد حلول بشأن المسألة النووية في شبه الجزيرة الكورية.

تشدد ياباني

في مقابل كل هذا الترحيب، طالبت اليابان بإيجاد ضمانات حقيقية حيث قال رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، إنه لا يجب مكافأة كوريا الشمالية لمجرد موافقتها على إجراء محادثات، ولا تخفيف العقوبات المفروضة عليها ما لم تنتهِ المحادثات لنزع أسلحة بيونغ يانغ النووية. في مقابل هذا الموقف، يرى بعض المحللين بأن طوكيو، التي تعبتر احد الأطراف المهددة بسلاح كوريا النووي، وفي حال تأكدها من جدية نوايا كوريا الشمالية ربما ستكون مستعدة لتقديم كافة أنواع من الدعم.

حدث غير مضمون

من خلال ما سبق، يجدر بنا التساؤل عن الحدث الذي غير موقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من النقيض إلى النقيض وهو الذي لم يعرف عنه سوى عدائه المطلق لنظام كوريا الشمالية؟ وما الذي حدا بالرئيس كيم جونغ للموافقة على الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع رئيس كان يلقبه قبل أسابيع بـ “الرئيس المجنون”؟

يرى بعض المراقبين بأن السلطات الكورية الشمالية قد تكون استشعرت بتغير معين في مواقف حلفائها التقليديين، بكين وموسكو، خاصة بعد تجاربها الصاروخية الأخيرة وهو ما جعلها تستبق الأحداث بقبولها الجلوس وجها لوجه مع الولايات المتحدة، ونيتها في ذلك المحافظة على مكاسب لا تريد التضحية بها، وهو ما يفسر تنفيذها تلك التجارب الصاروخية بهدف الجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع قوة مع الولايات المتحدة.

ختاماً، مهما كانت المبررات وحسابات كل طرف من هذا التقارب، فإن التساؤل الذي يبقى مطروحاً، إلى قمة مايو/أيار، هو: هل ستقبل بيونغ يونغ بتدمير ترسانتها النووية وهي التي حددت على أساسها الخطوط العريضة لسياستها الخارجية وجعلت منها ورقة ردع في وجه كل من الولايات المتحدة، وجيرانها، حلفاء واشنطن؟

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: مصر العربية – فلسطين اليوم.