إعداد: يارا انبيعة

مع الموافقة على برنامج الطاقة النووية السعودي، يمكن الإيذان بإنهاء عهود التصريحات الكلامية و”لغة الوعود”، خصوصاَ مع ظهور أرقام إنتاج الطاقة المتجددة بوضوح لعامي 2020 و2023. تطمح المملكة، وفقاً لـ “رؤية 2030″، إلى إنتاج 3.45 جيجا وات من الطاقة المتجددة في العام 2020، و9.5 جيجا وات في العام 2023 بحسب تصريح سابق لوزير الطاقة السعودي، المهندس خالد الفالح، فبراير/شباط 2017.

قرارات مستقبلية

لعل الخطة، التي وافق مجلس الوزراء السعودي عليها في 13 مارس/ آذار 2018، لإنشاء معامل الطاقة النووية يكمن الهدف خلفها في إنتاج الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية والرياح وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة، من أجل إنتاج الكهرباء، وتقليل الاعتماد على استهلاك نسبة عالية من النفط تماشياً مع السياسات الدولية للتخفيف من الانبعاثات الكربونية والتقليل من الاعتماد على النفط.

من هنا، اشتمل قرار المجلس للسياسة الوطنية على ما يلي:

  1. حصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية على الأغراض السلمية، في حدود الأطر والحقوق التي حدّدتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
  2. الالتزام التام بمبدأ الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية.
  3. تحقيق معايير الأمان النووي والأمن النووي في المرافق النووية والإشعاعية، وفق إطار تنظيمي ورقابي مستقل.
  4. الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية من الخامات النووية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات العالمية لإدارة النفايات المشعة.
  5. تحقيق الاستدامة بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية .

الإنتاج السلمي للطاقة

تدرك الجهات التنفيذية لمشاريع الطاقة المتجددة عموماً، وما يخص برنامج الطاقة النووية خصوصاً، أنه من الضروري الالتفات إلى تحقيق متطلبات الأمن والأمان في إطار “الإنتاج السلمي” للطاقة النووية، وفقًا لما تقره الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن. ويأتي تحقيق معايير الأمان والأمن النوويين في المرافق النووية والإشعاعية، وفق إطار تنظيمي ورقابي مستقل، مع الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية من الخامات النووية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات العالمية لإدارة النفايات المشعة، وتحقيق الاستدامة بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية.

لا شك أن الانتظار لأكثر من 8 أشهر عقب إقراره في جلسة سابقة لمجلس الوزراء، 31 يوليو/تموز عام 2017، يشير إلى النظرة الحكومية لأهمية بناء الثقة في أمن وسلامة الطاقة الذرية بشكل عام، وفي المعايير التي تتبعها المملكة في هذا الصدد بشكل خاص.

يشار إلى أنه، في 24 أغسطس/ آب 2017، عقب إقرار المشروع النووي السلمي بأقل من شهر، تم إجراء تفاهمات سعودية في الصين، من أجل بناء أول مفاعلين نوويين تجاريين في المملكة، ودراسة جدوى مشروع تقنيات المفاعلات الحرارية والمبردة بالغاز، لإنتاج طاقة إجمالية تبلغ 2.8 جيجا وات، ولعل ذلك يأتي في أعقاب الاتفاق ضمن مذكرة تفاهم، مع الصين، من أجل التعاون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية في العام 2012، بالإضافة إلى عقد لقاءات سابقة مع موردين لتقنيات المفاعلات النووية الكبيرة في أميركا واليابان والصين وكوريا الجنوبية وروسيا.

أبرز محطات الطاقة النووية

في التسعينيات من القرن الماضي، كان للسعودية تفاهمات سلمية وودية حول هذا الملف مع شركاء لها، مثل باكستان والصين، لتطوير واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين السعودية وأمريكا في 2008 لبناء برنامج نووي مدني سلمي.

في العام 2009، صدر مرسوم ملكي سعودي جاء فيه أن تطوير الطاقة الذرية يعد أمراً أساسياً لتلبية المتطلبات المتزايدة للمملكة للحصول على الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء، وإنتاج المياه المحلاة، وتقليل الاعتماد على استهلاك الموارد الهيدروكربونية.

وفي العام 2011، تم إعلان خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى 20 عاماً المقبلة بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار، حيث ستقوم هذه المفاعلات بتوليد ما يقرب من 20% من الكهرباء، بينما ستخصص المفاعلات الأخرى الأصغر حجماً وطاقة لتحلية المياه.

في العام 2015، وقعت السعودية وكوريا الجنوبية، في الرياض، اتفاقية لبناء مفاعلين نوويين للأغراض السلمية بقيمة ملياري دولار، ومدتها عشرون سنة، تشمل تدريب العاملين. جاء ذلك بعد جهود قادتها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة، واستمرت أكثر من أربع سنوات، إذ كانت البداية في العام 2011 عندما وقعت اتفاقية مشتركة بين البلدين في مجال تطوير وتطبيق الطاقة النووية، ثم التوقيع في العام 2013 على مذكرة تفاهم مع معهد الأبحاث الكوري للطاقة الذرية للتعاون في المجالات البحثية، وما يتطلب للسعودية من بنية تحتية للمفاعلات البحثية، إلى أن جاءت اتفاقية، 3 مارس/ىذار 2015؛ لتكون تتويجاً ونجاحاً لهذه الجهود.

في العام 2015 أيضاً، قام وزير الدفاع السعودي وولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، بزيارة فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وتم الاتفاق على بناء 16 مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية، حيث سيكون لروسيا الدور الأبرز في تشغيل تلك المفاعلات، إضافة إلى توقيع اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

في سبتمبر/ايلول 2017، أكد رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، الدكتور هاشم يماني، أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تعد الطاقة الذرية مصدراً مهماً لدعم الاستقرار والنمو المستدام في أنحاء العالم كافة. وبين يماني، خلال رئاسته وفد السعودية للدورة الـ 61 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد بالعاصمة النمساوية فيينا، أن “رؤية 2030” تتضمن العديد من التطبيقات السلمية التي تساعد المجتمعات في التنمية والتطور في مجالات مختلفة، مشيراً إلى أن السعودية تحرص دوماً على اتخاذ خطوات مدروسة لضمان نجاح البرنامج الوطني للطاقة الذرية، وفق أفضل المعايير الدولية.

هذا، وأشارت بعض المعلومات عن تقدم السعودية بطلب للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإجراء مراجعة للبنية التحتية النووية للمملكة في الربع الثاني من العام 2018، وهو ما سيسمح للوكالة بتقييم الجهود لإعداد البنية التحتية السعودية لبدء توليد الطاقة النووية للأغراض السلمية. فخلال الفترة من 2015 إلى 2018، كان للمملكة تحركات، سواء من خلال مدينة الملك عبد الله للطاقة المتجددة أم مسارات أخرى، متعددة هدفت إلى تعزيز هذا الجانب خاصة مع تزايد أهمية ذلك في ظل الإصلاحات الكبيرة، والعمل على تفادي انخفاض الطاقة التقليدية.

تهافت على المشاريع

تتسابق العديد من الدول للحصول على هذه العقود، وفي مقدمتها روسيا والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا والولايات المتحدة، وهذا ليس بالأمر المفاجئ، نظراً لأن الرهان يدور حول مبلغ ضخم، إذ تقدر تكلفة بناء الـ 16 مفاعلاً حوالي 90 مليار دولار.

في هذا الإطار، يتحرق كل هؤلاء المتنافسين شوقا لإنجاز مشاريع مع السعودية، وعلى رأسهم وزير الطاقة في إدارة دونالد ترامب، ريك بيري، الذي ألغى بشكل مفاجئ زيارته للهند من أجل الالتقاء بكبار مدراء قطاع الطاقة في المملكة في لندن، في 2 من آذار/مارس 2018. جاء هذا اللقاء قبيل الزيارة المنتظرة للأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، ابتداء من 19 آذار/ مارس 2018، حيث سيقوم بجولة في العديد من الولايات الأمريكية منها بوسطن ونيويورك، وسان فرانسيسكو وسياتل.

بالنسبة للرئيس ترامب، سوف يساعد ضمان هذه العقود على تحقيق وعود الرئيس الانتخابية بإنقاذ قطاع الطاقة النووية في الولايات المتحدة، الذي يعاني من تدهور كبير، وسوف يمنحه ورقة سيستخدمها بلا شك في إظهار نفسه على أنه “بارع” في عقد الاتفاقات. ولكن السؤال الوحيد المهم يتمحور حول الطلب المقدم من السعوديين للسماح لهم بتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الطاقة المستخدمة، وهي عملية ضرورية في تطوير الأسلحة النووية.

في المقابل، إن السعوديين مستاؤون جداً من الاتفاق النووي مع طهران، الذي يسمح للإيرانيين بإعادة تخصيب ومعالجة اليورانيوم، ولو بمستويات أقل من تلك اللازمة لبناء قنبلة نووية، ومع ذلك، ينظر ترامب والسعودية بقلق شديد لـ “نوايا” الإيرانيين المبيتة، ويعتقدون أنهم بدأوا فعلياً في خرق بنود الاتفاق وشرعوا في إنتاج القنبلة النووية.

في حال قرر الأمريكيون الالتزام بالاتفاق، المعرف بـ “123” لحظر الانتشار النووي وهو أمر مستبعد، فإن السعوديون سيتجهون بكل بساطة نحو بلدان أخرى، وعلى الأرجح، سوف “ينقض” فلاديمير بوتين على هذه الفرصة لبناء المفاعلات، عبر شركة “روس آتوم” الروسية الحكومية، التي وقعت، في كانون الأول/ديسمبر2017، اتفاقاً بقيمة 21 مليار دولار مع مصر، ونجحت أيضاً في الاستحصال على اتفاق مع الأردن، عام 2015، بقيمة 10 مليارات دولار.

ترامب بين خيارين

خيار شائك باتت فيه إدارة ترامب مع اقتراب إعلان أسماء الشركات الفائزة في المناقصة الخاصة ببناء المفاعلين النوويين السعوديين، ما بين تعزيز الشركات الأمريكية بقيادة “ويستينغ هاوس”، إحدى الشركات المنافسة على الفوز بالصفقة، ومسألة مكافحة الانتشار النووي.

إن رغبة إدارة ترامب بدعم الشركة الأمريكية في هذه الصفقة، خاصة أن العائد المتوقع منها سيتجاوز المليارات والتي من الممكن أن تنعش السوق الاقتصادي الأمريكي المحلي فضلاً عما تعانيه الشركة من أزمات مادية بعد إفلاسها مؤخراً نتيجة فقدانها حصتها في بناء عدد من المفاعلات النووية في أمريكا ما كبدها مليارات الدولارات خسائر، فإن ذلك يتطلب التخلي عن بعض الضوابط التي تقيد الانتشار النووي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد التهديدات الأمنية ويشجع الدول في الشرق الأوسط على اتباع المسار نفسه.

الضغط على إيران

يبدو أن كل المؤشرات تصب في هذا الاتجاه، ولكن هناك نقطة واحدة تثير القلق حيال هذا الاتفاق إذ أن الإيرانيين، الذين يتعرضون لتهديدات من دونالد ترامب، سوف يعتبرون بيع الولايات المتحدة لمفاعلات نووية دون الالتزام بـ “الاتفاق 123″، استفزازاً لهم وإشارة توحي بأن ترامب ينوي فعلا إلغاء الاتفاق النووي.

في هذه الحالة، سيدفع هذا الضغط المتزايد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لـ “الإذعان” للتيار المتشدد، والذهاب بقوة نحو بناء الأسلحة النووية. أما السعوديون، فلطالما قالوا إنهم إذا امتلكت إيران القوة النووية، سيقدمون على نفس الأمر مهما كانت الطرق والتكاليف.

معارضة إسرائيلية

رغم ما يثار حول مساعي التقارب التي تبديها كل من الرياض وتل أبيب، فإن هذا لم يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من إعلان معارضته امتلاك السعودية لتكنولوجيا أميركية لإنتاج الطاقة النووية. ففي أول رد فعل لإسرائيل، طلب نتنياهو، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته إلى واشنطن، منع المملكة من اقتناء مفاعل نووي، الأمر الذي قوبل بالرفض، حيث أكد نتنياهو خلال طلبه أنه في حال قبول الولايات المتحدة طلب السعودية، فيجب منع تخصيب اليورانيوم أو وضع شروط في حال الموافقة على الطلب السعودي.

في هذا الخصوص، قال رئيس اللجنة في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، أن نتنياهو أشار، خلال اجتماع مغلق مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في واشنطن، بأنه ضد أي اتفاق يسمح للسعوديين بتخصيب اليورانيوم واعادة معالجة البلوتونيوم، وقال كوركر “من المؤكد أنه يعارض.” إلى ذلك، قال السيناتور الديموقراطي، إد ماركي، “اعتقد أن رأيه هو أنه يحتاج إلى عدد أقل من الأسلحة النووية وعدد أقل من المواد النووية وليس المزيد من المواد النووية في الشرق الاوسط.”

ويبدو أن المخاوف الإسرائيلية من امتلاك السعودية لمفاعلات نووية، يكمن في أن يؤدي ذلك إلى إمكانية انهيار الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي سيقود المنطقة إلى سباق تسلح نووي إقليمي يمثل أخطر كابوس تخشاه إسرائيل، حيث يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، تشك فريلتش، أن الشرق الأوسط سيسير نحو سيناريو نووي مرعب تخشاه إسرائيل وان السعودية يمكن أن تقود الى سباق تسلح في المنطقة.

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: الدفاع العربي – شينخوا – روسيا اليوم.