إعداد: يارا انبيعة

مثلت إدارة الرئيس دونالد ترامب أعلى معدل لإقالة مسؤولين في آخر خمس إدارات أمريكية بنسبة 34%، حيث غادرت أسماء عديدة مثل ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاستراتيجية، وشون سبايسر، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، ورينس بريبوس، رئيس موظفي البيت الأبيض، وسيباستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس، وريكس تيلرسون، وزير الخارجية، وأخيراً هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي.

في إعلان مفاجئ، عيّن الرئيس ترامب، عبر تويتر، السفير جون بولتون مستشاراً للأمن القومي بدلاً من الجنرال هربرت ماكماستر، وذلك بعد أيام من نفي إدارته اعتزامها “الإطاحة” بمسؤولين آخرين عقب إقالة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، حيث قال ترامب “يسعدني أن أعلن أنه اعتباراً من 9 إبريل/نيسان المقبل (2018)، أن يصبح بولتون مستشاراً جديداً للأمن القومي. أنا ممتن جداً لخدمة الجنرال ماكماستر الذي قام بعمل رائع وسيبقى صديقي دائماً، وسيكون مستشار الأمن القومي الثالث لترامب خلال فترة 14 شهراً من وجوده في الإدارة، وسيباشر العمل في منصبه الجديد الشهر المقبل.”

أولى التصريحات

بعد ساعات من تغريدة ترامب التي تضمنت إقالة مستشار الأمن القومي وتعيين جون بولتون بدلا منه، رد الأخير بتغريدة جديدة تفيد قبوله المنصب رسمياً، إذ قال “أعلن رسميا قبول هذا المنصب”، مضيفاً “إنه شرف لي أن يطلبني الرئيس ترامب لتولي منصب مستشار الأمن القومي”، وتابع “أتطلع للعمل مع الرئيس ترامب وفريق عمله لمواجهة التحديات وبذل الجهود لجعل أمريكا أكثر أمناً في الداخل، وأكثر قوة في الخارج.”

“صقر” إدارة بوش

جون بولتون، هو مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس ترامب، وقد أضحى أحد صقوره، وهو معروف بتوجهه الدبلوماسي المتشدد وولعه بالقتال، فقد شغل منصب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة أبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش. ويعد بولتون من المدافعين الكبار عن الحروب الوقائية، وخلال الأشهر الأخيرة أعرب الدبلوماسي السابق علناً تفضيله استعمال القوة ضد إيران وكوريا الشمالية، على الرغم من ترحيبه ببرنامج لقاء الرئيس ترامب بنظيره الكوري، الشمالي كيم جونغ أون.

بولتون، الصقر المحافظ الذي احتل مكاناً بارزاً في إدارة الرئيس بوش الابن، معروف بأنه مدافع قوي عن النفوذ الأمريكي ومؤيد لإرساء هذا النفوذ في الخارج، لم يتراجع قط عن مواقفه. من هنا، يرى بولتون أنه يجب على الولايات المتحدة أن تشن ضربة وقائية ضد كوريا الشمالية وهو الأمر الذي يعد مبرراً لديه، بحث يرى أنه لأمر مشروع أن تبادر الولايات المتحدة بالهجوم رداً على تهديد السلاح النووي من قبل كوريا الشمالية، حيث قال، في مقابلة صحفية معه، في فبراير/ شباط 2018، إنه “بالنظر إلى الفجوات في المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بشأن كوريا الشمالية، لا يجب الانتظار حتى الدقيقة الأخيرة.”

تطرح وجهة نظر بولتون في هذا الملف، تحديداً، العديد من التساؤلات في الوقت الذي ينضم للبيت الأبيض، حيث ترتفع التوقعات بعقد قمة ثنائية بين ترامب وأون، في مايو/ أيار المقبل (2018)، إذ يرى بولتون أن كوريا الشمالية وبرنامجها النووي يشكلان تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة، مستبعداً وجهات نظر مفادها أنه ما زال هناك وقت للعمل الدبلوماسي. من هنا، فقد انتقد بولتون إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لموافقتها على الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015،  وقد كتب،  عام 2017، يقول إن نص الاتفاقية خلق ثغرات كبيرة، وإيران تطور الآن صواريخها وبرنامجها النووي من خلال تلك الثغرات. وفي مارس/ آذار 2015 أي قبل الموافقة على الاتفاق، كتب قائلاً “إن الحل العسكري هو الوحيد لهذه المشكلة، والوقت المتاح محدود ولكن ما زالت هناك فرصة لنجاح هجوم، ومثل هذا الإجراء يجب أن يواكبه دعم أمريكي قوي للمعارضة الإيرانية بهدف تغيير النظام في طهران.”

القوة مع روسيا

وصف بولتون التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، في العام 2016، بأنه عمل من أعمال الحرب تجاه واشنطن لا يجب أن تتسامح إزاءه، فعندما التقى ترامب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في يوليو/تموز 2017، نفى بوتين ما تردد عن التدخل الروسي، فكتب بولتون حينها “إنه يكذب بفضل تدريبات الاستخبارات الروسية كي جي بي.” وبعد قضية الجاسوس سكريبال في بريطانيا، قال بولتون “إن الغرب لا بد وأن يرد على روسيا بقوة.”

رجل دبلوماسي وصلب

وصف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مستشار الأمن القومي الجديد، جون بولتون، بأنه رجل دبلوماسي وسياسي صلب، وأنه سيعمل على تنفيذ النهج الذي يضعه له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأضاف لافروف، بأن ترامب يعمل على تعيين المسؤولين، اعتماداً على فهمه الخاص للتحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية، وأوضح “لقد عملت معه وكان القائم بأعمال المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ولكن بعد تقاعده من منصبه، قال إنه لا يزال في دوائر العمل السياسية، ونحن كنا على اتصال بشكل دوري، وهو شخص مهني.”

حكومة حرب؟!

بعدما أصبحت مناصب كل من مستشار الأمن القومي وكبير موظفي البيت الأبيض ومديرة المخابرات المركزية والخارجية يشغلها عسكريون، يمكن القول بأن العالم يقف أمام “حكومة حرب” أمريكية. إن قرار إقالة تيلرسون لم يكن مفاجئاً للأوساط السياسية الأمريكية، فطيلة عام من عمله الدبلوماسي الأرفع في البيت الأبيض، كانت هناك توقعات مؤكدة بإقالته بين الحين والآخر بسبب تباين الكثير من المواقف بينه وبين الرئيس ترامب. وربما كانت وجهات النظر المختلفة للرئيس الأمريكي، ووزير خارجيته علامة على اختيار ترامب للشخص الذي سيحل سيخلف تيلرسون، حيث اختار مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية لمنصب وزير الخارجية، ليكتمل “عنقود” الجنرالات فى إدارته.

على عكس تيلرسون، فإن بومبيو ينحاز بشكل واضح إلى ترامب ونهجه السياسي، فهو يتبنى وجهات نظر مطابقة لرأي الحركة اليمينية المحافظة التي تشكل الغالبية العظمى من قاعدة ناخبي الرئيس الأمريكي، كما يؤيد استخدام القوة العسكرية ضد أعداء الولايات المتحدة. ويدافع بومبيو، أيضاً، عن مفهوم الخصوصية أو الاستثناء الأمريكي وهو ما يعزز العزلة الدولية والأفكار المتعصبة، فعلى سبيل المثال يمكن اخذ رأيه بخصوص المسلمين، حيث اتهم مؤخراً بأنهم شركاء محتملون في المنظمات الجهادية الإرهابية.

ونتيجة ذلك، أشارت الكثير من الصحف إلى أنه على الرغم من أن بومبيو لم يكن في السابق على وفاق مع الرئيس الأمريكي، ولا سيما حول مدى التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، إلا أنه من المرجح أن يكون أكثر الداعمين لرؤية ترامب العالمية “أمريكا أولاً”.

من هنا، أثار تعيين بولتون تكهنات حول ميل الرئيس ترامب إلى تعيين متشددين في المناصب الهامة، بحسب ما يقول بعض خبراء السياسة. فالعميد هشام جابر، الخبير العسكري والاستراتيجي، يرى أن تعيين بولتون يجعل البيت الأبيض في “قبضة الصقور” المتطرفين المتعصبين الجاهزين لأي عمل منسجم مع أفكار الرئيس وتطلعاته. وتابع جابر “نحن نعلم أن وزير الخارجية في عهود كل الرؤساء وكذلك مستشار الأمن القومي لم يكن يتغير إلا لأسباب قاهرة، وهذا ليس له تفسير إلا غرام ترامب بالبحث عن المتطرفين.”

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: روسيا اليوم – العالم – دايلي صباح.