شارك الخبر

حوار: سمر رضوان

لم تزل ترددات حادثة “سالزبري” تتفاعل بين كل من روسيا وبريطانيا، إذ يبدو أنّ الأمور آخذة في التصعيد، على الخط الدبلوماسي على الأقل، والتخوفات في ازدياد لا سيما وأن تاريخ العلاقات الثنائية يظهر تباينات واضحة بين الطرفين. عن تلك الأزمة، سأل مركز “سيتا” الأستاذ نيك غريفين، السياسي البريطاني وعضو البرلمان الأوروبي السابق، للوقوف أكثر على تلك الأحداث وخلفياتها.

مصير الأزمة

إن الأزمة البريطانية – الروسية الحالية، هي ببساطة، آخر الأحداث في سلسلة طويلة من الاستفزازات المتعمدة من جانب النخبة الحاكمة البريطانية الأنجلو – الصهيونية، فهدفهم الأساسي هو استفزاز روسيا، بشكل عام، والرئيس فلاديمير بوتين، بشكل خاص، وتهيئة الرأي العام البريطاني لصالح مواجهة أو حرب محتملة.

لقد تجاوز حجم الرعب والتخويف المناهض لروسيا، إلى حد بعيد، أي شيء سواه منذ حقبة الحرب الباردة. في ذلك الوقت، كان جزء كبير من اليسار البريطاني، وقسم كبير من وسائل الإعلام الضخمة، يشككون في مثل هذه الدعاية، وإلى حد ما، كانوا متعاطفين مع الاتحاد السوفياتي، على الأقل للحفاظ على السلم. ففي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كان هناك جزء كبير من “اليمين” البريطاني يجادل باستمرار في الجهود الرامية إلى استرضاء ألمانيا النازية، بينما يفضل معظم اليسار “السلام” ونزع السلاح حتى اللحظة التي غزا فيها هتلر روسيا. أما اليوم، نشاهد أن النخب السياسية والإعلامية الرئيسية قد اتحدت في خيار المواجهة حتى لو صب ذلك في خانة الاقتراب من الحرب، وهو ما لم نشهده منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى.

ومن الجدير بالذكر أن أولئك ممن يرمون “أعواد الثقاب على برميل البارود” في العلاقات الدولية لا يمتلكون أي خبرة في الحرب الفعلية، أو حتى خبرة في الخدمة العسكرية. أعتقد أنه، وضمن مستوى اللاوعي عندهم، يرون الموضوع أشبه بنوع من أنواع ألعاب الفيديو الخالية من المخاطر.

من هنا، لو لم يكن الأمر يتعلق بالتهديد الوجودي الذي تمثله الأسلحة النووية، فلقد كان من الممكن تماماً أن يؤدي هذا الموقف إلى نشوب حرب بين الناتو وروسيا بالفعل. هذه الحقيقة دفعت الرئيس بوتين، في الأول من مارس/آذار 2018، للكشف عن مدى التقدم الكبير في أجيال القدرات الصاروخية الروسية حيث اعتبر خطابه الحدث الأكثر أهمية هذا العام كون التطورات المتمثلة في عمليات نشر صواريخ “الناتو” على حدود روسيا تشكل تهديداً مباشرة لموسكو. وكما أوضح الرئيس بوتين، فقد عزز هذا التطور مفهوم “الدمار المؤكد المتبادل” في حال حصول أية حرب مفتوحة.

في ضوء هذا، هناك غضب كبير لجهة بعض الثرثارين من السياسيين، كـ “بوريس جونسون” (وزير الخارجية البريطاني) الآن كونهم لا يستطيعون الذهاب إلى الحرب وفي الوقت نفسه يتفاخرون بكونهم أقوياء. إن مثل هذه التصرفات تمثل خطراً كبيراً كونهم لن يصلوا من خلاله الى أي شيء، لأنه لا يوجد شيء باستطاعتهم القيام به.

العقوبات مقررة مسبقاً

لقد كانت “جريمة” روسيا أنها تحركت لحماية 95% من السكان المؤيدين لها في شبه جزيرة القرم من براثن الحكم القمعي للنازيين الجدد في أوكرانيا. لكن هذا التصرف لم يكن السبب الحقيقي وراء فرض العقوبات الغربية على موسكو، بل اتخذ الحدث مجرد ذريعة تحتاجها “النخب الغربية” لفرض العقوبات التي كانت مقررة مسبقاً. لقد وقف “الغرب” في وجه بوتين بعدما لم تصبح روسيا، في ظل حكمه، مستودعاً ضخماً للمواد الخام فقط تنهبه الشركات العالمية، بالتعاون مع الطبقة “الأوليغارشية”، حسب رغبتهم.

يضاف إلى ذلك إعادة إضفاء الطابع المسيحي على روسيا، بالإضافة إلى مواطن القوة التي أوجدها هذا “القلب” المسيحي مع كل من الشيعة وحتى الإسلام السني غير الوهابي. هذا التوجه لم يعجب الرأسماليين، الذين يعبدون الجشع، والليبراليين الماسونيين الملحدين، والتروتسكيين الماركسيين الثقافيين، والتلموديين الألفيين المؤمني بـ “النظام العالمي الجديد” المهيمن عليه من قبل “وول ستريت”.

إن هدفهم الأساسي ليس “عزل” روسيا المسيحية وحلفائها، بل تدميرهم. على المستوى المادي، يدور “مشروع القرن الأمريكي الجديد” حول التجارة والمال والهيمنة العسكرية، ولكن هناك أيضاً بعد روحي أكثر عمقاً، حيث يوجد قسمين أساسيين؛ قسم يؤمن بالسلطة الإلهية فوق القدرة البشرية. وفي الجهة المقابلة القسم الآخر، وهو يؤمن بـ “ذروة” الإنسان وهم الشركاء المختارين من أجل إدارة هذا العالم. من خلال ذلك، يبرز إلحادهم الظاهر حيث يمكن للمرء ملاحظة بعض “الإيحاءات” من قوى لا يمكن وصفها إلا بـ “الشيطانية”.

“خدعة سالزبوري”

إن الحديث عن تجريب الانتخابات الرئاسية أو تعطيل فعاليات كأس العالم 2018، والجهود المبذولة لتعطيلها، ليست لها أهمية في حد ذاتها كون الهدف الرئيسي يقع في “الحرب الطويلة” التي أشرنا إليها سابقاً. بلا شك أن فعاليات كأس العالم ستكون الهدف القادم، لكن كل هذه الضجة حولها ستكون للاستهلاك الداخلي للمملكة المتحدة وغيرها من “أتباع” الناتو، وهو ما سيعزز الشعور الروسي العام بالاستياء من الغرب.

أما المقصود من “خدعة سالزبوري” واستخدام مادة “نوفيشوك” فكان التدخل في الانتخابات الروسية. لكن المسؤولين ليس لديهم الفهم الحقيقي عن روسيا والشعب الروسي لأن الشعور بأن بوتين يتعرض لهجوم غير عادل من قبل الأجانب ساعده، بلا شك، للفوز في الانتخابات مع أغلبية ساحقة.

من هنا نقول إن الخطر الكبير على الحكومة الوطنية والتقليدية الروسية لم يكن من جهة القوة العسكرية الأجنبية، بل من حقيقة أن نسبة كبيرة من الأقلية الروسية لا زال لديها نوع من “عقدة النقص” تجاه الغرب. لكن وبعد متابعة هذه الدعاية “الصبيانية”، مضافاً إليها بعض الأمور كهوس الغرب بالمثلية الجنسية والتشويش القائم على نوع الجنس والأهم من ذلك كله دعم النخبة الغربية الصارخ للإرهاب السلفي، جعلت هذه الأقلية تتقلص إلى أن تصبح غير ذات أهمية بالمطلق.

موسكو والحرب السورية؟!

إطلاقاً! للأسباب المذكورة أعلاه وبسبب الانعكاسات الجيوسياسية لمبادرة “حزام واحد طريق واحد” الصينية في التجارة ومشاريع البنى التحتية، لكانت روسيا على خط العولمة المنطلق عالمياً. لقد اتخذ فلاديمير بوتين قراراً شجاعاً غير مجرى التاريخ أوقف فيه اندفاعة الغرب، واتباعه السلفيين، لإسقاط سوريا، وهو ما لم يحصل أبان رئاسة ديمتري ميدفيديف، والجناح الأطلسي بموسكو، في موضوع ليبيا.

لم يكن تدمير الحكومات العربية العلمانية المستقرة، في كل من ليبيا وسوريا، إلا مجرد نقطة ضمن “خطة طريق” أكبر بكثير. لقد تمثل الهدف “الصهيوني الصغير” في إزالة أي قوة في الشرق الأوسط تكون قادرة على تحدي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك إيران. إن هدف المحافظين الجدد والصهيونيون، في الولايات المتحدة، هو القيام بحملة شاملة تبدأ بعزل روسيا ثم السيطرة عليها، كي يصلوا إلى الصين في نهاية المطاف.

لتثبيت هذه النظرية، ليس عليك سوى البحث في وثائق مشروع “القرن الأمريكي الجديد”، والمتحدثين باسمه، لفهم مسألة الحفاظ على هيمنة “الأمة الاستثنائية” التي لا يعني فقط القضاء على التحدي العسكري المحتمل من جانب روسيا، بل أيضاً التحديات الاقتصادية والمالية القادمة من الصين، إذ ليس من المهم ان يشكل الطموح للهيمنة الكلية في العالم ضرباً من الجنون، لأن ذلك لن يجعله أقل واقعية أو أقل قابلية للتحقيق في أذهان الذين يحتفظون به.

إن المسألة خطيرة جداً لا سيما وأن الكثير من المؤشرات تدل على أن القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية وهيبة الدولار “الإمبريالي” في انخفاض حاد وسريع. إن فشل الإمبراطوريات، تاريخياً، وصعود منافسيها الجدد كان يتم من خلال الحرب، وهو ما يشير إليه تعيين الرئيس ترامب لـ “مجرم” المحافظ الجديد في حرب العراق، جون بولتون، كمستشار للأمن القومي الأمر الذي يعتبر “خطراً” غير اعتيادي.

إن هزيمة “الدمية” السلفية في سوريا مثلت نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين القوى العالمية. مع تبنيهم لـ “الغطرسة ما بعد الإمبريالية”، فإن سادة الغرب “العنصريين” لن يلموا أنفسهم على الضربة الموجعة التي سددها الجيش العربي السوري ببطولاته، بالإضافة إلى القوات الحليفة المستعدة للتضيحة اللامتناهية كـ “حزب الله”. لهذا، فهم يصبون جام غضبهم على روسيا، وبشكل ساحق على شخص فلاديمير بوتين نفسه، الذي سيلقون على عاتقه ملامة فشل مخططهم “الشرير والقذر”. إن حربهم الطويلة ضد روسيا ورئيسها هي الآن، بالنسبة إليهم، أصبحت مسألة شخصية.

وبالمثل، لقد أثبت نجاح روسيا في الحرب السورية، وعدم قدرة حلف شمال الأطلسي وأعوانه الذين ينفذون مخططاته، إن مشروع المحافظين الجدد يمكن إيقافه. لقد انتهت حقبة سيطرة الولايات المتحدة على العالم من خلال “القطبية الأحادية”، فلقد أصبح هناك أمل بعالم أفضل وأكثر أماناً وإنصافاً.

مصدر الصور: سبوتنيك.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •