إعداد: يارا انبيعة
بين مؤيد ومعارض، اختتم مؤتمر “سيدر” الاقتصادي لدعم التنمية والإصلاحات في لبنان أعماله في العاصمة الفرنسية باريس، 6 أبريل/ نيسان 2018، حيث حصل لبنان على قروض ميسرة وصلت قيمتها الإجمالية غلى أكثر من 11 مليار دولار، وهبات بقيمة 800 مليون دولار.
افتتاح المؤتمر
افتتح وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، أعمال المؤتمر بتأكيده على أن لبنان يتلقى العديد من الضربات من جراء التشنجات التي تشهدها المنطقة خصوصاً بسبب الأزمة السورية، وهو يواجه الإرهاب على حدوده، وفي الداخل، ومع وجود أكثر من مليون نازح فقد تحمل أكثر من طاقته على الاحتمال من اعباء هذا النزوح السوري. وشرح لو دريان أن العمل الذي قام به كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سمح بوضع تشخيص واضح للوضع الاقتصادي في لبنان والأطر المستقبلية، مشيراً إلى أن لبنان بحاجة إلى استثمارات مهمة لإعادة بناء بناه التحتية، والتي لم تعد بإمكانها التوفير لجميع سكانه الأعمال والخدمات العامة الضرورية بظروف جيدة.
كما شدد لو دريان على التزام وتعهد السلطات اللبنانية في هذا المسار التي بذلت جهدا في وضع خطة مستقبلية طويلة وقصيرة الأمد.
تعزيز الروابط
استهل وزير الاقتصاد والمال الفرنسي، برونو لو مير، حديثه تحت عنوان “التطور والنمو والعمالة” عن العلاقات الوثيقة التي تربط فرنسا بلبنان قائلاً “إن استقرار لبنان بالنسبة إلى فرنسا أمر حيوي وأن هذا الحشد الدولي هو لمساعدة لبنان على مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها، ونأمل أن نتمكن على المستوى الاقتصادي من تعزيز الروابط فيما بيننا في الأيام المقبلة”، مشيراً إلى “أن انعقاد هذا المؤتمر اليوم في باريس يشهد على إرادة فرنسا ورئيسها في حشد وتعبئة كل المجتمع الدولي من أجل لبنان. جميعنا يعرف الظروف العصيبة والتحديات التي تتربص بلبنان اليوم، وأود أن أعبر عن احترامي وإعجابي بالشعب اللبناني الذي يواجه، بقيادة الرئيس الحريري، هذه التحديات، وأنا أفكر بشكل خاص بآثار الأزمة السورية وتبعاتها على اقتصاد لبنان وشعبه.”
وأضاف لو مير “أن الدعم الذي تقدمه فرنسا في هذه الظروف الصعبة ليس سياسياً ومعنوياً فقط بل أنه يترجم بطريقة ملموسة عبر المشاريع الاقتصادية، ففرنسا هي في طليعة الدول المانحة، على المستوى الثنائي كما على مستوى الاتحاد الأوروبي، ونحن سعداء اليوم برؤية كل شركاء لبنان الرئيسيين على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، مجتمعين من أجل دعم إعادة النهوض الاقتصادي اللبناني.”
“لبنان لن يتخلى عن دوره”
في مستهل حديثه، قال رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، “أود أن أشكر الوزير لو مير على كل ما تقوم به فرنسا من أجلنا، وأشكر السفير بيار دوكان الذي قام بعمل جبار معنا وكان دائماً في الطائرة يتوجه إلى لبنان ويشجع الجميع على وضع اللمسات الأخيرة على هذا البرنامج. وكما قلت، إن لبنان بلد صغير جداً جداً وهو يستقبل 1.5 مليون لاجئ سوري وحوالى 200 ألف لاجئ فلسطيني وربما 100 ألف لاجئ من جنسيات أخرى، وبالتالي فإننا نتحمل عبئاً كبيراً لكننا نتحمل مسؤولياتنا فيما نقوم به لاننا نؤمن بأن لبنان له تاريخ، فقد كان في الماضي فريسة للحرب الأهلية، ونحن كنا في فترة ما لاجئين، لذا فإننا نفهم هذه الأمور، ونستقبل هؤلاء الناس لأننا نؤمن بالإنسانية وبان هذا واجبنا.”
كما لفت الرئيس الحريري إلى أن لبنان أقام شراكة جديدة مع المجتمع الدولي، شراكة للحفاظ على استقراره وشراكة أيضاً للنمو وخلق الوظائف، مشيراً إلى أن مؤتمر “سيدر” لم ينته في حينه، بل هو عملية بدأت للتو لتطوير الاقتصاد وتأهيل البنى التحتية وتعزيز قدرة القطاع الخاص لكي يتمكن من تحقيق نمو مستدام.
وأكد الرئيس الحريري على أن “رؤيتنا واضحة ومصرين على تطبيقها، ونحن على ثقة بأننا سنتمكن من ذلك بفضل دعمكم، ونعرب عن امتناننا لجهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعمه للبنان، منوهاً إلى أنني أتوجه بالشكر إلى البنك الدولي والصندوق الدولي للدعم والمساعدة، وأتوجه بالشكر إلى الحكومات على دعمها ولاستثمارها في الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي للبنان”، معتبراً أنه “نجاح للتوافق السياسي في لبنان ودليل جديد على ما يمكن أن يحققه هذا التوافق للمواطنين اللبنانيين عندما تتوافر إرادة النهوض بلبنان ومصلحته.”
إلى ذلك، فقد عرض الرئيس الحريري “الرؤية للاستقرار والنمو وخلق فرص عمل التي وضعتها الحكومة اللبنانية والتي لقيت ترحيباً من جميع المشاركين وهي زيادة مستوى الاستثمار العام والخاص، وضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي من خلال إعادة التوازن للمالية العامة، وإجراء إصلاحات حقيقية تكون مشتركة بين مختلف القطاعات خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتحديث القطاع العام وإدارة المالية العامة، ووضع استراتيجية لتعزيز وتنويع القطاعات المنتجة في لبنان، للنهوض بقدراته على صعيد الصادرات.
إصلاحات مرتقبة
رأى وزير الشباب والرياضة، محمد فنيش، أن قطاع النقل كان من المفترض أن يحظى بأولوية في مؤتمر “سيدر”، معتبراً أن لبنان كان يجب أن يركز على الهبات لا القروض، وفي حين أشار إلى خشية من سوء استخدام القروض والتلزيمات، انطلاقاً من التجارب السابقة، أشار إلى أن الدول الأوروبية مسؤولة عما أصاب لبنان من تداعيات جراء الحرب السورية.
بدوره، علق وزير المالية، علي حسن خليل، بالقول إن مجرد الاجتماع والالتزام الدولي أمر إيجابي، لكنه لفت إلى أن المهم أن نعرف أن ندرس كل ملف، لا سيما على مستوى الأهداف التي نريد تحقيقها من هذا الإنفاق. وأوضح خليل أن هذا المؤتمر مختلف عن المؤتمرات السابقة، لأنه مخصص لدعم الاستثمار في البنى التحتية اللبنانية، مشيراً إلى “أننا سمعنا الكثير من الكلام عن ضرورة إجراء إصلاحات وهذا الموضوع يجب أن يكون قراراً لبنانياً ذاتياً.”
وأشار حاكم مصرف لبنان، الدكتور رياض سلامة، إلى أن الالتزامات التي ظهرت في مؤتمر “سيدر” جيدة ضمن ما هو منتظر، لافتاً إلى أن المهم هو عدم التأخر في عملية التنفيذ وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
هنا يجب الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية قد وضعت برنامجها الاستثماري في البنى التحتية الذي يركز على تطويرها وإعادة تأهيلها، حيث تقدر الكلفة الاجمالية للمرحلة الأولى من هذا البرنامج، الذي يمتد على 6 سنوات ويشمل الأعمال التحضيرية والتنفيذ، بـ 10.8 مليار دولار أميركي بما يشمل كلفة الاستملاكات، منها حوالي 35% يمكن الحصول عليها من خلال الاستثمارات الخاصة.
البيان الختامي
استناداً إلى البيانات الصادرة عن مجموعة الدعم الدولية التي انعقدت في باريس في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017 والاجتماع الوزاري لدعم القوى المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي في لبنان الذي انعقد في روما في 15 مارس/آذار 2018، أعرب المشاركون عن تمسكهم بوحدة لبنان واستقراره وأمنه وسيادته وسلامة أراضيه، داعين السلطات اللبنانية إلى تطبيق ووضع حيز التنفيذ وتعزيز سياسة موثوق بها للنأي بالنفس، كما أعربوا عن دعمهم للجهود التي تبذلها السلطات اللبنانية حالياً لتحسين عمل مؤسسات الدولة والإعداد للانتخابات النيابية وفقاً للمعايير الدولية.
واعتبر المجتمعون أن لبنان يواجه منذ سنوات عدة صعوبات جمة تعيق نموه الاقتصادي والإنساني وأن البلاد أمام منعطف، وبحاجة إلى التضامن والدعم الكامل والشامل من جانب المجتمع الدولي. كما نوه المشاركون بعودة مؤسسات الدولة إلى عملها الطبيعي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واعتماد قانون انتخابي جديد سوف تليه انتخابات نيابية متوقعة في 6 من أيار، مشيدين بتعيين موظفين كبار لملئ الشواغر في الإدارة، وأحيطوا علماً باستدراج العروض الأولى في مجال النفط والغاز، ونوهوا بإقرار موازنة 2017 للمرة الأولى منذ 12 عاماً، وباعتماد موازنة عام 2018 مؤخراً وقانون المياه.
ورأى المجتمعون أن النهوض الاقتصادي والتنمية البعيدة الأمد في لبنان، يواجهان صعوبات بنيوية بشكل رئيسي تتمثل بعجز مهم في الموازنة بلغ حوالي الـ 10% من إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى دين عام مرتفع بلغ حوالي 150% من إجمالي الناتج المحلي، ما يسفر عن انخفاض حاد في إنفاق رؤوس الأموال الذي يمثل أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً، ويبقى معدل نمو إجمالي الناتج المحلي متدنياً.
من هنا، أعلن الرئيس ماكرون أن المؤتمر سيقدم مساعدات مالية للبنان بأكثر من 11 مليار دولار، حيث ستقدم فرنسا 400 مليون يورو على شكل قروض، كما ستضاعف حجم المساعدات التي تقدمها للبنان الوكالة الفرنسية للتنمية، وستزيد باريس من حجم المنح التي تقدمها لبيروت بمقدار 150 مليون يورو، وبالتالي سيصل الحجم الإجمالي للمساعدات الفرنسية إلى 550 مليون يورو. وأكد الرئيس ماكرون على أن المساعدات تهدف إلى تأسيس بداية جديدة للبنان، مضيفاً أنها تضع مسؤولية غير مسبوقة على عاتق السلطات اللبنانية لتنفيذ الإصلاحات والحفاظ على السلام في البلاد حيث “من المهم المضي قدما في الإصلاحات خلال الأشهر القادمة، نحن سنقف إلى جانبكم.”
في المحصلة، بلغت الحصيلة النهائية للمبالغ التي جناها لبنان من المؤتمر بنحو 11 مليار و800 مليون دولار، بعدما أعلنت دول عدة دعمها وتقديمها المساعدة، إذ قررت المملكة العربية السعودية تجديد قرض بقيمة مليار دولار كانت قدمته للبنان في السابق، من دون أن يتم استخدامه، وأعلن البنك الدولي عن تقديم دعم بقيمة 4 مليار دولار على 5 سنوات، إضافة إلى إعلان البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية عن تقديم 1.1 مليار يورو على مدى 6 سنوات، وأعلنت دولة قطر تقديمها 500 مليون دولار على خمس سنوات.
وفي الختام، أعربت الدول والمنظمات الشريكة عن سعادتها للعمل مع الحكومة التي سيتم تشكيلها في لبنان بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة من أجل تنفيذ برنامج الاستثمار في البنى التحتية وبرنامج الإصلاحات، خصوصاً من خلال وضع جدول زمني محدد للإصلاحات، وسيعقدون اجتماعاً على مستوى كبار الموظفين في العواصم والمقار الرئيسية بعد فترة وجيزة من تشكيل الحكومة الجديدة.
مصدر الأخبار: وكالات
مصدر الصور: الحرة – الشرق الأوسط.