إعداد: مركز سيتا

في هذا الوقت، يعود ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى الواجهة مجدداً، حيث ينقسم الرأي في ذلك إلى قسمين؛ القسم الأول، يرى بأن الهدف من ذلك هو زيادة الضغط على الحكومة السورية من أجل تغيير سياساتها، خصوصاً مع عودة الديمقراطيين في الولايات المتحدة إلى الحكم من جديد، وهم الذين دعموا وساهموا في إطلاق “الربيع العربي” الذي يعتبره كثيرون بأنه ثورة على الأنظمة الحاكمة.

في المقابل، يرى القسم الثاني بأن الغرض من ذلك هو العودة إلى سياسة الهيمنة والنفوذ مجدداً، وذلك من أجل تنفيذ، أو إستكمال تنفيذ، المخططات السياسية التي لم تنجح القوة لعسكرية، إلى حد الآن، بتحقيقها.

خطورة الموقف

تستمر بعض الدول الغربية باستغلال موضوع الأسلحة الكيميائية لممارسة الضغط على سوريا على الرغم من تخلصها من كامل ترسانتها الكيميائية، العام 2014، حيث تم إغلاق البرنامج العسكري السوري للأسلحة الكيميائية بشكل كامل، وتم إتلاف كامل مخزون الأسلحة الكيميائية وتفكيك منشآت صناعتها، الأمر الذي أكدته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكثر من مرة.

أما إعادة فتح هذا الملف يعني أنه سيتم استخدامه كأداة لمعاقبة دمشق في حال بقيت على موقفها الرافض للسيطرة على قرارها أو على أقل تقدير تغيير موقفها السياسي خاصة من مسألة تواجد القوات الإيرانية على أراضيها بالإضافة إلى المقاومة اللبنانية، المتمثلة في حزب الله؛ لذلك، فإنه ليس من المجدي البحث عن أي صلة بين هذا الملف وبين حالات استخدام أو عدم استخدام السلاح الكيميائي لأنه وعلى ما يبدو لن تغير دمشق من مواقفها بعد عشر سنوات من الحرب عليها، ما يعني بأن الضغط سيبقى مستمراً في هذا الإطار.

وتعليقاً على هذا التطور، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحد،ة فاسيلي نيبينزيا، إن “سوريا انضمت إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية طوعاً باقتراح من روسيا، ونفذت الشروط الأساسية بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وتخلصت من كامل ترسانة السلاح الكيميائي، للأسف، فإن الآمال بأن يساعد ذلك في التخلي عن توجيه الاتهامات إلى القيادة السورية بأنها تستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبها، لم تتحقق. وعلى مدار السنوات الأخيرة تستمر بعض الدول باستخدام ورقة الكيميائي كأداة للضغط على الحكومة السورية، وهي توجه اتهامات خطيرة إلى دمشق مرة تلو الأخرى.”

إستكمالاً لما سبق، وجدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نفسها، أواخر العام 2020 وسط “فضيحة مدوية”، حيث كشفت كل من صحيفة “ديلي ميل” البريطانية وموقع “ويكيليكس” أن إدارة المنظمة “تلاعبت بالحقائق” بغية تحميل الجيش السوري المسؤولية عن الهجوم الكيميائي المزعوم بمدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، أبريل/ نيسان 2018، ما دفع بالعديد من المراقبين للتحذير من استغلال المنظمة كـ “آلية سياسية” من قبل دول الغرب ضد سوريا.

الهدف الغربي

على ما يبدو، إن الموقف الغربي من فتح هذا الملف مجدداً يهدف إلى إيجاد ذرائع جديدة يتم الضغط من خلالها على دمشق، وغض الطرف عن القيام بمسرحيات كيميائية مفبركة، وهو يقارب الرأي الضمني لموسكو، بصرف النظر عن الجهات التي ستنفذ هذه المسرحيات، فقد رصدت القوات الروسية العاملة في سوريا، وتحديداً في منطقة الفوعة بريف ادلب، وتحديداً الاستخبارات الروسية، نشاطاً ملحوظاً لكل من “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) ومنظمة “الخوذ البيضاء”، المدعومة من الغرب، وسبق وأن نشرت تحذيرات بهذا الخصوص.

ولكن على ما يبدو، تمتلك الولايات المتحدة، ومعها الدول الغربية، نفوذاً كبيراً داخل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛ فعلى الرغم من أن دمشق بادرت إلى الطلب من المدير العام للمنظمة إرسال فريق من الأمانة الفنية لتقصي الحقائق حول تلك المزاعم، لكن هذا الفريق لم يلتزم خلال القيام بعمله بالوثيقة المرجعية التي تحدد طريقة عمله والقواعد المنصوص عليها في ملحق التحقق المرفق بالاتفاقية، حيث أشارت العديد من المعلومات إلى أنه “خرج” عن المهنية والحيادية خاصة لجهة عدم زيارة المواقع المدعى حصول حالات استخدام فيها، وعدم جمعه للعينات والحفاظ على سلسلة حضانتها واعتماده على “مصادر مفتوحة” وما إلى ذلك، حيث عمد الفريق إلى إجراء تحقيقاته عن بُعد واستلم عينات لا يعرف مصدرها الحقيقي ومن قام بجمعها، وقابل شهوداً مزعومين إما مجهولو الهوية أو تم جلبهم من البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية أذراعها مثل تنظيم الخوذ البيضاء، طبقاً للمعلومات.

من هنا، يمكن الإستدلال إلى أمر مهم وهو إن عدم تتراجع سوريا أو تغير الكثير من مواقفها السياسية سيكون نتيجته العمل والضغط بهذا الاتجاه لإثبات استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي في معاركه الأخيرة. لكن هذا الملف، ولغاية الآن، لم يتحقق لأن هذا الاتهام يحتاج إلى قبول من جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والتي دائماً ما تصطدم بالفيتو المزدوج الصيني – الروسي، ناهيك عن عدم توافر أدلة مثبتة يمكن الإستناد عليها في هذا الخصوص.

إصرار سوري

بالنسبة إلى دمشق، إن فشل آلية التحقيق المشتركة في الالتزام بولايتها وافتقار تقاريرها للمهنية والمصداقية أديا إلى إنهاء ولايتها. جاء هذا الكلام على لسان مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، الذي أكد أن “ذلك الأمر دفع بعض الدول الغربية إلى التوجه لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتلاعب بنصوص الاتفاقية وممارسة الضغوط على الدول الأعضاء فيها وابتزازها لاستصدار قرار غير شرعي يقضي بإنشاء آلية ما يسمى فريق التحقيق وتحديد الهوية”، وهو ما يُعتبر “سابقة خطيرة” بتفويض منظمة فنية بصلاحيات إجراء تحقيقات جنائية وقانونية لتحديد هوية المسؤولين عن حالات استخدام أسلحة كيميائية في تجاوز واضح لاختصاص مجلس الأمن.

من هنا، إن ممارسات فريق تقصي الحقائق، وبحسب الجانب السوري، خلص إلى إصدار تقرير “غير مهني” مستنداً إلى مبدأ الترجيح والاحتمال ما جعل الاستنتاجات التي قدمها مطعوناً فيها وغير جديرة بالثقة، في هذا السياق يضيف صباغ أن تلك الاستنتاجات “شكلت أرضية للولايات المتحدة وفرنسا للترويج لمشروع قرار مقدم إلى مؤتمر الدول الأطراف لمنظمة الحظر يهدف إلى إيجاد ذرائع جديدة لارتكاب المزيد من أعمال العدوان ضد سوريا وتشجيع التنظيمات الإرهابية على القيام بمسرحيات كيميائية مفبركة جديدة خدمة للسياسات العدائية الأمريكية الغربية”، مطالباً “جميع الدول الأعضاء عدم الانجرار وراء هذا المسعى والتصدي له لتجنيب منظمة الحظر تداعيات خطيرة على مستقبل عملها وتعاونها مع الدول الأطراف فيها.”

أخيراً ومن خلال مواقفها، لطالما أدانت سوريا استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل أي كان وفي أي مكان وتحت أية ظروف، وهو ما أكدته تكراراً على عدم استخدامها أسلحة كيميائية على الإطلاق. لكنها في ذات الوقت، ترفض بشدة النهج العدائي والمسيس ضدها وتطالب بالكف عنه وتدعو في الوقت ذاته الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى استبداله بمقاربة موضوعية وإجراء مناقشة بناءة.

لكن أياً من ذلك لن يحدث لأن القرار الأمريكي يبدو أنه ذاهب إلى أقصى درجات الضغط على الدولة السورية، وروسيا أيضاً، إذ تقول المعلومات إن اتفاق غير معلن بين الولايات المتحدة وأوروبا وترتيبات سريعة تجري، على الأراضي السورية والعراقية، ضمن خطة أوسع شملت عقوبات أمريكية متسارعة على روسيا وقياداتها، في ما يبدو بأنها تحضيرات لـ “مواجهة ساخنة” بين واشنطن ومحورها ضد روسيا.

ولتحقيق هذه الغاية، يجب أولاً إضعاف سوريا ومحورها دولياً لحشد أكبر قدر ممكن من الدول ضدهما، أو أن تذعن دمشق للمطالب الغربية، وأهمها إخراج إيران من سوريا، فهذا الملف ليس الأول ولن يكون الأخير في ضوء أن المطالب معروفة وهي تقديم بعض التنازلات في مكانٍ ما، لأن واشنطن واضحة في هذا السياق ولم تحدد ذلك بطرق غير مباشرة.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: Japan Times- Time.

موضوع ذا صلة: الملاذي: مزاعم الكيميائي تهدف لإطالة الصراع في سوريا