حوار: سمر رضوان

رغم تعدد الملفات الدولية والإقليمية في بلدٍ واحد، لا يزال الشمال السوري يرزخ تحت نير الاحتلال التركي، في ظل إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا ودخول فرنسا على خط المواجهة بشكل علني لكن هذه المرة في تماس مباشر مع تركيا بحجة دعم الكرد السوريين وبعض الأقليات.

حول تداعيات الخلافات التركية – الفرنسية في سوريا، يوضح الإعلامي طارق عجيب، الكاتب والمحلل السياسي لمركز “سيتا”، ماهيات هذه الخلافات وابعادها

 العلاقات التركية – الفرنسية

في إطار رده على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول دعم فرنسا للأكراد في وجه تركيا ومطالبة ماكرون له بتنفيذ قرار الهدنة الأخير المتعلق بسوريا والصادر عن مجلس الأمن والمطالبة أيضاً بإيقاف عملية “غصن الزيتون” في عفرين وشمال سوريا، تضمن حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى العديد من رسائل التهديد؛ الرسالة الأولى، التهديد بالسماح للاجئين السوريين والعراقيين المتواجدين في تركيا بالتدفق إلى أوروبا وما تحمله هذه الخطوة من مخاطر على الداخل الأوروبي أهمها خطر دخول إرهابيين، ومنهم من قد يكون مجنداً لتنفيذ عمليات عنف وتخريب وإرهاب، ضمن الداخلين إلى أوروبا. الرسالة الثانية، إمكانية استهداف القوات الفرنسية المتواجدة في شمال سوريا بشكل مباشر بإعتبارها قوة “احتلال”، كما وصفها أردوغان ونسي أنه محتل ومعتد وغاصب لأراضي سوريا وداعم للإرهاب الذي اجتاحها خلال السنوات السبع من عمر الأزمة.

هذه التهديدات، وغيرها وما يقابلها من ماكرون، تشير إلى ارتفاع حدة التوتر بين البلدين خاصة أن لهما تاريخ استعماري في سوريا ومطامع وأوهام بالعودة إليها بذرائع محاربة الإرهاب أو دعم الكرد وإلى ما هنالك. لكن المعطيات الدولية والواقع على الأرض والتداعيات الكبيرة لا تشير إلى إمكانية حدوث أي صدام مباشر بينها، ولارتباطهما بتحالفات واتفاقيات وتعهدات دولية، حيث سيكون، لما أوردناه سابقاً، دور مهم في عدم تصعيد الخلاف، وستبقى هذه التصريحات تحت سقف الاستهلاك الإعلامي والتجاذب السياسي بين الطرفين.

التصعيد الفرنسي

كان الغرب شريكاً وطرفاً مباشراً فيما جرى ويجري في سوريا، وله دور محوري في الأحداث منذ بداية الأزمة حيث يسعى إلى تنفيذ مشاريعه واستراتيجياته في منطقتنا. لذلك، نرى تغيراً كبيراً في خرائط الميدان لصالح الدولة السورية مقابل ضيق الجغرافيا التي يتواجد عليها شركاء استهداف سوريا ومنهم فرنسا. ففي ظل حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قواته من سوريا وما يحدثه ذلك الانسحاب إن تم من فراغ، دفع الفرنسي للتحرك بهدف تعويض خساراته في باقي الجغرافيا السورية ولتثبيت موطئ قدم له في الشمال قبل الأطراف الأخرى، خاصة مع وجود تاريخ استعماري ومطامع وأحلام يريد من خلالها استعادة دوره وحضوره في سوريا والمنطقة.

الإنضمام الى الإتحاد

 أعتقد أن فكرة إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بات من التاريخ، فأوروبا لن تقبل بتركيا عضواً في اتحادها، وهذا ما صرح به الكثير من السياسيين، لأنها أصبحت بعيدة جداً عن المعايير والشروط التي تضعها أوروبا على أي دولة تريد الانضمام، خاصة أن الرئيس أردوغان عمل على “أسلمة الجمهورية” بشكل مذهبي ومتطرف وحمل راية الإخوان المسلمين وصرح بأن بلاده تسعى لإستعادة امجاد “الإمبراطورية العثمانية”، وهذا ما يرفضه الأوروبي، وقد يكون سبباً في استعادة الصراع والحروب التي وقعت بين الطرفين إذا اعتبرنا أن فرنسا تمثل الطرف الاستعماري الآخر الذي يستهدف منطقتنا وشعوبنا.

الفكرة ببساطة في سوريا وهي صراع مشاريع متشابهة في فكرها الاستعماري لكن مختلفة ومتناقضة في الدوافع والغايات.

فرنسا وأقليات الشرق

تدعي فرنسا دعم الأقليات في المنطقة، وهي تدعم الكرد بشكل مباشر وصريح منذ عقود، وتستضيف على أراضيها قيادات وعناصر وشخصيات مهمة منهم. بالتوازي مع ذلك، تشتثمر فرنسا في الورقة الكردية، بشكل خاص، والأقليات، بشكل عام، ليكونوا ذريعة للتدخل في المناطق والدول التي تستهدفها فرنسا، إذ نجد ذلك واضحاً في الشمال السوري وشرق الفرات حيث يتواجد الفرنسيون في خمس مناطق تقع جميعها تحت سيطرة الكرد. وبما أن العداء مستحكم بين التركي، بزعامة أردوغان وحزب العدالة والتنمية وحلفائه في الداخل، وبين الشعب الكردي بشكل عام، يجد الفرنسي في ذلك فرصة ليتواجد على الأرض السورية في مسعى لتنفيذ مشروعه في سوريا، وليقف في ذات الوقت في وجه المشروع التركي ويضغط عليه قدر الإمكان.

ضم عفرين إلى هاتاي

بصراحة إن موضوع ضم عفرين إلى محافظة هاتاي التركية هو أخطر ما يتم الحديث عنه. فلهذه الخطوة تداعيات كبيرة على المسارات السياسية والعسكرية في الأزمة السورية، وهي احتلال مباشر وصريح، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك ويتخذ الإجراءات المناسبة لمنع ذلك وإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي والقانوني، وعلى الدولة السورية أن تقوم بواجبها الكامل تجاه ذلك أيضا.ً

نحن نعلم أن الواقع السياسي والميداني في سوريا حالياً لا يساعد على اتخاذ ما يحب بالسرعة المطلوبة، لكن من المؤكد ان الدولة السورية لن تسمح في حدوث هكذا خطوة وستعمل على استعادة كل شبر من الأراضي المحتلة أو التي يتواجد عليها مجموعات إرهابية مدعومة من تركيا أو غيرها.

إن الأزمة السورية لا زالت بعيدة نسبياً عن نهايتها، لذلك علينا أن نكون صبورين، مع ثقتنا الكاملة أن النصر في النهاية سيكون حليف الحق وأصحاب الأرض ومع الشرعية الدولية والقانون الذي يسمح لنا كسوريين دولة وشعب باستعادة حقوقنا ومحاربة أي استهداف أو إرهاب يهددنا. ان ما يقوم به الجيش العربي السوري، والانتصارات المتتالية والمتراكمة، يجعلنا واثقين كل الثقة أن المحتل والمعتدي والإرهابي لن يكون له تواجد على أي بقعة من الجغرافيا السورية الكاملة.

مصدر الصور: سكاي نيوز – جريدة زمان التركية.