حوار: سمر رضوان
وسط إنتشار فيروس “كورونا” المستجد في عدد كبير من دول العالم ووقوع آلاف الوفيات والإصابات في وقت قصير، من دون القدرة على التوصل إلى علاج ناجع أو لقاح يقي خطر الإصابة، ما أضطر تلك الدول على إتباع الوسائل الوقائية الإحترازية، كالعزل المنزلي والحظر المؤقت وإغلاق المحال، ووقف رحلات الطيران الجوي، من بين تلك الدول سوريا. فعلى الرغم من الإصابات القليلة، إلا أنها تكفلت بحزمة من التدابير الوقائية للحد من إنتشار الفيروس والقدرة على إحتوائه.
حول التدابير الإحترازية السورية في ظل الأزمة الحاصلة فيها منذ العام 2001، سأل مركز “سيتا” الدكتورة أميرة ستيفانو، عضو مجلس الشعب السوري ونائب رئيس لجنة الصداقة السورية – الصينية، عن هذا الموضوع.
وقفة تضامنية
عندما اجتاح فيروس “كورونا” أو “كوفيد – 19” مدينة ووهان الصينية، كان للجنة الصداقة السورية – الصينية في مجلس الشعب، ولمجلس الأعمال السوري – الصيني وقفة تضامنية مع الصين الشقيقة، تحدث فيها السفير الصيني في دمشق عن أن عدد حالات الشفاء أكثر من حالات الوفيات، وأن اللقاح يحتاج إلى شهور حتى يجهز، وبعدها انتشر الفيروس في معظم بلاد العالم حتى أعلنته منظمة الصحة العالمية “جائحة”، ومن بعدها إجتاح أوروبا وكندا والولايات المتحدة والكثير من الدول.
إجراءات مكثفة
بدأت الحكومة السورية بوضع الخطط للوقاية للحد من انتشار الفيروس بعد أن انتشرت الجائحة في الدول المجاورة، وكانت الإجراءات متعددة ومتسارعة وتدريجية حيث بدأت من محاولة عزل سوريا، من دول الإقليم وتلك التي إنتشر فيها المرض، من وقف حركة الطيران وحركة دخول المسافرين وفحصهم وحجرهم، إلى إجراءات الحد من التجمعات، وإقلال التواصل والتماس بين الناس للحد الأدنى من نتائجها تأجيل موعد الإنتخابات التشريعية وتوقف دوام الجامعات والمدارس والمديريات التي لا عمل لها، وتخفيض عمل الإداريين، وإغلاق دور العبادة ووقف أية أنشطة ثقافية أو علمية أو اجتماعية.
وبعد أن بدأت الإصابات بالظهور، تطورت الإجراءات لحظر تجول جزئي إلى أن تم حظر التنقل فيما بين المحافظات بعضها عن بعض، والريف عن المدينة، وذلك لإحتواء الإصابات ومنع انتشارها، كما قامت الحكومة بحملة توعية واسعة توضح للناس عن هذا الفيروس وطرق انتشاره والوقاية منه وأهمية الحد من التجمعات والحجر المنزلي.
خبرات محلية
بالتزامن مع هذه التدابير، تم تجهيز أماكن للحجر في كل المحافظات وتجهيز المشافي والمراكز الصحية وفرق الترصد لتدريب الكوادر الصحية والطبية للتعامل مع المصابين، وكيفية أخذ العينات من المشتبه بإصابتهم، وتجهيز مخبر مركزي لتحليلها في عملية تحد كبيرة بظل الإجراءات القسرية الأحادية الجانب التي تمنع إستيراد قطع الصيانة للأجهزة التشخيصية والعلاجية والأدوية والمواد والأجهزة الطبية، وهنا جاء دور الأصدقاء الروس والصينين في تأمين بعض هذه المستلزمات.
أيضاً، قامت الجهود المحلية بزيادة إنتاج المعامل الوطنية من المعقمات والكحول والمنظفات لسد زيادة الإحتياج، وقامت ورش الخياطة ضمن كل مشفى حكومي بصنع الكمامات لتأمين حاجة الفريق الطبي، إضافة إلى الورش والمعامل الأخرى لسد احتياجات المواطنين والفعاليات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، قامت غرفة صناعة حلب بإنتاج جهاز تنفس اصطناعي قيد التجريب وذلك كمبادرة من الصناعيين لمؤازرة الحكومة في حربها ضد الفيروس.
المواطن أولاً
الحرب الإرهابية التي اجتاحت سوريا منذ تسع سنوات أخرجت نصف عدد الأسرَّة في المستشفيات من الخدمة، كما دمرت معظم منظومة الإسعاف واستنزفت الكوادر الطبية والصحية والخدمية. وإذا نظرنا إلى فشل الأنظمة الصحية في البلاد التي تحتل المراتب الأولى عالمياً بإحتواء الأعداد الكبيرة من المصابين في مشافيها وعانت من نقص عدد أجهزة التنفس، لنجدها تستجدي كمامات وأدوية وتترك المصاب يتعالج على نفقته الشخصية، كما سمعنا عما حدث في الولايات المتحدة، بينما استمرت سوريا بعلاج المواطنين طوال فترات الحرب وما زالت تقدم كل ما يلزم من خدمات صحية. لذلك، نفهم حرص الحكومة السورية الآن بالتأكيد على إجراءات الحد من الإنتشار حتى تتلافى تلك المشاكل بحال تفشتت الإصابات بشكل كبير، لا سمح الله. وطالما لم يتم اكتشاف دواء نوعي للفيروس أو لقاح له حتى الآن، يبقى الحل في الوقاية للحد من الإنتشار.
لذلك، تشددت الحكومة بإجراءات الحظر لمحاولة أن يكون انتشار الفيروس حسب التسلسل بشكل محدود بدل الإنتشار الأسي عبر التفرع لتصبح المتوالية الهندسية لإنتشاره واسعة ويصعب احتوائه.
في المقابل، لم توفق الحكومة بجميع الإجراءات حيث ما زال هناك ثغرات كبيرة تقلل من قيمة ما تم القيام به، مثل ازدحام الأفران والتعاونيات واستمرار عمل المعابر غير الشرعية ودخول وافدين يحملون الفيروس، كما نلاحظ وجود عدم نضوج إعلامي في التصريحات، بالإضافة إلى عدم تقديم أية مبادرات لمساعدة أصحاب المهن الذين توقفوا عن العمل وللطبقات المتوسطة والضعيفة التي ضعفت قدرتها الشرائية على الاستمرار مع غلاء فاحش في الأسعار دون ضبط فعلي.
خيبة أمل
ولا يمكن أن نتجاهل خيبة امل الحكومة عندما راهنت على وعي الشعب والتزامه، وهنا نجد البعض التزم بعمليات الوقاية والتعقيم فيما البعض الآخر مستهتر تماماً وهو ما قد يتسبب في أذى نفسه ومن حوله لأن هناك حالات كثيرة خصوصاً أن مع عدم وجود عوارض قوية عند حامله أو خفيفة، مثل أية انفلونزا عادية، كما أن العديد من المصابين يعالجون أنفسهم بأنفسهم، كما تعود شعبنا على استخدام خافضات الحرارة والصادات الحيوية لوحده. وبالتالي، لن يراجع المستشفات إلا من تفاقمت حالته الصحية من ضعفي المناعة والمدخنين من الشباب، أو من يعاني من أمراض مزمنة أو أورام خبيثة، والمسنين حيث تزداد نسبة الوفيات عندهم لتصبح 3.6% لمن هم فوق الستين و8% لمن هم فوق السبعين و14.8% لمن هم فوق الثمانين.
أيضاً، سمعنا عن بعض حالات الإحجام عن مراجعة المراكز الطبية الحكومية بسبب الخوف من الفضائح على وسائل التواصل الإجتماعي، والتكتم عن مشتبهين بالإصابة أو حالات عدم إلتزام الحجر المنزلي وسبب هذا كله عدم الوعي والأنانية لأن هذه التصرفات قد تتسبب بخسارة الأحباء.
فيما يخص وسائل التواصل الإجتماعي، إن من يراقبها سيجد الكثير من النظريات العلمية ونظريات المؤامرة وتوقعات عن الذروة، والإنحسار للجائحة، وبروتوكولات علاجية، وإشاعات عن إيجاد علاج ولقاح، فيما البعض يساهم بتشويش الناس وإخافتهم أو حتى تحريضهم على الإجراءات أو الإستخفاف بها، عمداً أو جهلاً، عبر نشر صور أو أخبار وتصريحات كاذبة.
من خلال عملي كطبيبة، نصيحتي للمتابعين الأعزاء قراءة ومتابعة المعلومات التي تنشرها وزارة الصحة ووسائل الإعلام الوطنية عن الفيروس لأنها كافية، لكن الأهم هو التركيز على الوقاية وتقليل مغادرة المنزل قدر الإمكان، والمحافظة على مسافة أمان عند التسوق، واتباع سبل الوقاية عند التعامل مع الناس وحين العودة الى المنزل، بالإضافة إلى اتباع نظام حياة صحي الذي سيكون كفيلاً بالتقليل من خطر الإصابة، ودعاؤنا الدائم أن يحمي الله شعبنا وبلدنا.
مصدر الصورة: البيان.
موضوع ذا صلة: “كورونا” والهيستيريا السياسية