محمد كريم جبار الخاقاني*

منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011على إثر الاحتجاجات الشعبية في مدينة درعا، وفرنسا أسهمت في تأييدها وبذلك انضمت لمحور السعودية وقطر وتركيا المتمسكين برحيل رأس النظام السوري بشار الأسد عن الحكم.

ولكن مع التوجهات الدولية والإقليمية بممارسة سياسة خنق النظام عبر محاصرته دبلوماسيا، أغلقت فرنسا سفارتها في دمشق لتكون تلك الخطوة، أولى حالات التخلي عن دورها المفترض في منطقة تعد تاريخيا من مناطق نفوذها، إذ يعني ذلك ،حرمانها من فرص التعاون مع النظام والأجهزة الاستخبارية التابعة له من فرص تعقب الإرهابيين من حاملي الجنسية الفرنسية والذين يشكلون خطرا على الأمن الداخلي الفرنسي، وربما يقومون بأعمال إرهابية داخل الأراضي الفرنسية، وبالتالي انعدمت فرص ذلك التعاون بسبب التشدد الفرنسي والمتناغم مع كل الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن رحيل الرئيس بشار الأسد.

وكذلك الحال مع دعمهم المتزايد لما يسمى المعارضة المسلحة المعتدلة التي تم تزويدها بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الفرنسية من أسلحة ومن ثم الاستيلاء عليها من قبل التنظيمات الإرهابية، ولذلك نجد بأن فرنسا من أوائل الدول التي تعرضت لهجمات إرهابية قام بها العائدون من جبهات القتال في سوريا بسبب عدم التنسيق الكامل مع الأجهزة الاستخبارية السورية التي لديها معلومات كافية عن تحركاتهم ومخططاتهم بحكم التماس المباشر بفعل الحرب مع التنظيمات الإرهابية.

 وبذلك فوتت فرنسا فرصة التمكن من إحباط تلك الهجمات قبل تنفيذها وإنقاذ أرواح الأبرياء، لو كانت هناك وسائل دبلوماسية قائمة على الأرض السورية، ولكن مع قرار فرنسا إغلاق السفارة في دمشق أضاع الكثير من جوانب التعاون بشأن مكافحة الإرهاب هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى نجد بإن فرنسا انضمت لمحور الرفض لوجود الرئيس بشار الأسد وطالبته بالتنحي مع مجموعة من الدول ومنها الدول الخليجية وتركيا بل عملت على أكثر من ذلك بتزويد المجاميع المسلحة والتي تصفها بالمعتدلة بمختلف الأسلحة الحديثة للقتال داخل سوريا. ووقفت إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن إصدار قرارات من قبل مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية ولكن الفيتو الروسي والصيني حال دون ذلك.

 وبالتالي نجد بأن الدور الفرنسي لم يكن فاعلا مؤثرا في مجريات الأزمة منذ البداية، إذ فقدت فرنسا مسوغات لعب الدور المحوري والمؤثر عندما تخلت عن ذلك بغلقها السفارة في عام 2012 وعليه فلم تكن فرنسا مؤثرة في الصراع السوري، ومع محاولات فرنسية جديدة  لإحياء دورها الغائب كليا عما يجري في سوريا،  نرى بأن التصريحات الفرنسية الصادرة من الرئيس ماكرون  تعد من باب استعادة ولو شيء قليل من الدور البارز لفرنسا في منطقة تعد تاريخيا منطقة نفوذ لها في الشرق الأوسط، فكانت تصريحاته بشان حادثة الهجوم الكيمياوي في دوما تعبيرا عن ذلك، إذ صرح ماكرون بأن الرد سيكون قاسيا تجاه سوريا إذا ما تجاوزت الحدود الحمراء.

وبرأينا نجد بأن فرنسا تريد لعب دورا في سوريا، إذ تعتبر هي الدولة الأوروبية الوحيدة في مجلس الأمن بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبذلك هي تمثل ثقل الدول الأوروبية وهي تريد الوقوف بوجه روسيا ومحاولتها استعادة مكانتها الدولية لأجواء الحرب الباردة حيث كانت أحد القطبين الكبيرين، وبالتالي ترى فرنسا أن الأزمة السورية قد وفرت تلك الفرصة لروسيا واستعادت زمام  الأمور في سوريا، وبالتالي ستهدد النفوذ الفرنسي فيها، فقامت برد فعل على ذلك التدخل العسكري الروسي بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة واستخدامها ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وبذلك تكون فرنسا قد جعلت إسقاط النظام هدفا استراتيجيا لها وليس التنظيمات الإرهابية التي استولت على الأسلحة الحديثة ومن ثم أصبحت خطرا على الدول الأوروبية قاطبة وليس فرنسا فقط والدليل هو القيام بالعديد من الهجمات الإرهابية في داخل الأراضي الفرنسية.

ويبدو بأن شركة لارفاج الفرنسية المتخصصة بالإسمنت قد تورطت بدفع أتاوات ومبالغ مالية لتنظيمات إرهابية، وكما افصحت عن ذلك صحيفة لوموند الفرنسية عندما كشفت عن تقريرا لها بأن تلك الشركة قد دفعت أموالا مقابل بقاءها في سوريا من أجل عدم التفريط بعقد للإسمنت وذلك في الرقة بعد احتلالها وكانت الحكومة الفرنسية على علم بذلك.

ومن هنا نرى بأن فرنسا تريد العودة من جديد في سوريا عبر انضمامها لمحور الولايات المتحدة الرامي إلى إحداث فارق في مجريات الصراع عبر توجيه ضربات جوية قد تستهدف المراكز الحيوية للنظام السوري مثل المنشآت العسكرية ومن ثم تقييد حركة الجيش العربي السوري بعد الانتصارات التي حققها في دحر الإرهابيين وطردهم من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، هذا يعني بعبارة أخرى تهديد المجال الحيوي الروسي في سوريا وإمكانية الرد على تلك التهديدات الأمريكية بأخرى روسية مماثلة، وبالتالي يمكن أن تتطور تلك المواجهات إلى حرب تطال المنطقة برمتها نتيجة تداخل المصالح والأهداف بين الأطراف الدولية ككل.

باحث سياسي*

مصدر الصور: أرشيف سيتا