إعداد: يارا انبيعة

 

تحت شعار “بناء اقتصاد الثقة”، اختتمت فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في 26مايو/ أيار2018 المنعقد في مدينة سان بطرسبورغ، بعد أن جمع نخبة من السياسيين والخبراء العالميين في مجال ريادة الأعمال على مدار 3 أيام، وسط حضور 17 ألف شخص من 143 دولة، حيث تحول المنتدى إلى نقطة التقاء بين رجال الأعمال ورجال السياسة على حد سواء.

الى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ونائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان ومسؤولين سامين من دول أخرى، سجل المنتدى حضور المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، ومسؤولي شركات على غرار “غوغل” و”بي.بي” و”توتال”. حضور عكس حجم الاهتمام.

عربياً، كان في مقدمة الحاضرين وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، الدكتور محمد سامر الخليل، ووزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، ووزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، ووزير الخارجية الليبي، محمد طاهر سيالة.

وجرى إبرام 550 اتفاقية بقيمة 2.365 تريليون روبل أي ما يعادل 38.5 مليار دولار وهي أعلى قيمة يحققها المنتدى منذ تأسيسه.

محاور المنتدى

تناول المنتدى 4 محاور أساسية:

المحور الاول: الاقتصاد العالمي في عصر التغيرات على جميع أصعدة العلاقات الاقتصادية في العالم المتغير، بدءاً من مسائل الديموغرافيا وحل مشاكل التفاوت الاجتماعي وصولاً إلى نمو قطاع الطاقة واستخدام التكنولوجيات الجديدة في القطاع الزراعي.

المحور الثاني: روسيا .. استخدام إمكانيات النمو حيث ناقش المشاركون التحديات الرئيسة التي يواجهها اقتصاد روسيا وقدرة الصناعات الإبداعية فيها على التصدير وسبل الوصول إلى المراكز القيادية في مجالي التكنولوجيا والطاقة.

المحور الثالث: تكنولوجيا من أجل القيادة.

 المحور الرابع: رأس المال البشري في الاقتصاد الرقمي، حيث تو التركيز على مسائل تغيرات سوق العمل العالمية ودور التعليم في الاقتصاد الرقمي والقدرة التنافسية في ظروف اقتصاد المعرفة.

وتضمن المنتدى منصة جديدة للشباب حول الاستثمار الاقتصادي لرجال الأعمال الشباب وتفعيل دورهم في دوائر الأعمال الدولية، كما عقد على هامش المنتدى المجلس الاستشاري الإقليمي لمجموعة العشرين، ومنتدى للأعمال الحرة الصغيرة والمتوسطة، ودورة جديدة لمنتدى القطب الشمالي الدولي.

كيان غير مثالي

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان بلاده ستوقع اتفاقيات بقيمة تتجاوز 700 مليار روبل روسي (12.1 مليار دولار) على هامش المنتدى، جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في الجلسة العامة حيث طالب بحرية التجارة والتنمية الاقتصادية، والشراكة، وأوضح أن التنافس وتضارب المصالح في الاقتصاد العالمي سيستمر دائماً، ولكن يجب أن تكون المنافسة عادلة.

كما دعا بوتين الشركاء في أوروبا وأمريكا وآسيا وغيرها من المناطق، إلى العمل نحو أهداف التطور المستدام، وإيجاد صيغ النمو التي بإمكانها مواجهة التحديات القائمة، في السياق، وصف الرئيس الروسي منظمة التجارة العالمية بالكيان غير المثالي، غير أنه شدد على ضرورة عدم التخلي عنها قبل إيجاد البديل.

فيما قدم الرئيس الروسي، اعتذارا أمام مستثمرين أجانب، بسبب تأخره في الحضور للقائهم على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي. وقال بوتين في هذا الصدد: “في البداية، أود أن أعتذر أمامكم بسبب أن لقاءنا قد تأخر، لقد انتهينا للتو من المحادثات مع الوفد الفرنسي والرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون).

وتابع الرئيس الروسي “وكإعتذار فيما يتعلق بالتأخير، أستطيع القول، كما يحبون أن يمزحوا هنا، إنني وزملائي (من الرؤساء)، ليست لدينا وظيفة محددة، لذلك نحن نحب التحدث وأن نحلم قليلاً (بالأمور)، كل شيء (لدينا) يدوم إلى ما لا نهاية، على خلافكم أنتم الناس، الذين تتحملون مسؤولية محددة عن أمور معينة، يتم التعبير عنها بمئات الملايين ومليارات الدولارات.”

من جهة أخرى، منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسامي الدولة لمستثمرين اثنين من البحرين والكويت، وهما الرئيس التنفيذي لشركة ممتلكات البحرين القابضة، محمود هاشم الكوهجي، والعضو المنتدب في الهيئة العامة للاستثمار بالكويت، بدر محمد السعد.

كما عبر الرئيس بوتين عن شكره لكل من الكوهجي والسعد على الاسترشاد بالمصالح الطويلة الأمد في بناء العلاقات بين بلديهما وروسيا، رغم الوضع الاقتصادي والخارجي المعقد.. وعلى ثقتهما بشركائهما من روسيا، مؤكداً ان التعاون بين روسيا وشركائها سيتعزز وسيشهد تنمية مستدامة وسيعود بالمنفعة المتبادلة الحقيقية لاقتصاداتها.

مجالات واتفاقيات متعددة

وقعت موسكو وباريس اتفاقيات في مجالات متعددة أبرزها وثيقة استراتيجية للتعاون في مجال الطاقة الذرية السلمية، وأبرمت الاتفاقية بين شركة “روس آتوم” الحكومية للطاقة الذرية ومفوضية الطاقة الذرية الفرنسية، وتمت مراسم التوقيع بحضور الرئيسين الروسي والفرنسي.

وتضاف هذه الاتفاقيات إلى مشاريع ملموسمة تنفذها “روس آتوم” مع الجانب الفرنسي في مجال الطاقة الذرية تزيد قيمتها عن ستة مليارات دولار، كذلك وقعت اتفاقية بين شركتي الطاقة الروسية “نوفاتيك” والفرنسية “توتال”، بشأن مشاركة الشركة الفرنسية في مشروع عملاق الغاز الطبيعي المسال في أقصى الشمال ويدعى “أركتيك-2″، وهو المصنع الثاني لشركة نوفاتيك، الذي ستطلقه في حقول غاز شبه جزيرة غيدانسكوي شمالي سهل سيبيريا الغربية، العام2023، بقوة إنتاجية تصل إلى 18 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً.

وأشاد بوتين خلال لقائه ماكرون بالعلاقات بين روسيا وفرنسا، وقال “ان العلاقات تتطور بغض النظر عن الصعوبات التي تمر بها”، بدوره قال ماكرون “على صعيد العلاقات الثنائية ذكرت بأن علاقاتنا الاقتصادية تتقدم وهذا شيء جيد وسوف نوقع العديد من الاتفاقيات خلال زيارتي، حوالي 50 اتفاقية.”

وعلى المقلب الآخر، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قرار الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة خاطئا، تصريحات ماكرون جاءت في كلمة له خلال المنتدى، وأوردت وسائل الاعلام عن ماكرون قوله بكل وضوح هذا القرار خاطئ، وأعتقد أنه ينبغي علينا اليوم ألا نزعزع في المنطقة الاستقرار القائم على مبادئ واضحة وتوازن معين. وأكد أن بلاده تدعم حل الدوليتن وملتزمة به، وشدد الرئيس الفرنسي، على ضرورة إجراء مفاوضات بهذا الصدد، وأضاف، لهذا السبب فإن قرار نقل السفارة ليس صائبا أو مرغوبا، ونشعر بالحزن بخصوص ذلك.

منصة أقتصادية هامة

أكد السفير السوري لدى موسكو، رياض حداد، على أهمية منتدى سان بطرسبورغ كونه يناقش مسائل من شأنها أن تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي والدولي. وقال حداد “هذا المنتدى الاقتصادي الذي يجري مرة واحدة في العام، تنبع أهميته من كونه يطرح مسائل تتعلق بتطوير الاقتصاديات الوطنية والعالمية، وكافة الصعوبات التي تقف أمامه، ما يجعله منصة اقتصادية هامة.”

وحول المشاركة السورية في المنتدى، أوضح السفير بأنه يشارك في المنتدى وفد مكون من رجال أعمال سوريين إضافة لممثلين عن لجنة الصداقة الروسية – السورية من مجلس الشعب برئاسة وزير الاقتصاد، وشدد السفير على أهمية المشاركة السورية هذا العام بسبب دخولها مرحلة إعادة الإعمار، وقال حداد “هناك عدد كبير من الشركات الروسية المشاركة في المنتدى التي ترغب في دخول السوق السورية وتبحث عن طرق لتوقيع مذكرات التفاهم.”

بدوره قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، الدكتور محمد سامر الخليل، على هامش أعمال المنتدى “شاهدنا بالفترة الماضية لقاءات مكثفة مع الشركات السورية وكان هناك اتفاق على مجموعة من المشاريع، البعض منها تم التوقيع عليها”، وتابع “سوريا تحتاج إلى كم كبير من المشاريع على مستوى البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية في مختلف القطاعات، والتي تضررت بالحرب على سوريا.”

وأكمل الوزير بالقول “الحكومة السورية تهيئ كل الفرص للمستثمرين والشركات من الدول الصديقة التي لديها القدرة على دخول الاقتصاد السوري والاستثمار فيه بيسر كبير سواء على المستوى التشريعي أو مستوى السياسات الإجرائية.” واعتبر خليل ان تحسن الأوضاع السياسية وآخرها دمشق انعكست إيجاباً على الليرة السورية، وساهمت في ارتفاع قيمتها أمام العملات الأجنبية.

الإندماج الليبي

ضمن فعاليات منتدى سان بطرسبورغ، عقدت ندوة بعنوان “عودة الاندماج الليبي في الاقتصاد العالمي”. وقال وزير الخارجية في حكومة الوفاق الوطني الليبية، محمد طاهر سيالة خلال الندوة “تجري مشاورات لإجراء انتخابات برلمانية في ليبيا للإنتقال من الوضع الحالي المؤقت إلى وضع أكثر استقراراً”، مشيراً إلى أن موعد الانتخابات سيكون وفقا لتوقعات الأمم المتحدة في بداية العام 2019.

وأكد سيالة أن الوضع الاقتصادي بدأ بالانفراج نتيجة لتحسن الوضع الأمني بعد السيطرة على الهلال النفطي وزيادة إنتاج النفط هذا العام بعدما تراجع إلى 100 ألف برميل يومياً العام الماضي (2017)، موضحاً أن الانتاج اليومي في العام الحالي أصبح 1.6 مليون برميل بعد قرار خفض الإنتاج تماشياً مع ما اتخذته منظمة “أوبيك”.

كما دعا سيالة الشركات العالمية والمستثمرين من جميع أنحاء العالم للتوجه إلى ليبيا، ووعد من أجل إعادة الإعمار بعد التوصل لحل سياسي للأزمة الليبية، بتقديم التسهيلات اللازمة من أجل انجاز ذلك.

وتطرق الوزير الليبي إلى الوضع الأمني قائلاً “يكاد يكون جيداً في كافة المناطق عدا منطقة الجنوب التي لا تزال ملتهبة”، وأضاف أن الحكومة بادرت بالتعاون مع دول الجوار (السودان، تشاد، النيجر) لعقد اجتماع في النيجر من أجل التعاون لتأمين الحدود من تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا عبر ليبيا، ومنع المقاتلين من السودان وتشاد والنيجر من استخدام الصحراء الليبية لعمليات الكر والفر.

تعزيز العلاقات

بوفد رفيع المستوى، وفي خطوة تهدف لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع روسيا، شاركت المملكة العربية السعودية في أعمال منتدى بطرسبورغ، حيث تعول الرياض على مشاركة الشركات الروسية الرائدة في خطة التحول الاقتصادي، التي أطلقت قبل عامين “رؤية 2030″، والتي تهدف لتنويع الاقتصاد السعودي والابتعاد عن النفط كدخل رئيسي.

في هذا الشأن، وزير الطاقة السعودي خالد الفالح “إن روسيا تعد من الدول المستهدفة لاستقطاب استثمارات نوعية للسوق السعودي، بحيث تسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، إذ يتمتع عدد من الشركات الروسية الرائدة بسمعة عالمية في مجالات مهمة وحيوية، كالطاقة والفضاء، والصناعات العسكرية، والعلوم، والثقافة.”

وأشار الوزير السعودي إلى الدور الرائد الذي تلعبه الشركات الروسية في بعض القطاعات الاقتصادية مثل الطاقة، والفضاء، وصناعة الأسلحة. لافتا إلى المملكة نفذت إصلاحات في عدة قطاعات اقتصادية ما سيسهم ذلك في تحسين المناخ الاستثماري وقطاع الأعمال بالمملكة.

وأضاف أن قطاعات في الاقتصاد السعودي مثل الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجتسية والترفيه تعد الأكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، ويشار إلى أن الرياض وموسكو وقعتا في وقت سابق، عدداً من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة، إضافة إلى برنامج لتنفيذ اتفاقية التعاون في مجال النفط، والاستخدام السلمي للطاقة الذرية.

 

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: روسيا اليوم – سبوتنيك.