يان فان زيبروك*
في هذه القراءة، سنحلّل حالة الوضع في فرنسا ومعها جزء كبير من العالم الغربي، وموقف فرنسا في حلف الناتو منذ رئاسة نيكولا ساركوزي وأزمة 2008 التي هزّت المجتمع الفرنسي سواء في القضايا الاقتصادية أو الهجمات الإرهابية، وما إلى ذلك، ومدى إمكانية أن تؤدي هذه العوامل إلى حرب أهلية.
على عكس لبنان، حيث غزا الجيش الإسرائيلي لبنان وتسبب في حرب طائفية في البلاد، فإن الوضع الفرنسي مختلف تماماً، إذ لا غزو ولا حرب، بل عناصر متطرفة تشعل البارود.
منذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون ودعمه الراسخ لترامب، ركزت وسائل الإعلام الفرنسية على الإضرابات المعارضة لماكرون، ففي الأسابيع الأخيرة، نشطت العديد من الحركات الاجتماعية في الشوارع، وكان أكثرها شهرة تحركات الأول من مايو/ أيار (2018)، التي ضمت عدداً كبيراً ممّا يعرف بـ “الكتل السوداء” الذين تصرفوا بشكل مريب، أكثر من سياسات ماكرون نفسه، حيث دمروا كل ما صادفوه في مسيرتهم من سيارات ومنشآت من أجل حرف النظر عن المطالب الاجتماعية الحقيقية. كما برزت العديد من اللوبيات المجتمعية الجديدة في هذا الحراك من دون أن ننسى بأن اللوبي الأول في فرنسا هي “إسرائيل”، إضافة إلى بعض جماعات الضغط الأخرى التي تريد المشاركة في السلطة، كالخليجيين، والمثليين، واللوبي النسوي المستوحى من النموذج الأمريكي، وهذا الأخير طالب بعدة أمور أبرزها توسيع شوارع باريس، وبعضه ذهب أبعد من ذلك إلى جهة المطالبة بأحياء تفصل بين الرجال والنساء.
إن الغموض الذي يكتنف المستقبل والخوف من الغد هما اليوم الهم اليومي لكل شخص فرنسي، سواء أكان مدركاً أم لا. بالإضافة إلى هذا المناخ الضار جداً، تبقى مسألة الهجرة هي الأهم والتي من المستحيل عمليا أن نناقشها دون الدخول إلى أقصى الحدود مع العديد من القوى اليمينية، وتحديداً “الجبهة الوطنية” التي ترى أن كل مهاجر هو “إسلامي خطير”. هذا التعبير يتم استخدامه بحكمة لإنتقاد جزء كبير من الشعب الفرنسي، بمكونيه الجزائري والإسلامي تحديداً، أو من جانب اليسار المتطرف لعدم استيعاب المزيد من المهاجرين.
يبدو أن النقاش بين النخب الفرنسية لم يعد ممكناً، فقد كشفت المظاهرة ضد الرئيس ماكرون، التي كان شعارها “متحدين ضد ماكرون” والذي نظمها حزب أقصى اليسار “الثوار”، وجهها الحقيقي من خلال إجبار فريق من الصحفيين ووسائل الإعلام البديلة والطلب من الشرطة لوقفها بالقوة.
يبقى التساؤل قائماً اليوم عن مبدأ “المساواة”، التي هي أمام المحاكم الآن، في الكلمات أو الأفكار التي لا تعبر عن “التفكير الواحد”.
أحياء “متفجرة”
إن غالبية الأحياء التي تحتوي على مواطنين من أصول هجرة، لديها مطالب محقة كالحق في الحصول على رفاهية العيش، وحل مشكلتي البطالة والتمييز. إن غالبية هؤلاء يعيشون في الضواحي بشكل غير سليم وصحي في كثير من الأحيان، وهو أشبه بـ “الغيتو”. إن ما جعل الضواحي “تتحرك” يعود عادة إلى حقيقة أن أحدهم قد قُتل بالصدفة بعد تفتيشه من قبل الشرطة، أو حرق السيارات المنتشر فيها، وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى تخلي الآباء عن واجباتهم الأبوية، مما يجعل هؤلاء الشباب عرضة للوقوع في يد الحركات المتطرفة، لا سيما التكفيرية منها.
يقف هؤلاء على “برميل من بارود”، اجتماعي وعرقي، لا يمكن التكهن بوقت انفجاره، لا سيما وأن توجيهات المفوضية الأوروبية تدفع بالفرنسيين نحو واقع يشبه ما يعيشه اليونانيون اليوم، خصوصاً مع الواقع الاقتصادي المتردي، فرنسياً وعالمياً.
إن مستوى المعيشة لدى الشعوب في أوروبا وفرنسا يزداد سوءً، الشركات التجارية الكبرى تقوم بتسريح موظفيها، ومعاشات التقاعد تنخفض بشكل متزايد، وعقود العمل يتم تحديد مدتها سلفاً مما يجبر الناس للتفتيش عن وظيفة أخرى، وقد اتخذت وكالات مؤقتة العمل من خلال الاحتكارات في سوق العمل، خصوصاً وأن المستوى اللائق للعيش يتطلب معاشاً لا يقل عن 1500 يورو شهرياً في حين لا يتجاوز دخل العمال بدوام عمل كامل الـ 1200 يورو. ويضاف إلى ذلك، إن أسعار المساكن بدأت بالارتفاع بناء على الإصلاحات التي طلبها كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، الأمر الذي يجعل المواطنين يعيشون “الخوف” يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر.
*باحث في مركز “سيتا”
مصدر الصورة: الكاتب