إعداد: مركز سيتا

لم تظهر نتائج التحقيقات المتعلقة بكشف ملابسات كارثة الإنفجار الذي حل بمرفأ العاصمة اللبنانية – بيروت، الناتج عن سوء تخزين مواد شديدة الإنفجار كما أعلنت السلطات لاحقاً. هذا الإنفجار، الأقوى من “أم القنابل” والأقل من “النووي”، ترك آثاراً مدمرة على كافة الأصعدة لعل أشدها وطأةً وقوة هو الجانب الإقتصادي خصوصاً وأن هذا المرفق يعتبر من أهم المرافق الحيوية اللبنانية.

أهمية الميناء

يتميز الميناء بأهمية استراتيجية كبيرة كونه مرفقاً مستقبلاً ومخزناً لأهم السلع الإستراتيجية المستوردة إلى لبنان، كما تتم نحو 70% من حركة التبادل التجاري بينه وبين دول العالم عبره، ويعتبر من أهم الموانئ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

ونظراً لموقعه الإستراتيجي، يستخدم هذا المرفأ، الذي افتتح العام 1894، لإستيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها عبر الداخل اللبناني إلى دول الشرق الأوسط، وهو الركيزة الأساسية إذ أنه يلعب دوراً أساسياً في عملية الإستيراد والتصدير، أو ما يعرف بتجارة “الترانزيت”، وبالتالي تحريك العجلة الإقتصادية اللبنانية.

ويخصص الرصيف رقم 8 بالميناء، الذي يبلغ طوله 220 متراً وعمقه 13 متراً، لإستيراد القمح، وتخزينه قبل بيعه للمطاحن بسعة 145 ألف طن، تتكون من 48 صومعة كبيرة (سعة كل واحدة 2500 طن) و50 صومعة صغيرة (سعة كل واحدة 500 طن)، ويقدر متوسط عدد البواخر التي تدخل ميناء بيروت بنحو 170 باخرة شهرياً تفرغ نحو 700 ألف طن وتشحن نحو 70 ألف طن، فيما يقدر متوسط عدد المستوعبات المفرغة بنحو 23 ألف مستوعب شهرياً.

ومن خلال هذا المرفأ، كان يتم التعامل مع 300 مرفأ عالمي، ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بـ 3100 سفينة سنوياً، ويتألف المرفأ من 4 أحواض يصل عمقها إلى 24 متراً، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء، كما يضم 16 رصيفاً والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح التي تؤمن أفضل شروط التخزين.

أكبر من الوصف

أكد خبراء أن اقتصاد لبنان “المريض” زادت آلامه بشدة، في الساعات الأخيرة، بعد الخسائر الإقتصادية غير المسبوقة لإنفجار مرفأ بيروت، والتي تحتاج لأيام ليتم حصرها، حيث تأثرت العديد من المباني والمنشآت، الإقتصادية والحكومية، وتعرضت لأضرار كبيرة لوقوعها بالقرب من موقع الإنفجار الذي أثر على محيط نصف قطره عدة كيلومترات، حيث تعرضت المخزونات الإستراتيجية من المواد المستوردة لدمار كبير، ما قد يؤثر على الإمدادات الغذائية للبنان خلال الفترة المقبلة.

في هذا الخصوص، قال محافظ بيروت، مروان عبود، أن الخسائر الناجمة عن الإنفجار تقدر ما بين 10 و15 مليار دولار، ارتفاعاً من تقديرات سابقة للمسؤول اللبناني تراوحت بين 3 و5 مليارات دولار، مشيراً إلى أن “الخسائر هائلة، بتقديرنا الخسائر المباشرة وغير المباشرة تزيد عن 10 أو حتى 15 مليار دولار”، واصفاً الإنفجار بأنه “أكبر أزمة وكارثة يعانيها لبنان في العصر الحديث”. كما أشار عبود إلى أن الإنفجار، الذي خلف دماراً واسعاً ومئات القتلى وآلاف الجرحى، أدى إلى تشريد حوالي 300 ألف لبناني دمرت منازلهم كلياً أو جزئياً.

أما أبرز النتائج المباشرة فكانت خسارة لبنان نحو نصف مخزون القمح إثر الإنفجار، حيث كانت الدولة تستورد زهاء 80% من احتياجاتها منه؛ وعقب الخسائر الناجمة عن الإنفجار الأخير، بات لبنان في خضم أزمة خبز جديدة خاصة بعدما علقت روسيا تصدير القمح والذرة، في أبريل/نيسان 2020، وارتفع سعر كيس الخبز بعد الأزمة الإقتصادية ليتراوح بين 1500 إلى 2000 ليرة، بينما أوكرانيا، وهي أيضاً مصدر رئيسي للقمح، تدرس قرار وقف التصدير للسنة التسويقية 2020 – 2021، بحسب تصريح لرئيس الحكومة حسان دياب لصحيفة “واشنطن بوست”، حين لفت إلى أن 80% من قمح لبنان مصدره أوكرانيا وروسيا.

سنوياً، يستورد لبنان من أوكرانيا وروسيا ودول أخرى نحو 600 ألف طن من القمح المخصص للطحن، يدخل منها نحو 500 ألف طن إلى مخازن المرفأ في بيروت ونحو 100 ألف طن إلى مرفأ طرابلس. لكن وفي الوقت الحالي، أصحبح من الصعب استيراد كميات كبيرة من القمح أولاً بسبب الأزمة الإقتصادية الراهنة ونقص النقد الأجنبي، وثانياً بعد الدمار الكبير الذي لحق بالمرفأ حيث أنه من الصعب أن يقوم مرفأ طرابلس بتغطية النقص في العمل على المدى القريب أو حتى المتوسط.

هنا، أشار وزير الإقتصاد، راؤول نعمة، إلى أنه لا يمكن استخدامه لأنه بات ملوثاً جراء الإنفجار. في هذا الخصوص، يستبعد الخبير الإقتصادي، باسل الخطيب، حصول أزمة قمح وطحين لأن الدول الشقيقة بدأت بالإعلان عن استعدادها للمساعدة وإرسال مساعدات غذائية، منها فرنسا والكويت، وبالتالي “لا بوادر أزمة طحين” كما أن الأفران تمتلك كميات من القمح والطحين تستطيع سد الحاجة إلى حين استيراد كميات أخرى.

تفاقم الأوضاع

جاء هذا الإنفجار بعد سلسلة من الأزمات السياسية التي حلت بلبنان، حيث إستقال كل من مستشار وزارة المال، هنري شاوول، ومديرها العام، آلان بيفاني، اللذان كانا يشاركان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، متحدثين عن خلافات بشأن إدارة الأزمة.

أما ناصيف حتي، وزير الخارجية اللبناني المستقيل بسبب خلافات مع بعض الأطراف في الإئتلاف الحكومي، فقد سبق وأن حذر من تحوُّل البلد إلى “دولة فاشلة”، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن “غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به”.

وبينما الحكومة اللبنانية تواصل البحث عن حلول محلية ودولية لأزماتها الاقتصادية والنقدية والمالية المتصاعدة، منذ الربع الأخير للعام 2019، جاء انفجار مرفأ بيروت المأساوي ليضيف مزيداً من الأعباء الثقيلة على هذا البلد المرهَق أصلاً.

بدائل مؤقتة

في محاولة سريعة من السلطات لتخفيف الخسائر، أوصى مجلس الدفاع الأعلى بتجهيز مرفأ مدينة طرابلس، شمالي البلاد، بتأمين العمليات التجارية من استيراد وتصدير. في هذا الشأن، يقول المحلل الخطيب أن توقف المرفأ خسارة كبيرة ستؤثر بقيمة مليارات الدولارات على الإقتصاد اللبناني، فهذه المليارات موزعة على شقين: شق أول نتيجة توقف المرفأ عن العمل، وشق ثانٍ عبارة عن كلفة الأضرار التي أصابته، مضيفاً “ستتوقف حركة الإستيراد والتصدير لفترة، ما عدا الخسائر التي لا يمكن تقدير حجمها بالوقت الحالي ولكن بالتأكيد ستكون ضخمة”، كما ستشمل الخسارة أيضاً حركة رسو السفن، بالإضافة إلى تأثر القطاع الجمركي “وكل يوم سنخسر رسوماً جمركية”.

لبنان ليس وحيداً

أعلنت دول العالم تضامنها مع لبنان واستعدادها لتقديم مساعدات، وقد وصل بالفعل الكثير منها بعد ساعات من الإنفجار، بينها مستشفيات ميدانية وطواقم طبية وأدوية.

إلى ذلك، أعلن البنك الدولي استعداده لحشد موارده لمساعدة لبنان، وأكد قدرته على استخدام خبراته “لإجراء تقييم سريع للأضرار والإحتياجات، ووضع خطة لإعادة الإعمار وفق المعايير الدولية”، مقترحاً “تبادل الدروس والخبرات من كل أنحاء العالم في إدارة عمليات التعافي وإعادة الإعمار بعد الكوارث”، كما شدد على أنه يمكنه “المشاركة بفعالية في منصة مع شركاء لبنان، لحشد الدعم المالي العام والخاص من أجل إعادة الإعمار”.

بالإضافة إلى ذلك، عُقد مؤتمر للمانحين تم التعهد خلاله بتقديم مساعدات عاجلة إلى لبنان تقارب الـ 300 مليون دولار ستمر عبر الأمم المتحدة، رابطاً أي دعم مالي مستقبلي بسلسلة من الإصلاحات. وبعد إختتام المؤتمر الذي نظمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالشراكة مع الأمم المتحدة وبعض رؤساء الدول الكبرى عبر تقنية الفيديو، أعلنت الرئاسة الفرنسية، في بيان لها، أن المشاركين تعهدوا بتقديم مبلغ 252 مليون يورو، أي 298حوالي مليون دولار، تشمل 30 مليون يورو مقدمة من فرنسا، مستضيفة المؤتمر، كمساعدة مالية عاجلة للإغاثة، تشمل توفير الدواء والغذاء بالإضافة إلى السكن والمدارس.

أخيراً، يبدو أنه ليس من السهل تجاوز هذه المحنة، التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود للنهوض مجدداً، فلهذا الإنفجار تداعيات سلبية إضافية ستزيد من مأساة الشعب اللبناني، الذي يطالب برص الصفوف ومحاسبة المسؤولين من أجل النهوض مجدداً ببلد عانى الكثير من الصعاب.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: قناة العربية – سي.أن.أن عربية.

موضوع ذا صلة: لبنان.. والإنفجار الوشيك