بدعوة من “مركز سيتا” و“منتدى تحولات”، عُقدت حلقة نقاش متخصصة حاضر فيها سكرتير الحركة الأوراسية العالمية، الباحث الدكتور ليونيد سافين، حول “الأوراسية والمشرق: الأبعاد والتحديات”، وحضرها عدد من الباحثين والخبراء في شؤون العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية، تناول فيها الباحث أبرز معالم النظرية الأوراسية وتطوراتها من خلال فكر الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، “منظر” الفكر الأوراسي، وأبعادها وتداعياتها على منطقة المشرق.

د.علوان أمين الدين

أهلا وسهلا بكم جميعاً، نشكر حضوركم، ونأمل أن يكون هذا النقاش مفيد. الدكتور ليونيد سافين هو مساعد البروفسور والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، ومدير إدارة الحركة الأوراسية العالمية، ورئيس تحرير مجلة جيوبولتيكا، نشكر حضوره. اهلاً بك في لبنان وشكراً على تلبيتك للدعوة.

د. ليونيد سافين

 

أشكر استقبالكم، وإتاحة الفرصة لي، لنتشارك معا الأفكار. إنها زيارتي الأولى إلى لبنان، وهذا شرف كبير لي أن أكون هنا معكم.

موضوع بحثي الخاص، متخصص بالعلاقات الدولية وبالفلسفة السياسية والجيو- سياسية، فنحن الآن نمر بمرحلة مفصلية نشهد فيها الكثير من المتغيرات. ولهذا السبب، نحن بحاجة إلى أفكار جديدة في العلاقات والسياسة الدولية لمعرفة كيفية النظر إلى الثقافات الجديدة للأشخاص والأمم التي نتعامل معها.

أبحاثنا تُقام في المعهد الروسي للصداقات بين الشعوب، وهذا المعهد من أهم المعاهد أو الجامعات الموجودة في روسيا في هذا المجال. وفيما يخص مفهوم النظرية الأوراسية، ما هي النظرية الأوراسية؟

تنطوي الأوراسية على بُعدين، أولاً: البعد الجغرافي. ثانياً: البعد الجيو – سياسي، الذي طوره عالم روسي من بعد الثورة الإشتراكية الروسية.

من هنا انطلقت الفكرة الجديدة، أن روسيا لا أوروبية ولا آسيوية، فخرج المفهوم الجديد أن روسيا هي ضمن “أوراسيا”.

من بعد الثورة الاشتراكية، أصبح هناك توجهين فكريين، الأول: التوجه البولشيفي الذي يدعم التوجه الماركسي، الثاني: وهو التوجه المارشللي، أي مناهضة البولشيفية، أما البراد هو نوع بديل لهاتين الفكرتين مما ولد مفهوم جديد للسياسة وللفلسفة السياسية.

من هنا، أتت هذه الفكرة الجديدة أي من بعد الحرب العالمية الثانية وبخضم النظرة الأوروبية للتاريخ، أما فكرتنا فقد جاءت قليلاً منتقدة هذه النظرة، النظرة الأوروبية، حيث ترى أوروبا من الناحية الفردية، ولديها وجهات نظر متخصصة تجاه روسيا.

أما نحن في روسيا، نرى أننا أقرب للشرق من الغرب، فمفاهيم دولتنا أقرب كمثال لمفاهيم “جنكيز خان”، أو شعوب هذه المنطقة أي أقرب إلى ثقافتهم من أوروبا، فتوجه أوروبا فردي، أما توجه روسيا فهو جماعي.

بداية الفكرة كانت في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن بعدها حدثت استراحة قصيرة، ثم بدأ كاتب اسمه “فيرناتسكي”، الذي خرج بهذه الأفكار الجديدة وكان يدرس في جامعة “يال”، وسافر إلى الولايات المتحدة، وبدأ يطور “النظرية الأوراسية”، وألف كتباً عديدة في هذا المجال، كما وبدأ بدراسة روسيا من نظرة تاريخية، تمتد خلال فترة القرون القديمة، ولغاية الحقبة الشيوعية، بعد ذلك خرج شخص جديد اسمه “إلياس كومانوف”، أيضاً أعطى أفكار جديدة في هذا الخصوص، إضافة إلى تفسيرات خاصة به.

هذا الشخص، طور النظرية التي هي مثل ولادة الاثنيات الجديدة، وهذه الفكرة ناتجة من اندماج عدة مجموعات إثنية حتى يشكلون مجموعة جديدة ويطلقون عليه كمثال “سوبر إيثنوس”، وهنا نظرية “Passionarity” التي تتحدث عن نوع من التطور بتلك المجموعات الإثنية الجديدة كإحتلال مجموعة إثنية ما لمجموعات أخرى، أو أن تشكل ثقافات جديدة بأماكن جديدة.

أيضا أضاف هذا الكاتب فكرة جديدة عن التكامل، مثلاً هناك مجموعات إثنية تستطيع أن تكون ودودة كثيراً مع بعضها، كما أنها تستطيع أن تكون مجموعات صديقة، حتى لو كانت الاقتصاديات أو الأديان الخاصة بها مختلفة، لكن هناك مجموعات ممكن أن تتضارب العلاقات فيما بينها وبالتالي يتحولون إلى أعداء.

هذا الكاتب انتشر كثيراً في التسعينيات وكتبه حققت انتشاراً واسعاً في روسيا، وكثير من الأشخاص أحبوا هذه الأفكار ومؤلفات الكاتب. ومن الأجيال الجديدة التي تبنت أفكار هذا الكاتب “ألكسندر دوغين”، الذي كتب الكثير من الكتب عن الجيو – سياسية بالنظرية الأوراسية أو الأوراسية الكلاسيكية، بالإضافة إلى تطويره أفكاراً جديدة حول الحقبة ما بعد الحداثة.

أيضا من متبني الأوراسية الكلاسيكية بيترو سايتسكي ونيكولا ألكسيف ونيكولا تروبيسكوي. هنا، توجد ملاحظة مهمة. باللغة الروسية لا يوجد لدينا مصطلح الأوراسية (Eurasism) لأنه كل ما ينتهي بإسم (-ism) هو يدل على إيديولوجية معينة، فبالنسبة للأشخاص الروس الذين يفكرون بهذه المفهوم الجديد هو أمر مرفوض.

ألكسندر دوغين وفريقه، بدؤوا بتطوير أفكار جديدة بموضوع الأوراسية، والتي هي أصلا موجودة وحالياً نقوم بتجربة لتحديد تعدد الأقطاب بالعلاقات الدولية، من المؤكد أن روسيا دولة مختلفة ككيان عن أوروبا وعن البلدان العربية والشرق الأوسط، وأي دولة كانت. فـ “أوراسيا” تتألف من قسمين: أوراسيا الصغرى أي “روسيا”، وأوراسيا الكبرى أي تلك التي تمتد على القارة الموجودة فيها روسيا، وهناك أكتر من دولة وكيان متحدين مع بعض نتيجة هذا الامتداد.

من الناحية العالمية، فكرة الأوراسية هي فكرة عالمية ودولية تتحدث في أكثر أمر حول تعدد الأقطاب بالعلاقات الدولية كما اشار العالم الألماني، “شميتس”، إذ قال “هناك شيء اسمه المساحة الكبرى التي تتألف من عدة كيانات، مجموعة ومتحدة مع بعضها”، وهذا ما نحاول أن نطوره ونعمل عليه حيث نقوم بتجربة جمع عدة بلدان وعدة كيانات مع بعضها استناداً إلى مبدأ الحضارة، أكثر مما يكون لمبدأ الدولة “الأمة”.

وبما أن المبادئ السياسية تنطوي على نوع من التعارض بين أصدقاء وأعداء، وأكثر الجهات الفاعلة التي أردنا أن نتعامل معها هي “الولايات المتحدة”.

نعلم أن الولايات المتحدة كثيرة التدخل في الشؤون الداخلية للشرق الأوسط، أوروبا وحتى روسيا، ففكرتنا هي حماية روسيا من التدخل الأمريكي وأيضاً من منطلق حماية المنطقة المحيطة بروسيا، فتصبح أمريكا فقط مسؤولة عن شمال الأطلسي ونحن نحمي أنفسنا والدول الموجودة في آسيا وشرقها أي المحيطة بنا، على أساس وجود عدة أقطاب ومعها تعدد المسؤوليات، وأن تكون هناك “أمة” واحدة تحمي المنطقة المحيطة بها.

ولكي نستطيع البدء بعلاقات جديدة، هناك توجهات كالليبرالية، وهناك أفكار كثيرة موجودة، ومن الناحية الواقعية هذا أمر طبيعي، لكن نحن يجب أن نشدد على دورنا وفكرتنا وطريقتنا في التفكير وليس فقط أن نعتمد على التوجه الغربي، فيجب أن يكون لنا توجهنا الخاص.

ففي الفترة الأخيرة سيطر على العالم توجه واحد، هو “الليبرالية”، إذ كان يوجد في العالم توجهين مختلفين، معارضين للتوجه الليبرالي والذي هو “الفاشية”، و”الاشتراكية”، و”الماركسية”، فالليبرالية تركز كثيراً على الفرد، من ناحية التاريخ، أما الماركسية فكان تركيزها الأكبر على الشعوب الريفية في الحقبة التي كانت ناهضة بها، وأما الفاشية ركزت على مفهوم الدولة في تاريخ وجودها.

الآن، ألكسندر دوغين يقترح بديلاً جديداً لتوجهات القوى السياسية الموجودة المستندة في أكثرها على الفلسفة الألمانية كما يسمونها “دوزاين”، الذي يركز أكثر شيء على كيانات الأشخاص. هذه الفكرة مبدئياً تركز على مفهوم الشعوب أي أن الشعب نفسه هو من يصنع التاريخ، مثلاً الشعب الروسي هو من يصنع تاريخه الخاص، اللبناني كذلك الأمر، فكل ثقافة هي مختلفة عن غيرها، وهي التي تعمل تاريخها الخاص وتشكل محور النظر للتوجه الجديد، وهنا لا نتحدث عن الدولة أو عن كيان معين، أو الشعوب الريفية أو الفردية أو أي مفهوم آخر، بل هذا التوجه مختص “بالشعوب”.

ونذكر هنا بعنصر هام جداً، وهو العنصر الجغرافي الذي يحدد كيفية تصرف الشعوب من الناحية التاريخية، فمثلاً روسيا كانت في كثير من المرات متعاملة مع الفكر “الأنغلو – ساكسوني” كـ “ماكندر”. فالموقع الجغرافي لروسيا هو الذي حدد أيضاً مسارها التاريخي، فلديها الكثير من الأراضي الموجودة على الساحل. حتى الآن، لا تزال روسيا دولة قوية، وتعتبر من القوى العظمى. أيضا هناك لبنان الموجود على ساحل البحر المتوسط وأيضاً هناك إيران والهند وباكستان الموجودين على سواحل المحيطات، وهذا أمر هام جداً في معرفة كيفية التمييز بين الدول وموقعها الجغرافي إذا كانت دولة داخلية أو على الساحل.

ومثلما نعلم، أصبح هناك اتحاد اقتصادي جديد هو “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، الذي يعتبر الخطوة الأولى ليصبح هناك دمج وتوحيد بين الكثير من الشعوب، وهناك دول أخرى بدأت بالانضمام لهذا الاتحاد الذي بدأ يصبح له تعاون دولي بخصوصه. ولهذا السبب سنقوم بمناقشة الخطوات القادمة حول كيفية تطوير أفكار جديدة بالعلاقات السياسية الدولية لأن هناك أشخاص كثر سياسيين ومن أصحاب القرار، الذين بدأو يرحبون بهذه النظرية الجديدة “نظرية بناء تجمع جديد” على المستوى الدولي وذلك للمشاركة بصناعة التاريخ الخاص بنا.

د. علوان امين الدين

 

نشكر الدكتور ليونيد على مداخلته البسيطة، وباب النقاش مفتوح، فليتفضل من لديه سؤال “بإيجاز”.

د. صفية سعادة

 

تحدثتم عن عالم متعدد الأقطاب، وأمريكا هي التي تحكم العالم، وأنها القطب الأوحد. فما هو الفرق الذي يجب التركيز عليه، هل هو مثلاً أن الولايات المتحدة هي من تتدخل بشؤون غيرها، ودائماً الرئيس بوتين يقول لها ذلك، أي أن هذا يُحدِث خرقاً للقانون الدولي الذي ينص في قانونه على وجوب احترام سيادات الدول، ففي هذا العالم الجديد الذي نتحدث عنه، هل هناك احترام للدول ككيان أو لا يوجد، وإنما نتحدث عن ثقافات وشعوب، لأننا نعلم أن هناك دولاً كثيرة ومنها على سبيل المثال “الصين”، هي دولة واحدة لكن كثيرة الثقافات. لذلك نرغب في توضيح ذلك.

د. ليونيد سافين

 

صحيح، أوافقك الرأي، إنما السؤال المطروح أن هناك ما يعرف بفلسفة الدولة كدولة، ففلسفة الولايات المتحدة تمثّل “الغرب”، كما أن أوروبا هي جزء من الكيان الأوراسي جغرافياً، فلماذا تركز أوروبا على الغرب ولا يوجد مثلاً تعامل مع الثقافة الصينية أو الهندية أو الثقافات الأخرى؟ وهذا الأمر أيضاً يجب التنبه له في مجال التفاعل بين الشعوب وبين الدول.

الأستاذ رياض عيد

بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، رأينا أن هناك موقف أوروبي متميز عن موقف أمريكا وبالتالي موقف روسيا والصين واضح مع بقاء الاتفاق. برأيكم هل تستطيع أوروبا أن تصمد في وجه الضغوط الأمريكية، وهل هناك اتجاه روسي بعد اللقاء الذي تم بين بوتين وميركل لسحب أوروبا بإتجاه أوراسيا كي يقوم محور أوروبي – آسيوي مناقض للأحادية القطبية الأمريكية؟

د. ليونيد سافين

صحيح أن الآراء بين أوروبا والولايات المتحدة بدأت تختلف وهذا أمر جيد لأن أوروبا بدأت تعي أن الولايات المتحدة تستخدم أوروبا والضغط عليها لمصالحها الخاصة، فإلى جانب الاختلاف في وجهات النظر فيما بينهما بخصوص الاتفاق النووي، هناك أيضاً موضوع التعاون من أجل الطاقة، وموضوع اللاجئين والنزوح والهجرة، نرى أنه على المستوى الشعبي ومستوى اتخاذ القرار السياسي بدأت أوروبا تضع مسافة عن الولايات المتحدة، كما أن أوروبا بدأت تتوجه أكثر نحو روسيا، ويعتبر ذلك أمرا جيدا ورويدا رويدا، من الممكن أن يزيد هذا التوجه الأوروبي نحو روسيا، إذ بدأت أوروبا أيضاً تستوعب أن الصين أيضا شريك مهم ويجب التعاون معها أكثر.

ولتأكيد ما ذكرناه، هناك اتفاق بين بلغاريا وروسيا، لمد خطوط نفط مباشرة بين روسيا وبلغاريا، وهذا الأمر منذ 5 سنوات كان أمراً صعباً، ولم يكن وارداً أبداً، لأن الولايات المتحدة منعته، لكنه تحقّق الآن، وهذا يدل على أن أوروبا بدأت تعي مصالحها رغم إعاقة الولايات المتحدة لها.

الأستاذ فراس أبو مصلح

مبدئيا كيف يكون مبدأ “دوازين” مختلف عن مفهوم الأمة؟

د. ليونيد سافين

 

بين مفهوم كإيديولوجية وبين مفهوم الأمة كإثنية، هناك فرق كبير لأن “الأمة”، في الإنكليزية معتمدة على المصطلح اللاتيني وفي هذا المصطلح هناك تعدد في المعاني، ودلالات هذا المفهوم مختلفة ولهذا السبب نحن هنا نتكلم أكثر عن الأمة من الناحية الإثنية أكثر من ناحية الأمة في المفهوم الأوروبي للكلمة، فهناك الكثير من الكتب عن هذا الموضوع وتستطيعون القراءة فبعضها مترجم للعربية.

الإعلامية مي الصايغ

 

صحيح أن الولايات المتحدة تمارس أحادية قطبية على العالم وهذا الأمر نحن ضده، ولكن بذات الوقت رأينا وخاصة من ناحية العالم المتعدد الأقطاب لدينا أوروبا وأوراسيا وروسيا على الأرض بالحرب السورية وهذا الأمر لا يساعد لحل المشكلة على الأرض، فكيف ذلك وروسيا على الأرض في سوريا في حرب دخلت عامها الثامن ولم نجد لروسيا أي قرار أو خطوة على المستوى السياسي؟ كيف سيساعد العالم المتعدد الأقطاب على أن يكون فعالاً، فكما رأينا بالاتفاق النووي انسحبت الولايات المتحدة، وهنا وجدت أوروبا نفسها وحيدة بهذا الاتفاق ولم يكن لديها بدائل تتحدث بها، أما روسيا والصين كان لديهما قرار واضح في هذا الموضوع، فكيف سيساعد هذا المفهوم بشكل صحيح، العالم حتى يتقدم نحو عالم أفضل؟

د. ليونيد سافين

 

في كثير من الأماكن نرى أمريكا مسيطرة على العالم بكل وضوح، وفي أماكن أخرى رأينا أن الشعوب هي من قررت أن تحل مشكلاتها بنفسها، ونحن نرى ماذا فعلت وتفعل الولايات المتحدة في الحرب السورية، وكيف تدعم “داعش”، والمجموعات الإرهابية الأخرى. فضلا عن أن هناك معلومات مغلوطة على سوريا، كاتهامها بهجمات عسكرية أو كيميائية، فأمريكا تعمل ضد سوريا ووحدتها ووحدة آسيا وضد روسيا التي منها انطلق مصدر تعددية الأقطاب. لكن في المقلب الآخر، روسيا دورها في الحرب السورية مختلف، بسبب ما حدث في ليبيا، فأمدوا سوريا بأسلحة دقيقة الهدف يستخدمونها الضباط السوريين في الجيش السوري، من مبدأ التحالف المتين بين روسيا وسوريا المستمر إلى النهاية، بينما تحالفات الولايات المتحدة، تأتي في إطار استنزاف الدول، وتأخذ ما يحقق مصلحتها ثم تتخلى عنهم.

فالولايات المتحدة لا حليف لها، فهي من الممكن أن تشن حروب حتى على الدول الحليفة أو المحايدة، مقابل مصلحتها.

القنصل البلغاري في لبنان – الأستاذ أنجل ستويانوف

 
لا نزال نفكر في هذه النظرية ولا تزال الفكرة نظرية فلسفية، لكن أيضا هناك أمر يحدث على الأرض مثل الاتحاد الاقتصادي، مع أفق جديدة في طور النمو، فهل هذا المفهوم واقعي كفاية، وفيه قدرات كافية ليصبح هناك تعاطي أدق مع النظام الاقتصادي السائد حالياً؟ وهل سيكون تنافسي وناجح كما هو مأمول؟

د. ليونيد سافين

 

بالتأكيد سيكون تنافسياً لأن الفكرة هي مستندة كثيراً على التكامل من ناحية الطاقة والمعادن ومن ناحية العمالة حتى، إضافة إلى ناحية التكنولوجيا، لكن المفترض أن هذه الطاقات والإمكانيات، نستطيع أن نوجهها في الطريق الصحيح، فكما كنا نرى سابقاً أيام الاتحاد السوفياتي كان هذا الموضوع ناجحاً، ووصلنا الى وقت لا يوجد أي سلعة أو خدمة مستوردة من الغرب، وإلى الآن هناك تكنولوجيا روسية مستمرة ومنتشرة، حول العالم كله، لكن من المهم معرفة كيفية إدارة العملية بطريقة فعالة. لكن ما يهمني أكثر من ذلك، الموضوع الإنساني. أجل أصبح لدينا هذا الاتحاد الاقتصادي ليس من مدة طويلة، ولدينا موضوع يُعمَل عليه هو نوع من تشريعات جديدة ستبصر النور، لكن على المستوى الإنساني، هذه الفكرة تحتاج إلى الكثير من التطوير والتنمية.

د. زهير فياض

بمفهومنا للأوراسية، مثلها مثل كل النظريات الموجودة التي تنظر للعلاقات الدولية من منطلق المصالح، الأوراسية في هذا المعنى وبالإطار العام، كل دولة تستكمل بناء قدراتها الذاتية ويكون لديها طاقات وقدرات للتأثير بالسياسة الدولية، تتطلع إلى الحلول وهذا أمر طبيعي من خلال ما علمنا هو التاريخ، بهذا المعنى أعتقد أن ما يميز الأوراسية عن غيرها أنها ترتكز على 3 أبعاد، البعد الأول: الجغرافي، فروسيا موجودة على امتداد أجزاء من أوروبا وأجزاء من آسيا وهذا مهم جدا للموقع الجغرافي وتأثيره على المسائل التي لها علاقة بالمصالح الاقتصادية وغيرها، البعد الثاني: التاريخي، لأن روسيا تعبت وخاصة ابتداءً من القرن التاسع عشر وصولاً للقرن العشرين، لذلك لها دور سياسي انطلاقاً من قدراتها وموقعها، والبعد الثالث وهو الأهم والذي يميز الأوراسية عن غيرها من المفاهيم أو النظريات التي تؤسس للدولة التي لديها طاقة للخروج خارج الحدود وهذا البعد له علاقة بالقيم وهنا النقطة الأساسية أن روسيا تحمل مجموعة من القيم وأعتقد أنها قيم مشتركة مع شعوب الشرق، شعوب آسيا، لأنها قيم ترتكز أولاً على الاحترام المتبادل وعلى مفهوم الحق والمساواة والعدالة، هناك نقطة أساسية كانت دائماً محور خلاف بيننا وبين أصدقائنا الروس، مفهوم القومية إذ لديهم خلط بين القومية والفاشية، القومي بعد أشمل وذاهب نحو الإثنية.

د. ليونيد سافين

 

رأينا بكل تأكيد كيف كانت الولايات المتحدة تحاول تغيير القيم الموجودة في العالم، أما روسيا فكانت تحافظ على هذه القيم وتدافع عنها، خاصة ضمن منظمة الأمم المتحدة، ورأينا ان بعض الدول العربية أيضاً هي مناهضة لبعض القيم التي يطرحها الغرب، مثلاً كالزواج المثلي وما شابه ذلك مما يخالف القيم. أما من ناحية مفهوم الأمة، نحن في روسيا لدينا تعاريف كثيرة مختلفة، فالدلالات أيضاً مختلفة بوسط روسيا، فروسيا هي امبراطورية قديمة، ولكن نحاول عدم الحديث عن هذا الأمر خصوصاً أمام الغرب، لكننا نتحدث بالمقام الأول عن مصلحة الوطن، وهذا أمر طبيعي ودائما نحاول الالتزام به.

الأستاذ طه غدار

 

هل العودة القوية لروسيا إلى الساحة الدولية تفرض أن يكون هذا التوجه حضارياً مرتكزاً على مفاهيم إيديولوجية تعزز ذلك؟

د. ليونيد سافين

 

العودة القوية لروسيا دوليا، يجب ان تكون قوية ومحصنة داخليا وخارجيا، أما بالنسبة للقيادات التي خطت هذه الأطر التي تحدثنا عنها، وتحدثت عن الحضارة وفكرة الصداقة بين الشعوب، كان ذلك هام جداً وإيجابي كثيراً، إنما لدينا مشكلة في الدستور الروسي، وهي أن الإيديولوجية بحد ذاتها، فكرة ممنوعة، لأن الدستور الروسي صناعة محاميين روس وأمريكيين بذات الوقت، ولأجل ذلك وضعوا فصل معين يشير إلى منع الإيديولوجيات في روسيا، لخوفهم من فكرة الشيوعية وإيديولوجيتها، ومن أن تعود وتنتشر مجدداً. اليوم، لا يوجد حديث مباشر عن أنواع الإيديولوجيات، ولدينا إيديولوجيا خاصة بنا بروسيا، لكن بالعموم هذه الفكرة ممنوعة ولأجل ذلك لا نتحدث عنها.

الأستاذ كمال مساعد

 

هل فكرة النظرية الأوراسية تقوم على المصالح بين الدول، أي نوع من المصالح، وإذا كان ذلك صحيح لماذا توجهت بإتجاه مجموعة منظمة شنغهاي ولم تتوجه بإتجاه دول آسيا المشرقية؟

د. ليونيد سافين

 

مبدئياً هذه الفكرة ليست فقط مبنية على مصالح، إنما أيضا مبنية على القيم، المصالح تأتي وتذهب، أما القيم تبقى ثابتة، والمصالح بنفس الوقت تساعد الدولة على النهوض، وعلى أن تصبح قوية، فتوجه روسيا لمجموعة شنغهاي لسبب أن روسيا تستطيع الوصول من خلال البريكس والدول الناشئة وهذا يساعد على النهوض الاقتصادي بالإضافة إلى وجود دول كانت في الاتحاد السوفياتي السابق، ولأجل ذلك من الضروري أن يكون هناك تحالفات من هذا النوع، حيث نشاهد الكثير من التعاون على المستوى الأمني والسياسي وعلى مستوى التفاعل، والآن مبدأ المصالح بدأنا نفكر به وبدأنا على أساسه نتحالف مع دول جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ وبدأنا بناء شراكات وعلاقات مع هذه الدول، وأصبح لدينا أعضاء جدد سينضمون لهذا التجمع، وسيساعدون أيضاً في النهوض الاقتصادي، وإلى جانب ذلك نحن لدينا أراضٍ كثيرة مشتركة أو قريبة من هذه الدول فلهذا السبب أيضاً التحالف معهم أمر جداً ضروري.

العميد الدكتور دريد زهر الدين

 

في النقاش الذي جرى، هناك تشديد على أن روسيا أتت لتحمي العالم من تأثير الولايات المتحدة، خصوصاً في هذه المنطقة التي نتحدث عنها، أولاً لماذا لم تستطع حماية سوريا خاصة أنها لها دور وتدخل كبير في سوريا، وهذا لم يردع الولايات المتحدة من أن يكون لها تأثير قوي وكبير جداً في الحرب السورية. إضافة لذلك نتحدث عن أوراسيا وعن أوروبا وعن أن يكون هناك حلف شمالي أطلسي أوروبي وآخر مثله مغاير عنه، فأين هو دور روسيا في هذا الموضوع في ظل هزيمة روسيا في دول البلقان بأن يكون هناك مجموعة مشتركة، أيضا لدينا الولايات المتحدة التي تحاول التأثير في السياسات الموجودة بآسيا خصوصاً على حدود إيران والدول المجاورة والصين، فأين دور روسيا في حماية هذه الدول وحماية هذه المنطقة؟

د. ليونيد سافين

 

أولا بالنسبة لحرب العراق بإختصار حول موضوع تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، كانت أمريكا في العراق بإذن الأمم المتحدة، أما عن الدور الروسي نحن نعلم إن أردنا أن نحمي من التأثير الأمريكي، ونعلم ما هي طريقة عمل الأمريكي ليستطيعوا التأثير في العالم، فليس لديهم الاعمال العسكرية والأمنية فقط، وإنما لديهم تأثيرهم من الناحية العلمية والسياسية ومن الناحية الديموغرافية وحتى من ناحية القوة الناعمة التي تستخدم الآن المتمثلة في القوى الدبلوماسية. فماذا تفعل روسيا لحماية نفسها من هذا الأمر؟ انها تحاول فرض تشريعات جديدة لكل المنظمات غير الحكومية التي تأتي إلى روسيا وتعمل داخلها، فيعتبرون كيانات أجنبية تحصل على تمويلها من تبرعات أجنبية، لأجل ذلك وبكل فعالية لكي نستطيع حماية البلد نحاول أن نعرف هذه المنظمة ماذا تفعل، ففي حال هذه المنظمة تحاول الترويج للزواج المثلي، على سبيل المثال، نحاول أن نوقفها نهائياً عن العمل. وهناك منظمات تعمل بطرق مخالفة للتشريعات الروسية، والذي حدث أن الممثلين عن الشعب والمجتمع الروسي وحتى الجهات الحكومية الروسية، يوماً بعد يوم أدركوا بأن هذه المنظمات تستطيع القدوم والعمل في روسيا ولكن عليها ان تتبع القوانين الروسية، وبوتين ذكر أن التشريعات الوطنية داخل روسيا هي أهم من التشريعات الدولية، فداخلياً هكذا نتصرف، تماماً كما لو كانت الحالة في لبنان تستطيع إغلاق أي منظمة تعمل لضد مصلحة لبنان، فالعمل من الناحية القانونية ضروري جداً، ومهم.

أيضاً لدينا العمل والناحية الدولية والتشريعات الدولية ومثالي كيف أن أمريكا تتهم روسيا بالتجسس وتبدأ بسحب سفراءها وغير ذلك، فهنا نستطيع أن نقوم بعملية عكسية وأن نستخدم ذلك على الساحة الدولية، زد على ذلك أصبح لدينا “الفيتو الروسي”، فهو أمر مساعد وله دور أساسي في هذا الأمر.

الأستاذ غازي زهر الدين

 

سؤالي عن كيفية اندماج الإثنيات في المجتمع الروسي. لقد ذكرتم أن الدستور الروسي يمنع تعدد الإيديولوجيات، وتهرب الدكتور ليونيد من الإجابة عن سوريا بالشق العسكري مقدماً عليه الشق الاقتصادي، والتدخل الروسي ليس تدخل بريء هدفه حماية النظام وحماية الشعب ونرى عقود بدأت تبرم حول النفط والغاز وإعادة الإعمار فلماذا لا نتحدث عن الحقائق كما هي؟

د. ليونيد سافين

 

أولا المجتمع الروسي هو مجتمع مندمج، فلا مشكلة من حالة الدمج فيه بعكس الغرب وحصريته بعدم السماح لدخول إثنيات أخرى، حتى وإن كان الغرب يروج لفكرة تعدد الثقافات نحن نعلم أن هذا الأمر ليس إلا حبراً على ورق، والدليل أن المجتمع الروسي كذلك، رأينا كيف بدأت سيبيريا بالإعمار والنهوض وأيضا القوقاز فكلهم كانوا من إثنيات مختلفة، واعتبرناهم روس عندما انضموا إلى روسيا الاتحادية، فليس من الضروري أن تكون شخص سلافي كي تكون روسياً.

أما من ناحية المصالح الاقتصادية، صحيح لدينا مصالح خاصة في الدول التي فيها الكثير من السياسة في ظل عالم متمازج فلدينا القوة العسكرية وكذلك القوة الاقتصادية، أما عن الدور الروسي في سوريا، من المؤكد ان هناك شركات روسية ستبرم عقود في النفط والغاز مع سوريا، دون أن نغفل أن سوريا مقدمة على إعادة الإعمار، هذا الأمر طبيعي لأن روسيا وسوريا متعاونتان منذ أيام الاتحاد السوفياتي، فضلا عن أن سوريا بلد متعدد الإثنيات، فهناك قيم مشتركة كبيرة بين البلدين، ومن الطبيعي أن تكون مصالحهما مشتركة أيضا.

الأستاذ وسيم ابي رافع

 

كثير من المصطلحات تحتاج إلى نقاش ولا يمكن بجلسة واحدة أن نفهم دوافع الأوراسية واتجاهاتها وغاياتها في المنطقة، لكن ما لفت نظري أن الأوراسية تريد أن تدافع عن حقوق الشعوب، أعتقد أن الشعوب التي لا تدافع هي عن نفسها لا يمكن أن يدافع عنها أحد، ثانياً مصطلحات كالشرق الأوسط، العالم العربي وكثيراً ما تحدثت عن أنتم في لبنان وكأنه جزيرة مستقلة عن محيطه التاريخي والجغرافي، أيضاً يحتاج إلى نقاش. لكنني أحمل المسؤولية في هذا اللقاء على الدكتورة صفية سعادة ابنة إنسان عظيم دفع دماءه من أجل الدفاع عن قضيته وهي “الأمة”، وذكر على لسان حضرتكم كلمة “أمة” وأنكم لا تأخذون بمعنى “الأمم”، مع العلم أنه مصطلح ظهر في أوروبا ثم في بلادنا فنحن “الأمة” عرب وإسلاميين وسوريين ولبنانيين، لكن أفضل من تحدث عن حياة الاجتماع والاقتصاد وحدد مفهوم الأمة بشكل واضح وعلمي وصريح كان ذلك الرجل الذي ذهب إلى صليبه “أنطون سعادة” تحيا سوريا والخلود لها. أطالب الدكتورة صفية أن تهدي الدكتور ليونيد كتاب “نشوء الأمم” ليأخذ فكرة أننا نحن في هذه المنطقة في جنوب غرب آسيا ولنا التاريخ وأبطالنا ليسوا أبطال العرب، العرب جزء من تاريخنا وما يحصل في سوريا هو تثبيت لهويتنا ونشكر روسيا على ما تفعله من مساعدة في روسيا وفي المنطقة لأنها أيضاً تدافع عن حقوقها وتدافع عن مصالحها.

من هنا، هل يمكن ان نعتبر أن تعدد الاقطاب هي الرأسمالية أو الشيوعية أو الفاشية وما هو موقف الأوراسية من وجود اليهود وليس الصهاينة، في جنوب سوريا، سوريا الأمة وليس سوريا الدولة، فيجب أن نعرف رأيكم، لأننا نعتبر أن الوجود اليهودي في فلسطين هو غير قانوني، لان في صك الانتداب، الدولة التي تقوم بتهجير الشعوب لاستقلالها ليس لها الحق أن تعطي ما لا تملك، ففي صك الانتداب أعطت بريطانيا وعد أو تصريح لليهود بإقامة وطن في أمتنا العزيزة سوريا الوطن تاريخياً والآن وإلى الغد فلتحيا سوريا.

د. ليونيد سافين

 

أولا بما يتعلق بحقوق الشعوب، لديكم الحق، يجب أن نهتم بهذا الأمر ونطوره بشكل أكبر، وبدأنا العمل حول ذلك، أما من ناحية مفهوم “الأمة”، نعرف أن أكثر ما نعرفه هو مفهوم “الأمة المسلمة” وللعلم التقيت بمحامي من باكستان وهو مسلم ولا يتكلم العربية فليس من الضروري أن تكون الأمة المسلمة فقط عربية، لأن هذا الشخص كان يحاول الترويج لفكرة الأمة ومفهومها، وبالنسبة لمنظورنا للمناطق، فنحن لا نستخدم مصطلح “الشرق الأدنى”، لأن الولايات المتحدة هي من اخترعه، خصوصاً لمنطقة غرب آسيا، وأيضاً في أوروبا يقولون المشرق، وهنا لاحظنا أنه يجب علينا أن نطور مصطلحات جديدة خاصة بهذه المنطقة، أما من ناحية الوجود اليهودي، فأنا لست خبيراً في هذه المنطقة أي الشرق الأوسط أو المشرق، أنا هنا لأسمعكم وأفهم ما هو واقع هذه المنطقة وكيف تحلون مشاكلكم، حتى حين أعود إلى موسكو حاملاً كل هذه الأفكار التي أخذتها منكم، وأجعل عيون أصحاب القرار في موسكو مفتوحين على المنطقة خاصة لبنان وفلسطين وسوريا أي كل المصادر التي تؤدي إلى التوترات الإثنية في هذه المنطقة.

وأشكركم على هذه المداخلة، وهذه الأفكار يمكن مناقشتها ليس فقط في موسكو بل في دول أخرى.

د. علوان امين الدين

 

شكراً على حضوركم جميعاً، تشرفنا بكم.