إعداد: يارا انبيعة

تفادت إيطاليا الانزلاق في أزمة سياسية كادت أن تعصف بمنطقة اليورو بعد أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية بقيادة حركة “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات، ورابطة “اليمين المتطرف” في قصر كويرينال، فى روما، وخرجت، من أطول مأزق سياسي فى تاريخ البلاد لفترة ما بعد الحرب الذي كان يوحي بإمكانية حدوث خراب كبير في المستقبل القريب من احتمال خسارة الثقة في المالية الإيطالية إلى المواجهة التي تلوح في الأفق بين الحكومة الجديدة بقيادة جوزيبي كونتي، رجل القانون حديث العهد بالسياسة وبروكسل.

وفي ظل هذه الأهداف أكدت الحكومة، أنها لا تفكر في مغادرة إيطاليا منطقة اليورو، ولكن نهجهم العدائي تجاه بروكسل يهدد بحدوث صدع عميق مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الكبيرة بما في ذلك فرنسا وألمانيا.

وتتألف الحكومة الجديدة من 18 وزيرًا، بينهم خمس نساء فقط، وموزعين بشكل شبه متساو بين الحزبين، رغم أن الرابطة المتطرفة لم تحصل سوى على 17% من الأصوات في الانتخابات التشريعية في الرابع من مارس/آذار مقابل أكثر من 32% لحركة خمس نجوم.

أول حكومة معادية للنظام

في سابقة تحسب لإيطاليا، أدى رئيس الوزراء المكلف جوزيبي كونتي، 2يونيو/حزيران2018، اليمين أمام الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ليصبح أول رئيس وزراء في أوروبا يقود حكومة مناهضة للمؤسسات في الاتحاد الأوروبي، وتحل حكومة كونتي خلفًا لحكومة باولو جينتيلوني الذي استقال في 24 مارس/آذار 2018، وواصل مهمة تصريف الأعمال حتى اليوم.

وكان الرئيس ماتاريلا، قد لجأ إلى تعطيل قائمة أولى للحكومة، نتيجة تضمنها وزراء مناهضين لليورو، لكنه وقع لاحقا على قائمة معدلة بوزراء أدوا اليمين، على أن تعقد جلسة نيل الثقة في البرلمان مطلع الأسبوع المقبل.

واختار التحالف الحكومي المكون من حركتي “خمس نجوم” و”الرابطة اليمينية المتطرفة” أستاذ الحقوق والمحامي كونتي البالغ من العمر 53 عامًا، لتولي رئاسة الحكومة، وعلى إثر أدائه اليمين الدستورية، قال جوزيبي كونتي في تصريح إعلامي: “سنعمل بشكل مكثف لتحقيق أهدافنا السياسية التي وضعناها ببرنامج حكومتنا، وسنعمل بعزم على تحسين حياة جميع الإيطاليين”.

وساهم إعادة تشكيل حكومة ائتلافية من جديد بين حركة فتية مناهضة للمؤسسات وحزب يميني متطرف، في إنهاء مأزق استمر لمدة 5 أيام، ودفع روما إلى الفوضى السياسية، ففي وقت مبكر من الشهر الحاليّ، كانت الأحزاب الشعبوية في إيطاليا التي حصلت على الأغلبية في انتخابات مارس/ آذار الماضي، اتفقت على تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة “كونتي”، لكن الرئيس الإيطالي اعترض على وزير الاقتصاد المرشح.

كونتي المدعوم من حزبي حركة خمسة نجوم والرابطة، هو أستاذ جامعي في مادة القانون الخاص بكليتي الحقوق بجامعتي فلورنسا ولويس غويدو كارلي الخاصة في روما، كما يعمل في المحاماة بمحكمة النقض، ليس له أي منصب منتخب، كما أنه لا يملك أي خبرة سياسية أو إدارية، وهو مقرب من “حركة النجوم الخمس”، ووُلد عام 1964 في قرية فولتورارا أبولا الصغيرة الواقعة في منطقة بوليا جنوب إيطاليا.

كما ضمت هذه الحكومة في صفوفها كل من لويجي دي مايو زعيم حركة “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات، وماتيو سالفيني زعيم الرابطة المتطرفة، نائبين لرئيس الحكومة بعد أن كانا في مقدمة الحملة ولعبا دورًا أساسيًا في المفاوضات الطويلة، على أن يتولى الأول وزارة التنمية الاقتصادية والعمل والثاني وزارة الداخلية، وهو الذي وعد باتباع سياسة أمنية، ويتوقع أن يركز وزير الداخلية الجديد ماتيو سالفيني جهوده الوظيفية على مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وكان كل من الزعيمين يطمح لقيادة أول حكومة معادية لمؤسسات النظام في بلد من مؤسسي الاتحاد الأوروبي، لكنهما أرغما على اختيار شخص ثالث في ظل صراع ضار على السلطة بينهما ونتائج فردية غير كافية في الانتخابات التشريعية.

إلى جانب ذلك، تم تعيين جيوفاني تريا أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة تور فيرغاتا بروما المقرب من رؤية الرابطة لكنه مؤيد لبقاء البلاد في منطقة اليورو، في وزارة الاقتصاد والمالية، مكان خبير الاقتصاد باولو سافونا الذي يعتبر اليورو “سجنًا ألمانيًا”، وعُين سافونا المعروف بمعارضته لبروكسل في الحكومة الجديدة وزيرا للشؤون الأوروبية.

فيما تولى حقيبة وزارة الخارجية إينزو موافيرو ميلانيزي، وسبق أن شغل ميلانيزي المؤيد للاتحاد الأوروبي، منصب وزير الشؤون الأوروبية في حكومتي ماريو مونتي وإنريكو ليتا في الفترة ما بين 2011 و2014، كما عمل وزير الخارجية الجديد طيلة 20 عامًا في بروكسل.

بروكسل قلقة

يعيد وصول الشعبويين الى الحكم في ايطاليا المخاوف حول الدين الهائل للبلاد الى الواجهة ويسلط الاضواء على المخاطر المحدقة بالمصرف المركزي الاوروبي في وقت يتعين عليه التشدد في سياسته النقدية.

يقول فريدريك دوكروزيه خبير الاقتصاد لدى مكتب “بيكتيه ويلث مانجمنت” ان هذه المخاوف “بديهية لان المشكلة لم تتم تسويتها” فايطاليا “هي البلد الوحيد الذي يعاني من ديون كبيرة ولم يتبن برنامجا لهيكلة” ديونه.

وتؤدي حكومة تحالف بين حركة معادية للمؤسسات وحزب من اليمين المتطرف اليمين الدستورية الجمعة في روما. وأثار الاحتمال في البدء هذا الاسبوع هلعا في سوق السندات ما أدى الى ارتفاع كبير في فوائد الديون الايطالية.

وعلى الفور عاد هاجس “ايطالإكسيت” أي خروجها من منطقة اليورو خصوصا لدى المانيا التي تنتقد بشدة ديون دول الجنوب، واعتبر هانس فيرنر سين خبير الاقتصاد في معهد “آيفو” الخميس ان مثل هذه الخروج “محتملا”.

لكن مثل هذا الاحتمال بعيد كل البعد عن الازمتين في اليونان “2009-2011 و2015” فالدين الايطالي يمثل ربع الدين العام في منطقة اليورو بينما لا يتجاوز الدين اليوناني 2,5% منه.

وعلى الفور أعربت صحيفة “فرانكفورتر اليماين تسايتونغ” المحافظة عن القلق من انتقال “عدوى” القلق ازاء الدين الايطالي “130% من اجمالي الناتج الداخلي” الى دين اسبانيا “98%” أو البرتغال “125%”، ما يمكن ان يشكل تهديدا للعملة الموحدة.

وكان  المصرف المركزي الاوروبي الذي يتدخل عند كل أزمة مالية في غنى عن مثل هذه “الهدية” التي تتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لتأسيسه الجمعة.

ويفضل المصرف في الوقت الحالي الانتظار الى أن تهدأ الامور وهو يلتزم ببرنامجه الضخم لاعادة شراء الاصول الذي يتضمن شراء ما قيمته مليارات اليورو من السندات الايطالية كل شهر.

يقول دوكروزيه ان المصرف المركزي الاوروبي الذي يملك بين “22 الى 25%” من الدين الايطالي العام “لا يمكن ان يُنظر اليه على انه يساعد بلد تحديدا”.

ويمكن ان يعول المصرف على ارقام تضخم مؤاتية في ايار/مايو الماضي اذ سجلت تحسنا “+1,9% في منطقة اليورو و+2,0% في فرنسا و+2,2% في المانيا” والتي أتت في الوقت المناسب لدعم التخلي بشكل تدريجي عن برنامج شراء الاصول.

ومع ان ايطاليا ستكون حاضرة في الاذهان  الا انها لن تشارك في الاجتماع المقبل للمصرف المركزي الاوروبي حول السياسة النقدية في 14 يونيو/ حزيران المقبل والذي سيتناول خصوصا اعداد الوقف التدريجي لبرنامج شراء الاصول بحلول نهاية العام والذي يشكل مرحلة أولى قبل زيادة في معدلات الفائدة متوقعة خلال العام 2019.

لكن المشكلة لا تزال تنتظر حلا ويمكن ان تعود على المدى المتوسط عندما ستؤدي زيادة معدلات الفائدة التي تطالب بها بعض الدول في مقدمتها المانيا الى تعقيد تمويل الدول الاكثر ديونا بينها ايطاليا واسبانيا.

لوبان ترحب

رحبت زعيمة الحزب اليميني الفرنسي “الجبهة الوطنية” مارين لوبان بتشكيل الحكومة الجديدة في إيطاليا، واصفة إياه بانتصار الديمقراطية على تهديدات.

وكتبت لوبان على صفحتها في تويتر: “برافو لتحالف ماتيو سالفيني و”الرابطة” الذي قام في نهاية المطاف بتشكيل حكومة إيطالية جديدة إنه انتصار للديمقراطية على التخويف والتهديدات من جانب الاتحاد الأوروبي ولن يعرقل شيء عودة الشعوب إلى مسرح التاريخ.

مصدر الأخبار: وكالات

 

 

مصدر الصور: اليوم السابع