إعداد: يارا انبيعة

اختتمت أعمال القمة الثالثة للمنتدى الصيني الأفريقي، في الوقت الذي  ينشغل العالم بالحرب التجارية بين واشنطن والصين، الأمر الذي دفع بالبعض إلى التخوف من التواجد الصيني في أفريقيا على المصالح القومية الاميركية، فبالإضافة إلى تخصيص 60 مليار دولار للمساعدات والاستثمارات في الدول الأفريقية، ركزت هذه القمة على موضوعين أساسين للجانب الصيني وهما مبادرة الحزام والطريق أو ما بات يعرف بـ”طريق الحرير”، وبناء منصة للتبادل والتعاون بين الشركات الصينية والإفريقية، وتعزيز التعاون عالي الجودة، وتحقيق نتائج متبادلة النفع ومربحة للجانبين، وبناء مجتمع مصير مشترك أقوى بين الصين وأفريقيا.

فمن الواضح أن الاهتمام الصيني بالقارة الأفريقية يتعمق ويزداد يوما بعد يوم، ولعل قمة الصين أفريقيا “فوكاك” التي كانت محط اهتمام، خير دليل على الأهمية القصوى التي توليها بكين للاستثمار في القارة السمراء ودفع العلاقات وتحسينها فيما بينهم.

 9  سنوات متتالية

 

شكل منتدى الصين أفريقيا الذي عقد في 3 و4سيبتمبر/ ايلول2018، فرصة مهمة لالتقاء قادة الدول الأفريقية والتعاون المشترك فيما بينهم، وشهد الاستثمار الصيني في السنوات الأخيرة في أفريقيا زيادات كبيرة مثيرة للاهتمام حيث زاد من 5 مليار دولار فى 2006 إلى 60 مليار دولار في العام 2015.

حيث تسعى الصين إلى للاستثمار فى البنية التحتية بأفريقيا تحديدا فى الساحل الشرقي للقارة والذي يعد “الجزء البحري” من طريق الحرير، وهذه الاستثمارات سيجري فيها التعاون من جانب بكين مع مصر وكينيا وجيبوتي مع توقعات بتوسع المحادثات لتشمل إثيوبيا وتنزانيا أيضا، ويخص مصر من هذا الطريق الجزء المتعلق بقناة السويس.

كما أكد عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانج يى أن قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصين -أفريقيا التى تحظى باهتمام عالمي غير مسبوق من شأنها رفع الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين إلى مستوى عال جديد، مشيرا إلى أن الصين حافظت على موقعها كأكبر شريك تجارى لأفريقيا لتسع سنوات متتالية باستثمارات إجمالية تجاوزت 110 مليارات دولار فى القارة الأفريقية

فيما كشف مؤتمر التجارة العالمية والتنمية أن حجم التجارة بين الصين وأفريقيا في عام 2000 كان يحقق 10 مليارات دولاروفي غضون 17 عاما تجاوز عشرين مرة هذا الحد حيث وصل مؤخرا إلى نحو 200 مليار دولار، في الوقت الذي تشهد فيه التجارة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ركودا منذ سنوات وبموازاة ذلك يُسجل نمو قوي في الاستثمارات المباشرة للصين في إفريقيا.

 

اللاءات الخمسة

 

أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال كلمته التي ألقاها في الحفل الافتتاحي للقمة، أن نهج “اللاءات الخمسة” الذي تتبناه الصين في علاقاتها مع أفريقيا وهي: لا تدخل في سعي الدول الأفريقية لطرق التنمية التي تلائم ظروفها الوطنية، ولا تدخل في شؤونها الداخلية، ولا فرض إرادة الصين عليها، ولا ربط للمساعدات بأي شروط سياسية، ولا سعي لتحقيق مكاسب سياسية أنانية في التعاون الاستثماري والمالي.

وأعرب ماك هنري فيناني رئيس إدارة التجارة والهجرة والجمارك في برلمان عموم أفريقيا وزعيم المعارضة في ناميبيا، عن دعمه لسياسة “عدم التدخل وعدم فرض أي شروط” الصينية في مساعدات التنمية وتمويل البنية التحتية في أفريقيا.

وقال فيناني: إن إعلان الرئيس شي دعم بلاده لأفريقيا من دون أي شروط هو موضع ترحيب ويمثل حجر زاوية في التعامل بين الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأفريقيا، ومهما كانت المساعدات التي تقدمها الصين لأفريقيا من أجل النمو الاقتصادي وتنمية البنية الأساسية فقد جاءت في الوقت المناسب، حيث تحتاج أفريقيا إلى شريك للنمو في الوقت الحالي.

 

تعزيز التبادلات

الرئيس السنغالي “ماكي صال” الرئيس المشترك لمنتدى التعاون الصين-إفريقيا، قال في كلمة خلال افتتاح فعاليات القمة، إن الاستثمار الخاص يمكنه أن يضخ حيوية في الاقتصاد، ويعزز التبادلات، ويزيد من فرص التشغيل ويحقق الرخاء المشترك”.

واقترح صال أن تقوم الصين وإفريقيا بتبسيط إجراءات الاستثمار الخاص، وتحسين الإدارة والبيئة التجارية، وتعزيز الشراكة بين الشركات الخاصة الصينية والإفريقية، وتشجيع الشركات الصينية في إفريقيا على المشاركة في إدارة الشركات الإفريقية.

استثمارات هائلة

 

تسعى مصر في الآونة الأخيرة إلى تقوية العلاقات الثنائية مع الصين حيث زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ توليه الرئاسة بكين 5 مرات وتهدف هذه الزيارات إلى التعاون والدعم في عدة مشروعات وعلى رأسها إحياء طريق الحرير والاستثمار الصيني في محور قناة السويس الجديدة.

حيث حقق الرئيس المصري والوفد المرافق له خلال زيارتهم للصين على هامش المنتدى الصيني الأفريقي نجاحا كبيرا، وتم توقيع اتفاقيات بين الجانب المصري والصيني بمبالغ هائلة، وأكد نائب رئيس مجلس الأعمال “المصري الصيني” مصطفى إبراهيم، أن الجانب الصيني تعاقد مع مصر على ضخ استثمارات بنحو 20 مليار دولار.

إبراهيم أضاف أن جزءا من تلك الاستثمارات يبلغ 18.3 مليار دولار تنفذه الشركات الصينية مثل إنشاء مصنع بتروكيماويات ومصنع الطاقة الذي يعمل بالفحم وغيرها من المصانع الأخرى، وأشار رئيس مجلس الأعمال “المصري الصيني”، إلى أنه تم توقيع اتفاقية استثمارية بقيمة ملياري دولار لتطوير منطقة العين السخنة.

وذكرت الهيئة في بيان لها أن المشروعات تتضمن إنشاء المرحلة الثانية للأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية، ومشروع محطة الضخ والتخزين بجبل عتاقة، ومشروع إنشاء محطة توليد الكهرباء بالحمراوين، ومشروع منطقة للمنسوجات، ومشروع للألواح الجبسية، ومشروع لتصنيع المواد الجديدة، وإنشاء معمل تكرير ومجمع البتروكيماويات بمحور قناة السويس.

هدية لدول العالم

 

من جهة أخرى، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته إلى الصين، عن تقديم بلاده هدية إلى دول العالم، قال السيسي إن المنطقة الاقتصادية بقناة السويس هي هدية مصر للعالم لتطوير حركة الملاحة الدولية وتعزيز حرية التجارة العالمية.

جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة الختامية لقمة زعماء الصين وأفريقيا، وقال الرئيس المصري: تؤمن مصر بأهمية التكامل بين مبادرات التنمية المختلفة، لاسيما مبادرة الحزام والطريق، وأجندة تنمية وتحديث إفريقيا 2063 وفي هذا الإطار، تقدم مصر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجستي واقتصادي، يسهم بفاعلية في تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقا استثمارية رحبة في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطا تجاريا واقتصاديا وإنسانيا.

أوضح أن مصر تستهدف دخول قناة السويس مرحلة جديدة تماماً في تاريخها، لتتحول من مجرى ملاحي عالمي إلى نقطة ارتكاز رئيسية للتجارة العالمية، بما يعني تحولا جذريا في المنطقة، بل والعالم، في مجالات التجارة والاستثمارات والنقل البحري.

تطوير العلاقات

 

من جانبه، كشف رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، أن الصين أعلنت عن برنامج يمتد إلى ثلاث سنوات بمبلغ مالي قدره 60 مليار دولار للاستثمار والدعم في إفريقيا، مبرزا أن الدورة الثالثة لقمة بكين، انبثقت عنها إعلانات مهمة في أفق تطوير العلاقات الاقتصادية الصينية الإفريقية.

وأكد العثماني في الكلمة الافتتاحية لمجلس الحكومة، أن مشاركة المغرب، في القمة التي حضرها 40 رئيس دولة وحوالي 10 رؤساء حكومات من بلدان أفريقيا، كان لها دور بارز، إذ تم عقد مجموعة من اللقاءات مع مسؤولين صينيين، وأيضا مع رؤساء عدد من الشركات والمستثمرين الصينيين.

وفي هذا السياق، أشار رئيس الحكومة، الذي ناب عن الملك في الحضور لقمة بكين، أن الرئيس الصيني أبدى تقديره لجهود المغرب في تنفيذ مقتضيات الشراكة الاستراتيجية التي وقعت بينه وبين الملك سنة 2016، كما أعلن عن عزمه الاستمرار قدما في هذه الشراكة وتخصيص الدعم لجميع المستثمرين الصينيين الذين يريدون الاستثمار في المغرب، إضافة إلى دعم التعاون الثقافي والعلمي والتكنولوجي وإمكانية رفع عدد المنح للطلبة المغاربة في الصين.

إنجازات هامة

 

اعتمدت خطة عمل بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (2019- 2021) خلال القمة لتأكيد أن الصين وأفريقيا ستدعمان التعاون البراجماتي بشكل شامل بالتركيز على تطبيق المبادرات الثماني الكبرى وهي التعزيز الصناعي وربط البنية التحتية وتسهيل التجارة والتنمية الخضراء وبناء القدرات والرعاية الصحية والتبادلات الشعبية والسلام والأمن.

وقال إيرنسبت مودزينجه وهو محلل اقتصادي من زيمبابوي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن المبادرات الثماني الكبرى تعد إنجازات مهم للقمة، ويرى المحلل أن هذه المبادرات تعكس أولويات العلاقات الصينية الأفريقية وستضع أيضا خطة للتعاون المستقبلي بين الصين وأفريقيا.

وقال: أعتقد أن التعاون الصيني الأفريقي سوف يرتقي إلى نقطة أعلى إذا تم تطبيق المبادرات الثماني الكبرى بنجاح.

بدوره، كابيلو إبينينج السكرتير الدائم لوزارة النقل والاتصالات في بوتسوانا، أشاد بمبادرة تعزيز ربط البنية التحتية، وقال: إن ربط البنية التحتية لن يحسن فقط شبكة الطرق في بوتسوانا ولكنه سيساعد أيضا في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد المحاطة باليابسة.

وأشاد أوجستين بي إنجامنشي مدير الشؤون الفنية والسياسية في تحالف عموم أفريقيا للعدالة المناخية بإدراج التنمية الخضراء في هذه المبادرات، وقال: هذه خطوة عظيمة وفي الاتجاه الصحيح. وإن هذه الخطوة تعطي إشارات صحيحة وأتمنى ان تصبح ثقافة في العلاقات الصينية الأفريقية.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصورة: المغرب اليوم.