إعداد: يارا انبيعة
بعدما أقرت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعاني عجزاً تجارياً قدره 800 مليار دولار للعام 2017، رأى الرئيس دونالد ترامب أن السبب يعود إلى “حماقة” الرؤساء الأمريكيين السابقين اللذين انتهجوا سياسات تجارية خاطئة مع العديد من بلدان العالم بينها دول الاتحاد الأوروبي.
“نظرية” ترامب
بنظر الرئيس ترامب، أن الجزء الأهم من حل هذه المشكلة يكمن في فرض رسوم جمركية على واردات الألمنيوم والحديد الصلب، ويأتي قرار ترامب الأخير بعد مناشدات دولية عدة بالتراجع عنه خشية أن يجر العالم إلى موجة من السياسات الحمائية. غير أن الرئيس الأميركي تمسك بموقفه قائلاً “إذا كنتم لا تريدون دفع ضرائب، فلتأتوا بمصانعكم إلى الولايات المتحدة الأميركية.”
وفي مؤتمر صحفي قال ترامب “هم يجعلون من المتعذر علينا إدارة الأعمال معهم، ومع هذا يرسلون سياراتهم وكل شيء آخر إلى الولايات المتحدة”، وأضاف “يمكنهم أن يفعلوا ما يروق لهم، لكن إذا فعلوا ذلك، عندئذ فإننا سنفرض ضريبة كبيرة قدرها 25% على سياراتهم، وصدقوني هم لن يستمروا في فعل ذلك لفترة طويلة جداً”.
من هنا، أعلن البيت الأبيض أن الرسوم الجديدة التي ستفرض بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم مستثنياً كل من كندا والمكسيك في حال توصلت أميركا إلى اتفاق على إعادة التفاوض حول اتفاق التجارة الثلاثية “نافتا” معهما.
أوروبا “منزعجة”
أثار قرار الرئيس الأمريكي موجة انتقادات واسعة على المستويين الدولي والداخلي، ومخاوف من تصعيد متبادل لـ “الثأر التجاري” وهو مؤشر على إمكانية اندلاع حرب تجارية عالمية، إضافة إلى تقويضه للثقة والاستثمار. وبينما ينتظر الاتحاد الأوروبي الحصول على توضيحات بشأنه، قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، يركي كتاينن، إن الاتحاد مستعد للرد واتخاذ إجراءات في مواجهة الضرائب الأمريكية إذا لزم الأمر لكنه لا يزال يفضل “الحوار”، قائلاً “نحن مستعدون وسنكون مستعدين لاتخاذ إجراءات إذا لزم الأمر لإعادة التوازن بخصوص المنتجات الأمريكية الأبرز مثل الجينز أو زبدة الفستق.” وأضاف كتاينن “نأمل في ألا نضطر للقيام بذلك.”
من جهته، أكد بيار موسكوفيسي، المفوض الأوروبي للاقتصاد والشؤون المالية، أن الاتحاد الأوروبي يملك ترسانة إجراءات للرد في حال نفذ الرئيس الأمريكي تهديده بفرض رسوم جمركية كبيرة على واردات الفولاذ والألمنيوم، وأضاف موسكوفيسي أن الهدف هو الوصول بذلك إلى “منتجات يتم تصنيعها في دوائر” يسيطر عليها الجمهوريون حزب دونالد ترامب، وخصوصاً تلك المرتبطة برئيس مجلس النواب، بول راين، بهدف إفهام الكونغرس أنها خسارة للجميع، ومشيراً إلى “إجراءات إنقاذية” لتجنب إغراق السوق الأوروبية بكميات من الفولاذ لا يمكن تصريفها في الولايات المتحدة. وتابع موسكوفيسي بالقول “إن المفوضية الأوروبية تحتفظ أيضاً بحق نقل الخلافات المحتملة إلى منظمة التجارة العالمية، وعلينا ألا نقبل بأن يصبح كل طرف لا يهتم إلا بمصالحه في العالم وعلينا الإبقاء على التعددية.. ان الحمائية ليست الرد إطلاقا. الحمائية نزعة قومية، إنها الحرب. والحرب لا تؤدي سوى إلى خاسرين.”
يشار هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي أعد لائحة تضم عشرات المنتجات من الصلب ومستحضرات التجميل وملابس ومواد غذائية او سيارات، يمكن أن تفرض عليها رسوما عالية.
“الرد” الفرنسي
قال الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، “إن اتخاذ الولايات المتحدة هذا الإجراء سيشكل رداً سيئاً جداً على المناخ الدولي الذي نعرفه لأنه تطبيق للقومية الاقتصادية”، مشدداً على “أهمية تحرك الاتحاد الأوروبي سريعاً وبشكل متناسب في إطار منظمة التجارة العالمية.”
من جهته، أعلن وزير المالية الفرنسي، برونو لو ماري، أن بلاده وشركاءها في الاتحاد الأوروبي سيقيّمون أثر الرسوم الجمركية وسيبحثون كيفية الرد، حيث قال لو ماري إن هناك خاسرين فقط في الحرب التجارية مضيفاً أن فرنسا تشعر بالأسف للإعلان الأمريكي وان بلاده ستقيم العواقب على صناعاتها مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وتتفق على رد ملائم.
ألمانيا: الرسوم إضرار بالجميع
اعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن فرض واشنطن رسوماً جمركية سيلحق الضرر بالجميع، موضحة “أن الضرائب الإضافية ستؤثر على الاقتصاد في عدة دول، ونعتقد أنها ستلحق الضرر بالجميع في النهاية، ولن يستفيد منها أحد”، وأضافت أنها ترغب في عقد لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين بهذا الخصوص، وأن الطرف الأوروبي سيكون له رد فعل على القرار. وعن مدى قيام حرب تجارية بين الاتحاد والولايات المتحدة، قالت ميركل “لا أريد الآن أن أستخدم كلمة حرب، لا يمكن لهذا أن يكون مفيداً لنا الآن.”
من جانبها، أكدت وزيرة الاقتصاد الألمانية، بريجيته تسيبريز، أن الرسوم الجمركية ستمثل عبئاً على الشركات في أكبر اقتصاد بأوروبا، وقالت تسيبريز “لقد أمر برسوم جمركية عقابية لا تتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية وهو بهذا الفعل يزيد أسعار المستهلكين ويجعل عمل شركاتنا الصغيرة والكبيرة أكثر صعوبة”، مضيفة “ان الرسوم تمثل إهانة لشركاء الولايات المتحدة المقربين مثل الاتحاد الأوروبي وألمانيا” فبلادها ستنسق عن كثب مع المفوضية الأوروبية للرد بهدوء لكن بوضوح.
“طريقة خاطئة” لإدارة الأعمال التجارية
انتقد الوزير البريطاني للتجارة الدولية، ليام فوكس، القرار الأمريكي قائلا إن ذلك يشكل “طريقة سيئة” لإدارة الأعمال التجارية، واعتبر فوكس أن الحمائية والرسوم لم تنجحا يوماً، مشيراً إلى أنه سيتوجه إلى واشنطن لإجراء محادثات مع المسؤولين الأمريكيين في شأن الرسوم والإعفاءات المحتملة لحلفاء الولايات المتحدة.
الصين تندد بـ “الهجوم الخطير”
نددت الصين بالرسوم الأمريكية معتبرة إياها “هجوماً” على النظام التجاري المتعدد الأطراف، حيث قالت وزارة التجارة الصينية “إن سوء استخدام بند الأمن القومي من قبل الولايات المتحدة يشكل هجوماً متعمداً على النظام التجاري المتعدد الأطراف، وسيكون له بالتأكيد تأثير خطير على نظام التجارة العالمي”، وأضافت الوزارة أن “الصين تعارض ذلك بشدة.”
نتائج خطيرة
اعتبرت اليابان أن الرسوم هي خطوة “مؤسفة” وإن هذا الإجراء يمكن أن يكون له تأثير خطير على العلاقات الاقتصادية بين طوكيو وواشنطن، حيث أفاد وزير الخارجية الياباني، تارو كانو، ان بلاده “سنتخذ التدابير المناسبة بعد ان ندرس بعناية النتائج المترتبة لهذه الرسوم على الاقتصاد الياباني.”
الخشية من تصعيد متبادل
من جانبها، أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إنها تخشى من تصعيد متبادل للثأر التجاري، وقالت لاغارد “إن الأثر الاقتصادي المباشر للرسوم ليس هو أكثر ما يقلقها ولكن دوره في إطلاق ردود انتقامية من شركاء تجاريين حول العالم”، وتابعت “هذا التصعيد هو في حد ذاته الخطر بسبب أثره على جميع تلك الاقتصادات وأثره على الثقة أيضا”، مشيرة إلى أن التجارة ظلت محركاً للنمو الذي حقق تعافياً عالمياً أقوى خلال الأشهر الأخيرة.
تركيا والرد المقابل
وفي أنقرة، صرح مستشار الرئيس التركي، جميل ارتيم، أن بلاده قد ترد بإجراءات طويلة الأجل حيث قال “إن تركيا قد ترد على مثل تلك الخطوة من جانب الولايات المتحدة عبر زيادة الرسوم على واردات القطن الأمريكي.”
سنتخذ “كافة الإجراءات اللازمة”
أعلنت الحكومة البرازيلية إنها ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة في المنتديات الثنائية والمتعددة الأطراف من أجل حماية مصالحها، حيث قالت وزارتا الخارجية والتجارة، في بيان مشترك، ان الإجراءات ستعيق بشدة الصادرات البرازيلية وإنها لا تتماشى مع التزامات الولايات المتحدة تجاه منظمة التجارة العالمية.
الإمارات: الرسوم غير مؤثرة
قلل خبراء ومسؤولو شركات عاملة بصناعة الألمنيوم والصلب الإماراتية من تأثير القرار الأمريكي حال تطبيقه على المنتج الإماراتي، مشيرين إلى أن هذا الموضوع أكبر من كونه مجرد رسوم حمائية بقدر ما سيكلف الاقتصاد والمواطن الأمريكي خسائر جراء الصناعات التحويلية المعتمدة على الحديد والألمنيوم الأولية. وأكد هؤلاء على ضرورة تفعيل استراتيجيات وتوجهات المصنعين تجاه تنويع الأسواق وعدم الاعتماد على أسواق محددة للتصدير، فضلاً عن ضرورة تفعيل حركة التجارة عربياً وإقليمياً ومع الدول التي لا تطبق إجراءات وملتزمة باتفاقيات لتسهيل التجارة البينية. كذلك، أشار الخبراء إن القرارات الأمريكية ستواجه بالتبعية بإجراءات أوروبية وصينية، الأمر الذي يخلق حالة الاضطراب في الأسواق وبالتالي التأثير سلباً على حركة التجارة العالمية.
مصدر الاخبار: وكالات
مصدر الصور: وكالة أنباء المال والأعمال – اليمن اليوم.