يارا انبيعة
في غياب الولايات المتحدة التي انسحبت من الإتفاق النووي مع إيران مايو/أيار 2018، عقد مسؤولون من الدول الست اجتماعاً للتباحث حول مصير الإتفاق، وسط توترات غير مسبوقة بين واشنطن وطهران بعد فرض الأولى عقوبات اقتصادية قاسية، شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2019.
تزامن اللقاء، الذي عقد بالعاصمة النمساوية – فيينا في 28 يونيو/حزيران2019، مع قرب انتهاء المهلة الزمنية التي حددتها إيران، مطلع مايو/أيار2019، بـ 60 يوماً لخفض التزاماتها بخطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، أو ما يعرف بالإتفاق النووي.
في هذا الإجتماع الدوري، الذي يُعقد كل ثلاثة أشهر بين دول الاتفاق النووي، اعتبرت إيران أنه “آخر فرصة” لإنقاذ الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة محذرة من أنها “لن تقبل بأي حلول ظاهرية” فيما يتعلق بالعقوبات الأميركية، حيث قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية، عباس موسوي “أعتقد أن هذا الإجتماع قد يكون آخر فرصة للأطراف الباقية للإجتماع ومعرفة كيف يمكنها الوفاء بتعهداتها تجاه إيران”، مشيراً أنه على الرغم من دعم بقية الأطراف الموقعة لموقف إيران في عدة بيانات، فقد فشلت في اتخاذ أية خطوة تذكر.
آلية بديلة
صدر البيان الختامي للمجتمعين بالتأكيد على أن المانيا وفرنسا وبريطانيا أبلغت باقي الدول الأعضاء في الإتحاد الاوروبي بأن آلية “إينستكس” المالية قد تم تفعيلها، وأنها متاحة امام جميع هذه الدول وأن أولى عملياتها المالية هي الآن قيد التنفيذ، وسيتم الإسراع به مع تأسيس الآلية الايرانية المناظرة، آلية التجارة والتمويل بين إيران وأوروبا، في وقت بدأت بعض دول الإتحاد الأوروبي الإنضمام إليها بالفعل.
في إطار آخر، أكدت اللجنة المشتركة دعمها الكامل للمشاريع النووية ومنها إكمال مفاعل آراك للأبحاث في موعده المحدد وتوفير الأجهزة اللازمة، مشيرة إلى الدور المفتاحي لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بصفتها المنظمة المحايدة المسؤولة عن مراقبة تنفيذ التعهدات.
إضافة إلى ذلك، كلفت اللجنة المشتركة خبراء بمتابعة السبل العملية خاصة لصادرات اليورانيوم المخصب بنسبة واطئة والماء الثقيل في إطار ترتيبات مناسبة وبموازاة ذلك سيعلمون عبر عقد جلسات لتبادل وجهات النظر التخصصية والمتمركزة على تكثيف جهودهم فيما يتعلق بإزالة الحظر بالتوازي مع الإلتزامات الواردة في البند 8. كما إعتبر المجتمعون أن هذه اللجنة المشتركة ستبقى |المكان الوحيد” المتعلق بدراسة وتبادل وجهات النظر حول جميع القضايا والهواجس.
القرار إتخذ
في أول التصريحات حول نتائج الإجتماع الدبلوماسي في فيينا، أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن الدبلوماسيين الذين اجتمعوا في فيينا “حققوا خطوة إلى الأمام، في الجهود المبذولة لإنقاذ الاتفاق النووي الموقع العام 2015″، لكنه إعتبر أن “النتيجة لا تزال غير كافية”/ مضيفاً “أن ما تم الإتفاق عليه يشكل تقدماً جيداً… لكنه ما زال لا يفي بتوقعات إيران”، وفي إشارة إلى قرار بلاده التوقف عن الإلتزام بقيود معينة على المواد النووية بموجب الإتفاق/ مضيفاً “لا أعتقد أن التقدم الذي أحرزناه اليوم سيعتبر كافياً لوقف عمليتنا، لكن القرار لا يعود إلي”.
وتابع عراقجي أن الأوروبيين أكدوا أن “إينستكس” أصبحت الآن جاهزة والمعاملات الأولى تتم معالجتها بالفعل، لكنه أضاف “لكي تكون انستكس مفيدة لإيران، يتعين على الأوروبيين شراء النفط من إيران أو التفكير في خطوط ائتمان لهذه الآلية.”
مستمرون بالإتفاق
بدورها، رأت الصين أن المحادثات إيجابية خصوصاً أن إيران أرسلت رسالة واضحة بأنها ستبقى في الإتفاق النووي، مع القوى العالمية، إذ صرح الموفد الصيني، فو كونغ، بالقول “سمعنا من الجانب الإيراني بوضوح لا لبس فيه أنهم سيستمرون في هذا الإتفاق.”
وعلى هامش الإجتماع، أعلن كونغ أن بلاده ستواصل استيراد النفط الإيراني رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، قائلاً “نحن لا نتبنى سياسة تصفير واردات النفط الإيراني التي تنتهجها الولايات المتحدة. نرفض الفرض الأحادي للعقوبات.”
“آراك” و”إتنستكس”
من جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن بلاده “تتعاون مع إيران بجميع المجالات بما فيها الطاقة النووية والهيدروجينية والزراعة”، مؤكداً على أن الولايات المتحدة تنتهك بشكل سافر قرار مجلس الأمن والميثاق الأممي بسياستها من الإتفاق النووي.
فيما يخص مفاعل آراك، صرح ريباكوف أن صيانة وتركيب مفاعل المياه الثقيلة في آراك هو جزء من الإتفاق النووي، أما بشأن العمليات المالية فقد أكد أنه تم تفعيل نظام للعمليات المالية مع إيران لكن ذلك ليس إلا الخطوة الأولى.
فيما يخص “إينستكس”، إنها ألية مالية تم إنشاؤها من قبل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، 31 يناير/كانون الثاني 2019، لإستخدامها كوسيلة مالية للتعامل مع طهران بعد توقيع العقوبات الإقتصادية الأمريكية، وبالتالي الحفاظ على الاتفاق النووي، بطريقة غير مباشرة. وفقاً للمسؤولين الأوروبيين أن “إينستكس” ستغطي فقط السلع الإنسانية، كالغذاء والدواء، في المرحلة الأولى إذا أصبحت جاهزة للعمل، إلا أنه وفقاً لصحيفة “الغارديان” فإنها آلية طموحة وقد توسع مجالات التجارة الأوروبية – الإيرانية فيما بعد.
تحدٍ أميركي
قُوبل الإصطفاف الأوروبي وراء الاتفاق النووي والدعم الدولي بمزيد من التحدي الأميركي، إذ أشارت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، أن على الدول الأوروبية “أن تختار بين القيام بأعمال تجارية مع إيران أو التعامل مع الولايات المتحدة.”
جاء ذلك في وقت حثَّ فيه المبعوث الأميركي الخاص لإيران، براين هوك، كبار الدبلوماسيين الأوروبيين على التعامل بشكل أكثر صرامة مع طهران بدلاً من التمسُّك بالإتفاق النووي، مهدداً “إن أي دولة تختار شراء النفط الإيراني ستدفع الثمن.” كما أشار هوك إلى أن بلاده “ستمنع” أية واردات من النفط الخام الإيراني، وستفرض عقوبات على أية عمليات شراء له.
ختاماً، يبدو أن الإيرانيين سيضغطون على الأوروبيين من زاوية الـ 60 يوماً خصوصاً أنهم يعلمون جيداً بأن الدول الأوروبية الموقعة على الإتفاق النووي لا تستطيع الخروج من “العباءة” الأمريكية. بالتالي، إذا لم تكن الآلية المالية حلاً بديلاً يخفف من العقوبات المالية، فإن طهران ستكمل في مسألة الخروج من إلتزامات الإتفاق تدريجياً لا سيما وأنها لن تجني فوائداً تخفف من وطأة العقوبات الإقتصادية؛ بالتالي، لقد تكيفت طهران مع مسألة العقوبات على مدى أربعة عقود، وهي تستطيع التعايش معها في الوقت الحالي، على أقل تقدير، إلى حين حصول الإنتخابات الرئاسية في أمريكا التي تعول فيها طهران على تغيير الرئيس ترامب والإتيان برئيس جديد.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الجزيرة – إرم نيوز.