إعداد: يارا انبيعة

بعد شهرين ونصف من الاستعدادات ووسط ترقب واهتمام خارجي وعمل منظم من بعض الأطراف الإقليمية لمحاصرة ما يمثله موقع أنقرة، إقليمياً ودولياً، استطاعت تركيا، في 24 يونيو/حزيران 2018، أن تعبُر العتبة الإنتخابية بنجاح، وانتقلت نحو حكم جديد أي النظام “الرئاسي”، وذلك بعد فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأكثر من 52% من أصوات الناخبين في الانتخابات المبكرة، ليحسم الانتخابات من الجولة الأولى.

فوز مزدوج

تمكن الحلف الجمهوري، حزبي “العدالة والتنمية” مع “الحركة القومية” اليميني القومي المتشدد، من تحقيق 53٪ من الأصوات في البرلمان، محققاً أكثر من 342 مقعداً في البرلمان الجديد من أصل 600، فيما حقق حلف الشعب، “الشعب الجمهوري” و”الحزب الجيد” المنشق عن الحركة القومية 34٪ من الأصوات (191)، وقارب “حزب الشعوب الديمقراطي” الكردي الـ 11٪ من الأصوات (67).

وبالنظر إلى ضخامة الحركة الانقلابية والمشاركين فيها، فإن الانتخابات حملت نوعاً من الرد على أن حزب العدالة والتنمية استطاع امتصاص الصدمة وظل حزباً قوياً أدار حملته الانتخابية بنجاح وحقق نتائج لم تكن متوقعة، خالفت الحسابات الداخلية والخارجية. وتظهر الأرقام الرسمية فوزاً مزدوجاً للرئيس أردوغان، فعلى مستوى الانتخابات النيابية، تشير الأرقام المنشورة في وكالة “الأناضول” الرسمية إلى الأرقام التالية:

– العدالة والتنمية 42.5%؛ حزب الشعب الجمهوري 22.7%؛ حزب الشعوب الديمقراطي 11.18%؛ حزب الحركة القومية 11.19%؛ الحزب الجيد 10.06%؛باقي القوى + مستقلين 2.38%.

أما على مستوى الانتخابات الرئاسية فقد حقق أردوغان فوزاً مريحاً، على منافسه، لا يحتاج معه إلى دورة ثانية، وذلك على الشكل التالي:

– محرم إينجه: 30.63%؛ رجب طيب أردوغان: 52.9%؛ ونتائج متواضعة لبقية المنافسين.

“خطاب النصر”

فور الإعلان عن فوزه رسمياً، توجه أردوغان إلى شعبه بـ “خطاب النصر” الذي ألقاه من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة، متوجها بالشكر للشعب التركي بأكمله على اختلاف مشاربه، وذلك على المشاركة التاريخية بالعرس الديمقراطي.

وقال مخاطباً الشعب “أنتم تكتبون التاريخ، وستخلدكم القرون والأزمان القادمة، فهناك انتخابات تتم بأقل من نصف المشاركة التي أظهرتموها اليوم، حتى في البلدان المتقدمة”، وتابع “لقد وقفتم بجانبنا في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 (أول انتخابات يخوضها حزب العدالة والتنمية)، وحملتونا إلى السلطة، وظللتم معنا في كافة الاستحقاقات الانتخابية حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.”

وأضاف قائلاً “في المحاولة الانقلابية يوم 15 يوليو/تموز (2016) كنتم هنا، وقفتم تحمون مقر حزب العدالة والتنمية، والمجمع الرئاسي من الانقلابين، وانقذنا معاً البلاد من بين أيديهم”، واستطرد “واليوم أيضاً وقفتم بجانبنا في هذه الانتخابات التي تعتبر البوصلة التي من شأنها تحديد مستقبل وطننا لنصف قرن، بل لقرن من الزمان.”

وأشار أنه بعد مراسم أداء اليمين “سنحدد وزرائنا والمسؤولين وسنبدأ بتطبيق برنامجنا”، مضيفاً “سنعمل ليل نهار حتى لا تخسر تركيا لحظة واحدة من مستقبلها”، وشدد على أن تركيا “قدمت للعالم أجمع نموذجاً يحتذى به في الديمقراطية”، مشيداً باختيار الشعب له ولتحالفه. وذكر قائلاً “تلقينا الرسالة التي أعطاها شعبنا لحزبنا عبر صناديق الاقتراع، كونوا على ثقة من أننا سنخرج أمامكم خلال الفترة المقبلة وقد تلافينا كافة النواقص.”

 نزيهة أم لا؟

قال رئيس المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في البلاد، في 24 يونيو/حزيران 2018، كانت صحية.

في المقابل، أكد مرشح “حزب الشعب الجمهوري” الخاسر في انتخابات الرئاسة التركية، محرم إنجي خلال مؤتمر صحفي في أنقرة، أن “الانتخابات كانت غير نزيهة من حيث خطواتها الإجرائية، وإعلان نتائجها، وتلطخت بالدماء”، متابعاً “أردوغان أصبح رئيساً للشعب التركي، وعليه أن يحتضن جميع شرائحه”، وأضاف “السباق لم يكن عادلاً، ولكنني أعترف بفوز أردوغان.”

من جهة أخرى، قالت رئيسة المجموعة البرلمانية الألمانية – التركية في البرلمان الألماني، سيفيم داجديلين، إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا “ليست حرة ولا نزيهة”، مشيرة بأن الرئيس اردوغان “وصل إلى هدفه المتمثل في نظام رئاسي سلطوي من خلال التلاعب الذي بدأ قبل وقت طويل من يوم الانتخابات”، وتابعت “إن هناك ما يدعو للخوف من أن يدفع أردوغان تركيا إلى مستويات جديدة من التطرف.”

ترحيب إسرائيلي

حضرت اسرائيل من خلال تعليق أيوب كارا، الوزير المسؤول عن الاتصالات في إسرائيل وعضو حزب الليكود الإسرائيلي على العلاقات التركية – الإسرائيلية ذات الاصول التركية، على الانتخابات بالقو “الانتخابات فرصة لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل”، مضيفاً ان “أهمية تلك الانتخابات واضحة جداً، يمكنهم أن يجعلوا البلاد في حال أفضل أو إعادة الأمور إلى نصابها، كما أرى أن الشعب التركي في ضوء المناخ السياسي الموجود في تركيا حالياً، يريد تقارب تركيا مع إسرائيل كما كانت العلاقات سابقًا، وأتمنى أن يحدث ذلك.”

وكانت صحيفة “هآرتس” قد اعتبرت أن فوز اردوغان بالانتخابات “الخيار الأكثر إيجابية” بالنسبة لإسرائيل.

تجاوزات عديدة

يقول بعض المراقبين بأن الانتخابات شابتها الكثير من التجاوزات، منها ضبط وتوقيف أشخاص يحملون أكياساً فيها مئات الأوراق الاقتراعية، ودخول مجموعات مسلحة إلى مراكز انتخابية في المناطق النائية البعيدة عن عيون الإعلام والمجتمع الدولي، وتهديد الناس للتصويت لصالح أردوغان، حيث لقي قيادي في أحد أحزاب المعارضة حتفه نتيجة مشاجرة واسعة حصلت في مدينة أرزروم، كما نشرت صفحات إخبارية في لواء اسكندرون خبراً عن وصول قافلة من مقاتلي “الجيش السوري الحر”، من مدينة عفرين، للمشاركة في التصويت لصالح أردوغان، وذلك في باص منزوع اللوحة، وبمرافقة أمنية مشددة، وقد منعت المعارضة تصويتهم، وسرعان ما أصدرت ولاية هاتاي (لواء اسكندرون) بياناً تنفي فيه أن يكون هؤلاء سوريين وإنما من افراد الشرطة التركية، جاؤوا للتصويت، بينما أفاد ناشطون لمركز “سيتا” بأن رجال الشرطة ليس لديهم بالأساس حق المشاركة في الانتخابات، وأن إحدى الأوراق التي كانت بحوزة مسؤولي الباص كانت تحمل علم الانتداب السوري علناً.

ظاهرة التزوير مرتفعة

في حديث خاص لمركز “سيتا” قال الصحفي المختص بالشأن التركي، سومر سلطان، أن ظاهرة التزوير “كانت مرتفعة، خاصة في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا، حيث سلطة القانون ضعيفة نسبياً، تجعلنا نعتقد اعتقاداً قوياً بأن عدم نزاهة الانتخابات أثر تأثيراً حاسماً في تغيير مجراها، وإن على مرشح الرئاسة المعارضة، محرم إنجي، بذل جهود استثنائية لإثبات هذا. ولكن الملاحظ لدينا أن أردوغان لم يتمكن من تحقيق هدفه المتمثل بإنزال حزب الشعوب الديمقراطي، المقرب من الحركة الكردية، تحت حاجز الـ 10%. ولو أنه تمكن من هذا لحقق أغلبية برلمانية كبيرة، تسمح له بتغيير الدستور منفرداً، ودون الحاجة إلى رضا المعارضة، حيث أن قانون الانتخاب التركي يحتوي على قاعدة معروفة بإسم “السد”، تمنع الحزب الذي لم يحصل على 10% على الأقل من أصوات عموم البلاد من دخول البرلمان، وبحسب المشهد الحالي كان من المتوقع ان يحصد حزب العدالة والتنمية كل المقاعد التي هي بالأصل من حصة حزب الشعوب.”

ويتابع سلطان “إذن، في المشهد المقبل لدينا، أردوغان يحكم تركيا بقبضة حديدية، ما لم تحدث معجزة، ولكنه بنفس الوقت سيكون عاجزاً عن تمرير التغييرات الدستورية ومشاريع القوانين إلا في حال استمر بفرض حالة الطوارئ.”

واعتبر سلطان أن “الأزمة المالية تتعمق وتزداد فداحة، مع دين عام يتجاوز حاجز الـ 500 مليار دولار، وتوقعات بأن يصل الدولار إلى 10 ليرات تركية، بأضعاف قيمته قبل فترة قصيرة. أما من ناحية السياسة الخارجية، تشير المعطيات إلى انخراط تام في خطة “صفقة القرن”، التي وضعها جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية. وأما دور تركيا في هذه الصفقة فسيتمحور في اعادة التصالح والتنسيق مع السعودية في الميدان السوري، والتراجع عن التفاهمات التي وصلت إليها مع موسكو وطهران حول مناطق خفض التصعيد، بما يزيد تعقيد الأزمة السورية، ويجعل أفق حلها أكثر فأكثر صعوبة. لأن الإدارة الأمريكية تراهن على إنهاك دمشق في سبيل تمرير الصفقة.”

مصدر الأخبار: “سيتا” + وكالات.

مصدر الصور: عربي بوست + مركز “سيتا”