إعداد: مركز سيتا
في حربها المعلنة على حزب العمال الكردستاني، تمضي تركيا في ترسيخ تواجدها العسكري من خلال توسيع قاعدة بمنطقة متينا لتصبح الأكبر، ولكي تكون مركزاً لانطلاق العمليات العسكرية داخل العراق.
تأتي هذه الخطوة التركية في ظل تصريحات لوزير الداخلية سليمان صويلو – خلال اجتماع لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم – كشف خلالها عن مساعي لتكرار التجربة السورية في العراق عبر إقامة قواعد عسكرية وفرض السيطرة على الطريق نحو جبال قنديل، في وقت وصول فيه وزير الدفاع، خلوصي أكار، برفقة رئيس الأركان العامة وقائد القوات البرية لإحدى القواعد في كردستان العراق حيث أعلن عن تحييد 44 من عناصر الـ “بي.كا.كا” في عمليات “المخلب” بفصولها المستمرة.
فما هي مبررات التوغل التركي في أراضي العراق دون تنسيق مسبق مع بغداد؟ وما حقيقة الموقف العراقي خصوصاً وأنه اقتصر على الرفض والاستنكار؟
أهمية المنطقة
أعلن الوزير صويلو عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في منطقة ميتينا شمال العراق، مشيراً إلى أهمية المنطقة بالنسبة لبلاده. وفي إحاطة قدمها أمام اللجنة المركزية والمجلس التنفيذي لحزبه حزب “العدالة والتنمية” حول العمليات العسكرية للجيش التركي في ميتينا وزاب وأفاشين باسيان وقنديل في شمال العراق، أكد صويلو أن العمليات العسكرية ستستمر في شمال العراق ضد عناصر حزب العمال الكردستاني.
ايضاً، نقلت صحيفة DUVAR عن صويلو قوله إن “العمليات في شمال العراق ستستمر، منطقة ميتينا مكان مهم. كما هو الحال في سوريا سننشئ قاعدة هنا، ونسيطر على المنطقة. هذه المنطقة هي خط العبور إلى قنديل، سوف نحتفظ بها، هذا الخط سيكون تحت السيطرة.”
وقبل عام تقريباً، كشف مسؤول حكومي رفيع أن الجيش التركي يعتزم إنشاء 3 قواعد عسكرية جديدة في منطقتي سينات وهفتنين، شمالي العراق، مع مواصلة تنفيذ هجمات على تلك المنطقة، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع التركية، وذلك عبر عمليتي “مخلب البرق” و “مخلب الصاعقة” في منطقتي متينا وأفشين – باسيان شمال العراق.
في السياق نفسه، يقول اللواء العراقي المتقاعد ماجد القبيسي “إن الحكومة التركية توسع موقعاً عسكرياً في مدينة متينا، لتكون القاعدة الأكبر، وتصبح منطقة ارتكاز وانطلاق لعملياتها ضد حزب العمال، داخل العراق، لقاعدة الجديدة ستقدم تسهيلات عملياتية لقواتها، بما في ذلك مهابط للطائرات المروحية، وستخلق مناطق عازلة لمنع انتقال أو تحرك حزب العمال بين العراق وسوريا أو ضمن المنطقة ما بين قنديل ودهوك.”
ويضيف القبيسي بأن تركيا تمتلك 37 موقعاً عسكرياً في شمال العراق، مقسماً بين قاعدة ونقطة. هذه المواقع العسكرية قريبة من أربيل ومنطقة صوران، بالإضافة إلى قاعدتها الكبيرة في بعشيقة التي تبعد عن الحدود حوالي 80 كلم و40 كلم إلى الشمال الشرقي من الموصل، في حين يصل تواجد القواعد التركية داخل البلاد إلى عمق يتراوح ما بين 80 كلم إلى 10 كلم، وذلك حسب طبيعة المنطقة وساحة المعركة، موضحاً أنه وبالقرب من صوران، فإن تركيا تمتلك مواقع عسكرية في منطقتي خاوكورك وزاخو، ولديها 4 مراكز أمنية موجودة في مناطق كوخي وزاخو وبامرني والعمادية.
الغايات والأهداف
تمتد مناطق انتشار القواعد التركية في إقليم كردستان العراق على طول الحدود بدءاً من معبر “خابور” وصولاً إلى منطقة “صوران”. كما قامت أنقرة أيضاً ببناء قاعدة “سيدكان” وبضع مقرات عسكرية في منطقتي “ديانا” و”جومان” القريبتين من جبال قنديل، من أجل إحكام السيطرة على مناطق “خنير” و”خاوكورك” و”كيلاشين”.
وعليه، يكون الهدف التركي في السيطرة على منطقتي “حفتانين” و”متينا” اللتان تعتبران مواقع استراتيجية لتنفيذ عمليات عسكرية مستقبلية ضد المقاتلين الكرد، ومن أجل إحكام السيطرة على منطقتي زاب وزاغروس الجبليتين الوعرتين اللتين ينتشر فيهما مقاتلو حزب العمال الكردستاني.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف المقر العسكري في “دير لوك” إلى السيطرة على الطريق الواقع بين منطقتي “زاب” و”هكاري”، حيث يستطيع من خلال ذلك حصار عناصر حزب العمال الكردستاني، ناهيك عن قيام تركيا – عند حدودها مع إقليم كردستان في منطقة زاب – ببناء المركز العسكري (49) الذي ترتبط به مراكز عسكرية منتشرة في مناطق إليا جيلي وكري وشيكير وسيفري تبه وسري سيفه، وكتيبة الهجوم الصاروخي وسرايا في محيط بيليجانوخان تبه وآرتوش.
من خلال ما سبق، تعلن أنقرة أن الهدف الأساس من إقامة تلك القواعد هي ملاحقة المقاتلين الكرد، وتحديداً أعضاء حزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعاً مسلحاً معها منذ العام 1984 من أجل نيل حقوق الكرد داخل تركيا – بحسب رأيه – الذين يتجاوز عددهم الـ 20 مليون شخص.
إلا أن بعض المراقبين يرون بأن أنقرة تقوم بتوسيع نفوذها العسكري داخل العراق كي يكون لها مكان في تقرير بعض سياسات هذا البلد، في حين يذهب البعض الآخر للقول بأنها تتذرع بمقاتلة الكرد كما تذرعت بحماية التركمان عند إقامتها لقاعدة بعشيقة – وذلك بحسب إتفاقية أنقرة، يونيو/حزيران 1926 المبرمة بين تركيا وبريطانيا العظمى – وذلك من أجل توسيع نفوذها العسكري داخل العراق على أمل إستعادة تلك المنطقة التي سلخت عنها، العام 1923، بعد سقوط الدولة العثمانية ومجيء مصطفى أتاتورك إلى سدة الحكم فيها.
موقف بغداد
نددت بغداد بالخطوات “غير المنسقة” واعتبرتها انتهاكا لسيادة العراق، حيث سبق أن طالبت أنقرة بإنهاء أنشطتها العسكرية على إقليمها، لكن الأخيرة لا تزال تتهم جارتها بالتسامح مع وجود حزب العمال الكردستاني فوق أراضيها، وترفض إنهاء هجماتها عبر الحدود.
على الصعيد النيابي، استهجن ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، تصريحات وزير الداخلية التركي حيث أشار في بيان له أنه “يرفض إعلان وزير الداخلية التركي عن نية تركيا إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في العراق، ويعده استمراراً بسياسات الإنتهاك للسيادة العراقية”، كما طالب الائتلاف “الجهات الرسمية والوطنية باتخاذ الإجراءات المطلوبة للحفاظ على سيادة العراق”، داعياً الحكومة التركية لإعادة النظر بسياساتها تجاه بلاده حفاظاً على المصالح المشتركة والإستقرار وحسن الجوار.
أخيراً، تترافق هذه الأحداث مع حصول أمر خطير يتمثل بإغلاق أنقرة لبوابات مياه نهر الفرات من الداخل التركي حيث تدنى مستوى المياه بحدود الـ 5 أمتار، وهو ما أثّر على كل من سوريا – لجهة ري المزروعات والكهرباء – والعراق كون هذا النهر يشكل شرياناً حيوياً لهما، ما يعني زيادة الضغوط على كلا البلدين، وهو ما يفسر ايضاً وبلغة السياسة على أنه نوع من “تنبيه” الطرفين لوجود عنصر أساسي، أي أنقرة، لا يمكن الإستغناء عنه بسبب تأثيره المباشر وعلى المستوى الأمن القومي – الأمني والمائي – خصوصاً إذا ما لاحت في الأفق بوادر تسويات مقبلة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الحرة – المجلة.
موضوع ذا صلة: الوجود العسكري التركي في شمال العراق