علوان أمين الدين*

 

مع اختتام أعمال “منتدى التعاون الصيني – العربي” الثامن في بكين، استتبع حلول أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، كـ “ضيف شرف” على المنتدى الكثير من التحليلات حول حقيقة الدور الصيني المستقبلي في الكويت خصوصاً مع “البناء” على كلمة الأمير والتي قال فيها حرفياً “بدأنا الحديث مع أصدقائنا في الصين عن مشاريع مستقبلية عملاقة تجسد الشراكة الحقيقية. كما وباشرنا باتخاذ خطوات عملية في هذا الشأن كمشروع مدينة الحرير والجزر الكويتية وذلك لثقتنا المطلقة بتوجهات القيادة الصينية حيال التعامل معنا والمصداقية التي لمسناها من خلال ذلك التعامل.”

من هنا، ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى “تحليل وتفكيك” كلمات هذا الخطاب بشكل واسع، حيث نشرت تعهد الصين “باستثمار 450 مليار دولار في جزيرتي فيلكا وبوبيان، في بناء فنادق ومنتجعات وجامعات ومدارس، ومراكز تجارية وأبنية للمصارف والمؤسسات الاستثمارية، فضلاً عن المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى. الجزيرتان استأجرتهما الصين لمدة 99 سنة، وستتولى حمايتهما أمنياً واستراتيجياً حسب القوانين الدولية، واشترطت الكويت على الصين إيداع وديعة بـ  50 مليار دولار كقيمة متجددة لحساب الحكومة الكويتية، كما ستدفع الصين 40 مليار دولار لمدينة الحرير الكويتية، لجعلها المركز المالي في العالم العربي.”(1)

في ظل عدم توافر معطيات رسمية تؤكد هذه المعلومات، يبدو أن هناك “مغالاة” في تضخيم دور الصين، لا سيما في منطقة الجزيرة العربية، خصوصاً لمن هو باحث في الشأن الصيني ويعرف الكثير عن سياسة بكين الخارجية غير العدائية.

من هنا، يمكن إلقاء الضوء على بعض الأمور الهامة في هذا الخصوص، وأبرزها:

  1. ما بات متعارفاً عليه عالمياً اليوم أن وجود مصالح اقتصادية لدولة ما، خصوصاً العظمى والكبرى منها، يستتبع القيام بحمايتها أمنياً وعسكرياً، وبالتالي إن وجود حجم ضخم للاستثمارات، كما ورد من معلومات أعلاه، يحتم على الصين وضع خطط شاملة لحمايتها. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل تستطيع الصين، بقدراتها العسكرية البحرية المحدودة، حماية هذه المصالح بالشكل الذي تقوم به الولايات المتحدة، التي تمتلك قرابة 11 حاملة طائرات بالخدمة؟ بالطبع لا.
  1. إن طبيعة السياسات الخارجية الصينية لا تجنح إلى استعمال القوة أو الدخول في نزاعات عسكرية. فهي كـ “قوة رخوة” تحتاج إلى التمدد، تريد الحفاظ على نوع من التوازن بين الشقين الاقتصادي، الأهم، والأمني، المهم.
  1. يقول الدكتور عبد الله الشاجي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، إن الصين برغم قوتها لا تملك أسطولاً بحرياً يمكنه القتال خارج الحدود الصينية وهي تركز على المناطق القريبة لها أكثر من تلك البعيدة عنها، كما أنها لا ترغب في الدخول بصدام عسكري مع الولايات المتحدة.(2) إن ما أورده الدكتور الشاجي هو عين المنطق والصواب خصوصاً إذا ما قاربنا الموضوع من الناحية العسكرية.
  1. على سبيل المثال، إن التواجد العسكري الصيني في جيبوتي، بعد افتتاح قاعدة عسكرية هناك، والحديث عن قيام بكين بإنشاء قاعد عسكرية في ميناء “غوادار” الباكستاني يختلف تماماً عن مسألة إقامة قاعدة مماثلة ضمن منطقة الخليج، على الأقل في المستقبل القريب، أي في الكويت. فالوجود الصيني في جيبوتي ارتكز على حماية القوافل التجارية بعد عمليات القرصنة التي شهدتها منطقة باب المندب، الذي كان مطلباً دوليا أيضاً. أما بالنسبة إلى باكستان، فهناك ممر يصل بين البلدين، وبالتالي تعتبر المنطقة، من الناحية الجيوبوليتيكية، متصلة برياً إضافة إلى أن هذا الميناء يعتبر من المنافذ الأساسية للصين للإفلات من حزام التطويق الأمريكي، مما يمكن اعتباره أمناً قومياً صينياً.
  1. إن التواجد العسكري الصيني في منطقة الخليج قد يضر بمصالحها أكثر بكثير مما يفيدها، لا سيما مع التواجد العسكري الأمريكي الكثيف، سواء البري أو البحري، في تلك المنطقة منذ عقود. فحماية وتأمين تدفق النفط إليها قد يكون في الابتعاد عن تلك المنطقة أكثر من القرب إليها، لا سيما في الوقت الحالي وقبل إنجاز مشروع “قوة سيبيريا” المشترك مع روسيا الذي سيؤمن جزءاً أساسياً من احتياجات الطاقة. من هنا، يمكن القول بأن اوراق واشنطن تتفوق على تلك التي تمتلكها بكين.
  1. بالرغم من “الابتزاز” الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها، إلا أن الدول العربية، خاصة تلك التي تدور في فلك واشنطن، لا تستطيع القيام بأي تحول استراتيجي نوعي نحو الصين بطريقة مباشرة وسريعة كما هو مطروح. فعملية الانتقال من قطب إلى قطب آخر يلزمها متطلبات عديدة أبرزها ضعف المحور المنضوية تحته، وفقدانه لمسألة الحفاظ على أمنها، وهو ما لم يحصل مع واشنطن حتى اليوم. فهناك فرق جوهري كبير بين الدول العظمى، كالولايات المتحدة، والدول الكبرى، كالصين وروسيا. وبالتالي، يحتاج الأمر إلى تغير جذري في معطيات وطريقة دوران النسق الدولي القائم، وهو ليس بالأمر السهل.

*مؤسس ومدير مركز “سيتا”

مصدر الصورة: سي أن أن عربية.

المراجع:

(1) الصين في الكويت: تغيير قواعد اللعبة! 11/7/2018. جريدة اللواء اللبنانية. على الرابط التالي:

https://bit.ly/2L77AZg

(2) راجع:
https://bit.ly/2zFrDcT