عمار طوالبه*

وحدهم الساسة العراقيون هم من تفاجئ بالمشهد الغاضب للجماهير التي اجتاحت شوارع البصرة وبغداد والنجف. لقد كان على “ولاة الأمر” في العراق، على اختلاف مرجعياتهم الإقليمية، أن يتوقعوا نتيجة كهذه بعد كل السياسات الذي مارسوها على مواطنيهم المنهكين طيلة السنوات الماضية.

فلطالما تساءل العراقيون، ومنذ سنوات طويلة، عن أموال النفط وآليات أنفاقها في الوقت الذي تغرق فيه البلاد بموجة من الفقر المدقع وغياب الخدمات والإهمال المقصود وغير المقصود، وتراجع مستوى التعليم والتربية، وانتشار حالات الإعتداء على المعلمين والإطباء، وقطع الطرقات والتجاوزات التي يرتبكها مسلحون محسوبون على جهات سياسية مختلفة.

كل تلك الويلات، وبرأي الكثير من المراقبين، تتحمل مسؤوليتها الحكومات العراقية المتعاقبة والسياسيين الذين انخرطوا فيها مقابل الحصول على النفوذ والأموال والصفقات، فالشعب العراقي، وفي ظل كل هذا الخراب واجتياح “داعش” لمدنه بشكل دراماتيكي، بقي يراقب الحراك السياسي بكل ما حمله من “إلتفافات ومساوامات” طالت حتى مفاصل العمل الأمني والعسكري، وأدت الى تأخير معالجته في كثير من الأحيان، الى ان تفاقمت التجاذبات حول قانون الإنتخابات الذي “سخرته” القوى السياسية لخدمة أجندتها في تعبيد أقصر طريق للعودة إلى البرلمان رغماً عن إرادة الشعب.

لقد بات شغل العراقيين الشاغل، والذين عانوا من تأخر مستحقاتهم في البلد الأغنى بالنفط والثروات، مراقبة “بازار” الموازنة الذي عاشه البرلمان لأشهر، ليأتي بعدها انفصال إقليم كردستان ويكرس الشرخ العميق الذي خلفه في نفوس أبناء البلد الواحد، والذي يتحمل مسؤوليته الساسة الكرد ونزوع الملايين من أنباء كردستان نحو ميول ساستهم. ويعود سبب هذا الإجراء، بحسب الكثير من المطلعين، إلى انتشار الفقر والحرمان، وتقصير الحكومة المركزية في بغداد، اللذان ولدَّا شعوراً متنامي بعدم الإنتماء لعراق واحد حيث تُرك أبناء الإقليم “لقمة سائغة” للقوى السياسية المسيطرة فيه.

لقد أجهض السياسيون، من خلال الانتخابات، الأمل الوحيد المتبقي للعراقيين إذ صرفت أموال طائلة لشراء معدات الفرز الإلكتروني، والتي خرجت من جيوبهم، لتذهب هباء بعد التلاعب الكبير بنتائج الإنتخابات وإعادة الفرز ومحاولات القفز على حقيقة أن الشعب أسقط الإنتخابات قبل صدور النتائج حينما عزف عن المشاركة فيها. رغم ذلك لم يقرأ حكَّام العراق الرسالة، فعمدوا إلى إحراق الصناديق مطلقين الرصاصة الأخيرة على أي عملية ديمقراطية في البلاد. وفيما تأكل النيران صناديق الإقتراع، استمر الساسة في عقد التحالفات والتفاهمات لاقتسام “فتات الكعكة” وكأن شيئاً لم يحدث.

عام مر على الإنجاز الذي تتفاخر به الحكومة العراقية، والمتمثل في تحرير الموصل من “داعش”، دون أن تفكر في إعادة إعمار تلك المدن وانتشال أهلها من الفقر والعوز والتشرد الذي بات قدراً لهم.

يعرف ساسة العراق اليوم ما عليهم فعله والشعب يريد أن يعلمهم ما لا يعلمونه. الفوضى التي تشهدها بعض مدن العراق هدامة كالفوضى التي خلفها غزوه لكن غضبة الشعوب لا ترحم..

*إعلامي أردني_ سوري

مصدر الصورة: القدس العربي.