إعداد: يارا انبيعة
ليس من قبيل التزايد في التقدير القول بأن من أهم ما يميز أولويات السياسة الخارجية للسعودية وباكستان، هو انسجام توجهات الدولتين في سياساتها مع حقائق الجغرافيا والتاريخ التي تجمعهما، وتحول هذا التوافق في التوجهات إلى تحالف تاريخي. فالسعودية قبلة العالم الإسلامي وقلبه الجغرافي، وتحظى بدور ريادي على الصعيدين الدولي والإقليمي، وتلعب دور مؤثر للغاية في حفظ توازنات أسعار النفط، واقتصادها ضمن أقوى الاقتصادات في العالم.
بينما تشكل باكستان احدى الروافد البشرية لدول الخليج، ناهيك عن أن إسلام آباد تمتلك “القنبلة النووية الإسلامية” التي تتعتبرها العديد من الدول الإسلامية سنداً لها وقوة ردع في مواجهة أية تداعيات مستقبلية.
ثقل إستراتيجي
تمثل باكستان مكوناً أساسياً لجغرافيا العالم الإسلامي في جناحه الشرقي، وتملك 1046 كيلومتراً من الحدود الساحلية المطلة على المحيط الهندي على طول بحر العرب وخليج عمان، وهو ما يجعلها على مرمى حجر جغرافياً من شبه الجزيرة العربية ومرتبطة بها في قضايا عديدة كالأمن المائي. إضافة إلى ذلك، يقترب تعداد باكستان من مئتي مليون نسمة ما يجعل منها خزاناً بشرياً داعماً للسعودية وبقية الدول الإسلامية؛ فمن الناحية العسكرية، لدى باكستان جيش كبير يندرج ضمن أقوى جيوش العالم، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية متطورة، وتتراكم لديها خبرات واسعة في هذا المجال.
مصالح متبادلة
وصل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد على رأس وفد كبير ضم وزراء ورجال أعمال في زيارة تستمر يومين يوقع خلالها على 8 مذكرات تفاهم في المجالات الإقتصادية تقدر قيمتها بـ 20 مليار دولار. ورافق هذه الزيارة إجراءات أمنية شاملة ومشددة تمثلت في تسيير دوريات إضافية وإقامة حواجز على الطرق الرئيسية، كما قررت الحكومة الباكستانية قطع خدمات الهواتف الخلوية قبيل وصول ولي العهد، ونشر قوات من الجيش لتأمين الطرق التي سيسلكها موكبه، إضافة إلى تأمين محيط رئاسة الوزراء حيث سيقيم، كما أعلنت يوم الوصول عطلة رسمية، وفرضت قيوداً مشددة على مواقع التواصل الإجتماعي والتظاهر تحسباً لأي احتجاجات.
إطلاق السجناء
قبل أن يصطحبه رئيس الوزراء الباكستاني في سيارة قادها بنفسه إلى العاصمة إسلام آباد، قال عمران خان “السعودية كانت لنا دوماً صديقاً وقت الضيق، وهذا ما يجعلنا نقدرها للغاية”، وأضاف “أود أن أشكرك، على الطريقة التي ساعدتنا بها، حين كنا في وضع صعب”، لكن خان دعا بن سلمان إلى معاملة العمال الباكستانيين في بلاده على مستوى المواطنين السعوديين، وطالبه باتخاذ إجراءات، من أجل الإفراج سريعاً عن نحو 3000 سجين باكستاني في السعودية.
في المقابل وبناء على طلب رئيس الوزراء الباكستاني، أصدر بن سلمان توجيهاته بإطلاق سراح نحو 2107 سجين باكستاني من السجون السعودية فوراً.
مبالغ ضخمة
وقعت الرياض وإسلام آباد على 7 اتفاقيات ومذكرات تفاهم ثنائية بين الجانبين بإستثمارات بلغت 21 مليار دولار. وقال ولي العهد “إن المملكة وقعت اتفاقيات استثمار مع باكستان بقيمة 20 مليار دولار”، مصرحاً يشكل مرحلة أولى للتعاون وسيزيد بالتأكيد كل شهر وكل سنة وسيفيد كلا البلدين. وتتمحور معظم الإتفاقيات الموقعة في مشروعات الطاقة ومن بينها مصفاة ومجمع للبتروكيماويات، تكلفتهما 10 مليارات دولار في ميناء غوادار حيث تشيد الصين ميناء.
هذا وقد نشرت وكالة الأنباء السعودية الإتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية بين الجانبين، وهي:
– تعاون فني بين الهيئة السعودية للمواصفات، والمقاييس والجودة والهيئة الباكستانية للمواصفات وضبط الجودة.
– اتفاقية تمويل توفير كميات من الزيت الخام، ومنتجات بترولية إلى باكستان بين الصندوق السعودي للتنمية والحكومة الباكستانية.
– مذكرة تفاهم إطارية بين الصندوق السعودي للتنمية، والحكومة الباكستانية لتمويل مشاريع توليد للطاقة الكهربائية في باكستان.
– مذكرة تفاهم لدراسة فرص الاستثمار، في قطاعي التكرير والبتروكيماويات في باكستان.
– مذكرة تفاهم في مجال قطاع الثروة المعدنية في باكستان .
– مذكرة تفاهم في مجال تطوير مشروعات للطاقة المتجددة في باكستان.
– اتفاقية تعاون في مجال الرياضة.
أكبر مشروع بتروكيميائي
وقعت السعودية وباكستان اتفاقية تنفيذ مصفاة أرامكو في ميناء غوادار بقيمة 10 مليارات دولار، حيث ستكون المصفاة السعودية تلك عبارة عن محطة رئيسية داخل الميناء وضمن مبادرة “الحزام والطريق”، إذ يعتبر الميناء هو الأقرب إلى مدينة شينجيانغ الصينية الصناعية من خلال الممر البري بين البلدين، إضافة إلى أهميته لجهة موقعه، في جنوب غرب باكستان، ودوره في حركة التجارة النفطية، مع إطلالته على بحرالعرب بالقرب من مضيق هرمز والذي يشهد مرور ثلث نفط العالم من هذا المضيق.
وتهدف السعودية من ذلك إلى الاستثمار في البنية التحتية للميناء، وتنفيذ أكبر مصفاة نفط في العالم، كما تهدف إلى تعزيز العمق الاستراتيجي لها داخل شبه القارة الهندية.
تعميق وتقوية للعلاقات
كتب وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، على موقع تويتر “زيارة ولي العهد إلى باكستان والحفاوة، التي استقبل بها من قبل رئيس الوزراء، والشعب الباكستاني الشقيق، تؤكد قوة وعمق العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين الشقيقين، التي تعود لسبعة عقود، وتبشر بمستقبل مشرق للبلدين”، ولفت الفالح إلى أن السعودية وقعت عدداً من مذكرات التفاهم في قطاعات التكرير والبتروكيماويات، والطاقة المتجددة، والتعدين، بالإضافة إلى اتفاقية لتزويد باكستان بالزيت الخام والمنتجات البترولية بهدف تأمين احتياجاتها من الوقود.
إلى ذلك، اعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن علاقات بلاده العسكرية مع إسلام آباد قوية جداً، مشيراً إلى رغبة الرياض في تنميتها خلال الفترة المقبلة، حيث قال “علاقاتنا العسكرية مع باكستان قوية جداً وواعدة”، مضيفاً “نعمل على أن نجعلها أكثر قوة في المستقبل”، كما اعتبر الجبير أن الاتفاقيات التي أبرمت بين البلدين تشكل خطوة أساسية في الإتجاه الصحيح، موضحاً أن الهدف يكمن في حضور للتنمية السعودية في باكستان. وتابع الجبير “سيكون هناك مئة مليون سائح بين البلدين، في يوم من الأيام، وأعتقد أنه في السنوات العشرين المقبلة، سيكون هناك تطور أكبر في هذا المجال”، واستطرد “نرحب بباكستان اقتصادياً وسياسياً، وأمنياً أيضاً، ونؤمن بهذه المنطقة ولذلك نستثمر فيها، وسيكون لدينا شرق أوسط عظيم تحيطه باكستان.”
تقييم بوجهين
بخصوص الزيارة، يرى العديد من المحللين بأنها محاولة من جانب ولي العهد لتجميل صورته. من جهتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية حيث قالت “إن الدافع لزيارة بن سلمان لبعض الدول الآسيوية هو غضبه من الغرب الذي وجه إليه كثيراً من الإنتقاد”، وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الزيارة تعتبر تحولاً إستراتيجياً في سياسة الخارجية السعودية، وأنها تجيء وسط استمرار لعرقلة قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، والحرب في اليمن، واضطراب علاقات المملكة مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية.
في المقابل، يمكن القول إن كلاً من السعودية وباكستان تحرصان، منذ تبادل الإعتراف الدبلوماسي قبل ما يزيد على 70 عاماً، على تسخير إمكاناتهما بما يعود على شعبيهما بالنفع في كل المجالات، وتحويل أرض كل منهما إلى عمق استراتيجي للدول الأخرى. في هذا الإطار، أبرمت الرياض وإسلام آباد معاهدة صداقة بينهما، في 25 نوفمبر/تشرين الأول عام 1951 خلال عهد الملك عبد العزيز، تتكون من خمس مواد، نصت المادة الثالثة منها على “تعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بأن يمنعا أياً كان من استعمال بلادهما قاعدة لأعمال غير مشروعة ضد بلاد الفريق الآخر”.
هذا، ولا تقتصر اهتمامات السياسة الخارجية للدولتين على التركيز على مصالحهما المشتركة فحسب، إذ غالناً ما تأخذ في الحسبان مصالح العالم الإسلامي. وفي هذا الإطار، تشترك كلاً الرياض وإسلام آباد في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يتخذ من الرياض مقراً لقيادته إذ يتولى منصب قائد التحالف الفريق رحيل شريف، وهو ضابط سابق في الجيش الباكستاني.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: بي.بي.سي – العرب اليوم – Foreign Affairs.