إعداد: يارا انبيعة
اختتمت أعمال قمة “بريكس” العاشرة التي عقدت، في مدينة جوهانسبرغ بجنوب افريقيا ما بين 26 – 28 يوليو/تموز 2018، تحت عنوان “بريكس في إفريقيا: الشراكة والنمو الشامل من أجل الرفاه المشترك في الثورة الصناعية الرابعة”، حيث دعا فيها القادة المشاركون إلى عمل مشترك لحل الأزمات السياسية والاقتصادية حول العالم.
هذا وعقد قادة الدول الأعضاء الخمس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، اجتماعاتهم في اليومين الأولين من القمة، في حين عقدت الدول المدعوة غير الأعضاء فيها جلسات “بريكس موسعة”، اذ شاركت كل من تركيا وأثيوبيا وأنغولا وزامبيا وناميبيا والسنغال والغابون وتوغو وأوغندا ومصر والأرجنتين وإندونيسيا وجامايكا والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في القمة بصفة مدعوين.
نحو توحيد الإستراتيجيات
أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عزم بلاده زيادة المساعدات التي تقدمها للدول الافريقية في مجال تنمية وتطوير قطاع الطاقة لديها، وقال بوتين “أود التأكيد بشكل خاص على عزم روسيا زيادة مساعداتها في تنمية الطاقة الوطنية في الدول الإفريقية”، ويجري حالياً مع عدد من الدول الإفريقية من بينها أنغولا وموزامبيق والغابون تنفيذ مشاريع نفط وغاز ذات آفاق واعدة.
وأشار بوتين إلى أن موسكو تعمل على فكرة عقد قمة “إفريقية – روسية” على مستوى رؤساء الدول، لافتاً إلى أنه قد يسبقها لقاءات رجال الأعمال والخبراء والشخصيات الاجتماعية البارزة، داعياً “الشركاء في إفريقيا” إلى الانضمام لتنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لـ “بريكس” على جميع اتجاهاتها، الاقتصاد والقطاع المالي والأمن الغذائي والتي تم اعتمادها في العام 2015.
ضمن السياق نفسه، دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الى توسيع التعاون مع الدول الإفريقية في إطار “بريكس”، قائلاً “في وجه التحديات المشتركة من المهم بالنسبة الى الأسواق الناشئة للدول النامية تعزيز الوحدة والتعاون، ونظراً لذلك أود أن اقترح توسيع التعاون في إطار بريكس وتعميق شراكتنا التي تفيد جميعنا.”
“لن نتخلى عن الدولار”
قال الرئيس بوتين ان روسيا تسعى إلى “التقليل من المخاطر” المرتبطة بالعقوبات من خلال التخلص من سندات الخزينة الاميركية لكن دون “التخلي عن الدولار” محذراً من أن “الخلافات السياسية” تضر بالثقة في العملة الأمريكية، مضيفاً “نحن نستخدم أنظمة الدفع والعملات كحجج سياسية في الخلافات السياسية، وفي رأيي أن هذا يضر بالدولار كعملة للاحتياطي العالمي”، وأشار إلى أنه في هذه الأجواء تقول العديد من الدول الآن إنه “يجب إنشاء عملات جديدة للاحتياطي لجعل الاقتصاد العالمي أكثر استقراراً، موضحاً أن الدولار “عملة احتياط عالمية”، وأنه “يمكن لليورو أن يكون كذلك لكن بقدر أقل”.
تعددية قطبية.. تجارية
دعا البيان الختامي للقمة الى دعم نظام تجاري شفاف ومتعدد الأطراف واتخاذ خطوات لإنهاء النزاعات الجارية في أجزاء مختلفة من العالم، كما دعا الى التعاون في مجالات عديدة من الطاقة الى الزراعة ومن التكنولوجيا الى مشكلة المياه، فضلاً عن الدعوة الى انهاء الصراعات في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الى ذلك، ندد قادة مجموعة بريكس بـ “التحديات غير المسبوقة” التي تهدد تعددية الأطراف، وذلك رداً على الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة. وفي بيان مشترك، أعرب الرؤساء عن قلقهم بشأن آثار تدابير سياسة الاقتصاد الكلي التي إتخذت في بعض الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، محذرين من أن هذه الإجراءات يمكن أن تسبب تقلبات اقتصادية ومالية في الاقتصادات الناشئة وقد يكون لها تأثير في آفاق نموها، مشيرين الى ان “النظام التجاري متعدد الأطراف” يواجه تحديات غير مسبوقة، مسلطين الضوء على أهمية وجود “اقتصاد عالمي مفتوح” يسمح لكل الدول وجميع الشعوب بأن يتشاركوا فوائد العولمة.
كما دعت الدول الخمس، في البيان، جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية إلى احترام قواعد هذه المنظمة والوفاء بالتزاماتهم في نظام تجاري متعدد الأطراف، وهذا النداء موجه مباشرة إلى الولايات المتحدة التي اتخذت في الأشهر الأخيرة إجراءات تجارية معادية لكل من بكين وبروكسل وموسكو وغيرها.
“منتدى أفعال لا محفل أقوال”
وصفت بريتوريا اعمال الاجتماع بأنها “ناجحة”، حيث قال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، ان “قمة بريكس ليست محفلاً للكلام ولكنها منتدى يضم خمس دول تريد ان ترى أفعالاً”، مضيفاً “أن بلدان بريكس ستعمل معاً لتحقيق وضع متقدم في الثورة الصناعية الرابعة.” وأكد الرئيس رامافوسا ان المجموعة “تنبض بالحياة” بالفعل، ولديها تأثير على شعوب العالم، مشيراً الى ان افريقيا قد تمثلت من خلال بلده حيث استخدمت أكثر من طريقة لجعل هذا الحدث أداة للتنمية الجماعية في القارة.
دعم الدول النامية
دعا المهندس شريف إسماعيل، مساعد رئيس الجمهورية المصرية للمشروعات القومية والاستراتيجية ورئيس الوزراء المصري الاسبق، دول “البريكس” للتعاون مع البنك الدولي لمساعدة الدول النامية في تطوير اقتصادياتها، قائلاً “الاقتصاد المصري متوازن وفقاً للإجراءات الموجودة والتي تتم على مستوى القارة الأفريقية، وتدعو لإنشاء أنظمة اقتصادية قوية”، وأضاف إسماعيل ان مصر “تعمل على توسيع قاعدة المستفيدين منها من خلال المشاركة فى القوى الاقتصادية العالمية، وتسعى لتنفيذ خطط الإصلاح لعام 2030، المعتمدة على البيئة الدولية الخاصة بتطوير قدرات كل دولة وسهولة تعاملها مع الدول الأخرى”، متابعاً ان بلاده “تسعى دائماً لدعم الالتزامات الدولية ودعم الدول النامية، ودعم التعاون الجنوبي كأحد المساعي الرامية لتطوير الدول النامية وهو بديل عن تعاون الشمال والجنوب.”
عالم “أممي” جديد
عن هذه القمة، قال المحلل الإستراتيجي سمير الحسن لمركز “سيتا” انها “أتت كمحاولة لإعادة الاستقرار الى العالم على مختلف الصعد الاقتصادية والامنية والسياسية والاجتماعية بعد الاضطراب العالمي الذي تسبب به انفلات الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضد مختلف دول العالم عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، وغلبة حالة القطب الواحد على العالم. فلقد وصَّت دول البريكس بإعادة الاستقرار العالمي عبر دعوتها الى تكريس الأمم المتحدة كمرجعية وحيدة لحل المشاكل الدولية، وكأننا نخرج اليوم من حرب عالمية على غرار الحرب العالمية الثانية، اذ يجب اعتماد الامم المتحدة كمرجعية وحيدة للحلول الدولية وليس دول الغطرسة، الولايات المتحدة وحلفاؤها.”
واضاف الحسن “دعت القمة الى منع التدخلات في شؤون الدول، والاعتراف بالسيادة السورية، ووقف العدوان على اليمن. اي بمعنى آخر الانسحاب من الحروب التي افتعلها نظام العولمة الجديد، والعودة الى الاستقرار الدولي. أما على المستوى الاقتصادي، فقد طرحت القمة قوانين منظمة التجارة العالمية والانفتاح، اذ يبدو ان ذلك لم يكن ليعجب واشنطن التي حاولت فتح حرب اقتصادية مع الصين. بإختصار، تعيد البريكس العالم الى الاستقرار، وتنبئ بعالم جديد سيخرج من الحروب الى السلام بالتدريج، والبداية بنهاية الازمة السورية.”
مصدر الأخبار: وكالات + “سيتا”
مصدر الصور: التلفزيون العربي.