إعداد: مركز سيتا
منذ بداية تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ على الفور مسلسل الإقالات والإستقالات سارياً في إدارته الأمريكية الجديدة مسجلاً رقماً قياسياً لم يسبق حدوثه في تاريخ الولايات المتحدة. فظاهرة تكرار الإقالات، تكشف عن خلل عميق داخل البيت الأبيض، لتكون الإدارة غير مستقرة، وغير كاملة في ظل وجود أماكن شاغرة في المناصب بالصف الثاني في القيادة الأمريكية.
منصة فعالة للسيطرة
على نحوٍ مثير للجدل، يستخدم الرئيس ترامب موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” كوسيلة للإعلان عن سياساته وآرائه وقراراته تجاه العالم، ولعل أبرزها إقالة مسؤوليه من على هذه المنصة، إذ لا يكاد يمر أسبوع أو أقل إلا ويثير الرئيس ترامب جدالاً جدياً في العالم، وغالباً ما يبدأ الأمر معه على حسابه الخاص في “تويتر”، الذي لا يتوانى من خلاله عن مهاجمة أو انتقاد أو الرد على ما يحصل من أحداث وتطورات أو حتى على مَن يزعجه من معارضين وسياسيين أو شخصيات رياضية أو فنية أو غيرهم من المشاهير الذين لم يسلموا من انتقاداته اللاذعة.
فلقد أصبحت تغريدات الرئيس ترامب تتصدر عناوين الأخبار الرئيسية ومن الصعب تجاهلها أبداً. ولهذا، ربما أصدر البيت الأبيض، قبل عامين تقريباً، بياناً يعتبر تلك التغريدات بمثابة تصريحات رئاسية رسمية بكل ما تغطيه من موضوعات.
أسلوب متّقد
قد لا يمكن غض النظر عن أن الموضوع أصبح يثير لا الغرابة وحسب في نفوس الآخرين، وإنما الخوف أيضاً. ففي السنوات الأخيرة، استخدم علماء النفس بشكل متزايد أدوات ومفاهيم العلوم النفسية لإلقاء الضوء على حياة العديد من الشخصيات البارزة في العالم، ولا عجب أن حساب الرئيس ترامب وردوده قد جذب انتباه العديد من هولاء العلماء والخبراء.
وفي هذا الصدد، يرى جورج لاكوف، الفيلسوف الأمريكي وعالم اللغويات المعرفية والأستاذ في جامعة كاليفورنيا، أن الرئيس ترامب يستخدم وسائل التواصل الإجتماعي كـ “سلاح” للسيطرة على دورة الأخبار بطريقة تكتيكية واستراتيجية مدروسة، فهو يهدف من خلال تغريداته الهيمنة على وسائل التواصل تلك من خلال إثارة الجدل حولها، وإعادة تغريدها وتكرارها في وسائل الإعلام الأخرى بشكلٍ متكرر وهائل.
ويضيف الفيلسوف لاكوف، أن تغريدات الرئيس ترامب “ليست مجنونة أو مهووسة” بل إنها طريقة فعالة وذكية لجعل الصحافة تركز على ما يريد أن يركز عليه دون أي شيء آخر، إذ تركز تغريداته كل الإهتمام على الطريقة الغريبة لتصرفاته وردود أفعاله، ما يجعل “هراءه”، بحسب لاكوف، أهم شيء في العالم يجب تداوله والحديث عنه.
إرباك في المكتب البيضاوي
أما عن آخر الإقالات، فقد إتهم الرئيس ترامب مستشار أمنه القومي، جون بولتون، بأنه وراء الإخفاق في ملف فنزويلا على وجه الخصوص، إلى جانب اتهامه بإخفاء معلومات عن وزير الخارجية، مايك بومبيو، ليعلنها هو ويصبح في نظر الرئيس “المميز” في فهم ما يجري على الساحة الدولية.
من ناحية، يبدو أن هناك خلافات حادة وصلت إلى حد القطيعة بين بومبيو وبولتون. ومن ناحية أخرى، يبدو أنه لم يرق للرئيس ترامب توجهات وآراء مستشاره للأمن القومي، فكانت إستقالة بولتون بمثابة الصاعقة في الولايات المتحدة، الأمر الذي أحدث ارتباكاً كبيراً في الأوساط السياسية والتشريعية الأمريكية خصوصاً بعد المعارك الأخيرة بين بولتون وبومبيو، كما أسلفنا، فضلاً عن معارضته الرئيس ترامب بشدة خصوصاً عندما قرر الأخير إستضافة حركة طالبان في منتجع “كامب ديفيد” خلال إحياء ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. أما المشكلة الكبيرة والواضحة بين الرجلين تكمن في مسألة الملف النووي الإيراني على وجه التحديد.
يذكر بأن الرئيس الأمريكي قد أعلن، في 22 مارس/آذار 2018 على تويتر، تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي خلفا لهربرت ماكماستر، حيث بولتون تسلم منصبه رسمياً في 9 أبريل/نيسان من نفس العام.
إزاحة عقبة
شغل بولتون عدة مناصب في عهد إدارتي الرؤساء رونالد ريغان وجورج بوش الأب وجورج بوش الإبن، في الفترة بين عامي 2001 و2009، وكان لبولتون دور فعال في دعم قرار غزو العراق، العام 2003، كما أصبح سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة في العام 2005.
تبنى جون بولتون استراتيجية الحرب الوقائية لحماية الأمن القومي، كما يعتبر من الداعين لإستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية، بخلاف تبني مواقف متشددة ضد روسيا. وما يعرف عن بولتون أنه أحد أبرز صقور البيت الأبيض، والمحافظين الجدد، الداعين أيضاً إلى الحرب مع إيران.
في هذا الشأن، علل مسؤولون أمريكيون أن عزل بولتون يزيح عقبة أمام إمكانية إجراء محادثات نووية بين الولايات المتحدة وإيران، في وقت يمكن القول بأن احتمالات أن يؤدي مثل هذا الحوار إلى نتيجة إيجابية لا تزال محدودة.
وفي هذا السياق، تنبأت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عما سيحدث على الساحة السياسية بعد انصراف أحد صقور الإدارة. فإزاحة المحرض على الحرب، أمر يدفع إلى الأمل في أن الرئيس ترامب يريد مستقبلاً تفادي مواجهات عسكرية، لكن أية ضمانة فعلية لهذا الأمر تبدو غير متوفرة. فالرئيس اتخذ منذ بداية ولاية حكمه، في الغالب، قرارات مندفعة ومترنحة. ومع مايك بومبيو ما زال يجلس في مقعد المؤيدون لشن هجوم على إيران، والكثير مرتبط الآن بمن سيعين الرئيس ترامب خلفا لبولتون إذ أن الحاجة باتت ملحة لشخصية معتدلة لتولي هذا المنصب.
سابقة لن تتكرر
من أبرز الإقالات والإستقالات في عهد الرئيس ترامب، إستقالة مايكل فلين، مستشار الأمن القومي في العام 2017، على خلفية إتصالاته مع روسيا بعد أقل من شهر على تسلمه منصبه، أعقبه إقالة سالي ياتس، وزيرة العدل بالوكالة، في العام نفسه، على خلفية رفضها الدفاع على قرار الرئيس ترامب منع سفر رعايا بعض الدول إلى الولايات المتحدة، ومن ثم إقالة، جيمس كومي، أيضاً كبير مستشاريه للشؤون الإستراتيجية، ستيف بانون، نفس العام.
إلى ذلك، أقيل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي أيضاً في العام 2017، بذريعة إعطاء كومي معلومات غير دقيقة للكونغرس بشأن رسائل البريد الإلكتروني الخاص بوزير الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون. كما أقيل المتحدث بإسم البيت الأبيض، شون سبايسر، في العام 2017.كما إستقالت هوب هيكس، مديرة الإتصالات في البيت الأبيض، التي كانت إحدى أكثر مساعدي الرئيس ولاء إذ عملت لصالح عائلته منذ العام 2012. سبقها في ذلك إستقالة كل من مايك دوكي وأنتوني سكاراموتشي من إدارة الإتصالات في البيت الأبيض أيضاً. إستقالة كبير موظفي البيت الأبيض، رينس بريبوس، العام 2017.
أيضا إقالة مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر، في العام 2018، ووزير شؤون المحاربين القدامى ديفيد شولكين تمت إقالته في نفس العام، كما وأقيلت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، في العام 2019، ليليها جون بولتون مستشار الأمن القومي قبل أيام قليلة.
وقد شهدت إدارة الرئيس ترامب استقالة عدد من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية في مقدمتهم وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، بعد أن إتسعت فجوة الخلافات بينه وبين الرئيس بشأن السياسة الخارجية، وإستقال عدد كبير من الموظفين في مختلف المناصب الإدارية بالحكومة الأمريكية.
أخيراً، إن إقالة جون بولتون، جلبت السعادة للمعسكر المعادي للولايات المتحدة، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى إنفتاح الرئيس على حل الأزمات العالقة، سواء مع فنزويلا أو الملف النووي الإيراني، وغير ذلك، بعد أن ضاق ذرعا بأماني بولتون الذي يفضل الحل العسكري على السياسي الأمر الذي خلق نوعاً من العداء المضاعف لواشنطن. لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا أنه وبغياب بولتون سيتحسن الوضع وتتغير السياسات الأمريكية، إلا أن بارقة أمل تلوح في الأفق، لإنهاء الحقبة الدموية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الميادين – بي .بي.سي – سكاي نيوز عربية.