إبراهيم شير*

الإيغور تحولوا من مواطنين صينيين إلى “إرهابيين” بفضل تركيا.. في العام 2009، خرجت احتجاجات واسعة في إقليم “شينجيانغ” الصيني، أو ما كان يعرف بـ “تركستان الشرقية” ذي الأغلبية المسلمة من قومية الإيغور ذات الأصول التركية، وهو ما دفع السلطات الصينية إلى إخمادها بطريقة أو بأخرى. ويدّعي سكان الإقليم بأن هناك محاولات لتهميشهم من قبل بكين.

الصين، وبالرغم من إنهائها ملف الأزمة في ذلك العام، تعمدت، بصورة غير مباشرة، إلى “غض الطرف” عن عملية سرية قامت بها أنقرة داخل هذا الإقليم هدفت إلى ترحيل جزء من سكانه إلى تركيا وتوطينهم فيها. ووفقاً لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد وصل عدد الإيغور في بلاده خلال أشهر معدودة من العام 2009 إلى 300 ألف نسمة، حيث تم تجنيس عدد كبير منهم وتجنيدهم بالجيش أو إقامة مواقع عسكرية خاصة بهم، ومن ثم تم إسكانهم في المناطق الجنوبية المقابلة لمناطق الكرد في تركيا.

مع اندلاع الأزمة السورية، وجدت أنقرة أن الفرصة قد حانت لزجهم في أرض المعركة ليكونوا ذراعها العسكري، ووقتها أصدرت فتاوى تحليل قتالهم في سوريا تحت عبارة “الجهاد” وأن هذه الأرض هي أرض “هجرة”، كما فعل النبي (ص) عندما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة وهناك أعد العدة واستقوى وعاد إلى مكة لفتحها.

من هنا، قال المشايخ إن سوريا هي بمثابة “المدينة المنورة”، ويجب أن تقوى شوكتهم فيها ويعدوا العدة ويسقطوا الدولة السورية التي هي حليفة بكين عدوهم الأول، وبعد كل هذا يعودون إلى بلدهم من أجل تحريرها من الصينيين. هذا التسويق الديني والشرعي، استقطب الألاف إلى الساحة السورية ليشكلوا “الحزب الإسلامي التركستاني”.

هذا الفصيل الجديد تم الزج به في شمال غرب سوريا وتحديداً في المناطق التي يعيش فيها التركمان لأنه عمقهم القومي التركي، وكانت أولى عملياته الكبرى هي الهجوم على ريف اللاذقية الشمالي العام 2015 ومن ثم الانضمام مع “جيش الفتح”، للسيطرة على إدلب في نفس العام. ومنذ إعلان اتفاق “أستانا”، عملت أنقرة على الزج بالإيغور في المناطق التي شملها الاتفاق مثل جسر الشغور وغيرها الحدودية بين حماة وإدلب واللاذقية وصولاً إلى الحدود التركية.

الإيغور بالرغم من الخدمات الكبرى التي قدموها للمسلحين في سوريا إلا انهم كانوا سلاحاً ذو حدين، أولاً بسبب عددهم الكبير وهو ما جعلهم يهجرون أهالي قرى ريف إدلب واحتلالها؛ وثانياً، بسبب المعاملة التركية الخاصة لهم والحصانة التي يتمتعون فيها من قبل المخابرات التركية، والسلاح النوعي الذي ترسله لهم أنقرة.

من هنا، إن أي عملية عسكرية ضد الإيغور ستكون مفصلية لأنهم يشكلون خط الدفاع الأول عن محافظة إدلب لكنها لن تكون سهلة لعدة أسباب أهمها أنهم مقاتلون شرسون، ومن ثم الدعم التركي المطلق لهم، والجميع يذكر أن مدفعية أنقرة تدخلت لقصف الجيش السوري عندما بدأ بتحرير ريف اللاذقية قبل عامين، وأيضا بسبب التسليح الكبير الذي يتمتعون به وبحسب التسريبات فقد حصلوا على أسلحة كيميائية من أنقرة خلال الأسابيع القليلة الماضية.

الإيغور وبفعل التدخل التركي تحولوا إلى إرهابيين في سوريا، وهناك مخاوف من أن يتحول الروهينغا من مظلومين في بورما إلى إرهابيين في دولة ما، بفعل تدخل أنقرة خصوصاً بعد جلبهم إلى تركيا خلال الأشهر الماضية. أي بات التدخل التركي مثل “السرطان” في جسد أي أمة أو طائفة أو فئة ما في العالم، فيجعل منها هذا التدخل عبارة عن قنبلة موقوتة ومضبوطة على توقيت أنقرة.

إن التواجد الأجنبي في الشمال السوري بدأ بالإيغور ووصولاً إلى الأوروبيين ومروراً بالعرب، له سلبيات كبيرة على مستقبل البلاد أهمها التغيير الثقافي لأبناء هذه المنطقة ويقصد هنا محافظة إدلب وهو ما يخيف على المدى البعيد خصوصاً مع الأفكار المتطرفة التي زرعت في تلك المنطقة، ومن ثم مشكلة “نسب الأطفال” الذين هم من أم سورية وأب أجنبي، وهو ما سيؤدي بنهاية المطاف إلى خروج أطفال مجهولي النسب، وهذه الأزمات قد لا تخرج الآن لكنها مع الوقت قد تشكل كارثة كبيرة على المنطقة ككل.

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصورة: موقع عنب بلدي.