عمر متولي الخياط*
إسرائيل، التي تشهد ثالث إنتخابات في أقل من عام، تعيش اليوم أزمة سياسية خانقة قد تعصف بوجوه بعض الساسة من على الساحة السياسية. فلقد أظهرت النتائج الرسمية الأولية تقدم رئيس حكومة تصريف الأعمال وزعيم “حزب الليكود” المتهم في قضايا فساد، بنيامين نتنياهو، في الإنتخابات، 3 مارس/آذار 2020، لكن لم يكن هذا التقدم كافياً لتشكيل الحكومة المقبلة حيث أسفرت نتائج الإنتخابات الأولية عن حصول حزبه على 35 مقعداً من مقاعد الكنيست، التي يبلغ عددها 120 مقعداً، بينما حصل حزب “حزب أزرق أبيض”، بزعامة رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، على 32 مقعداً. كما شهدت النتائج إلى تقدم ملموس لـ “القائمة العربية”، التي تضم أربعة أحزاب عربية، حيث إستطاعت الحصول على 14 مقعداً لتأتي في المركز الثالث ضمن قائمة الأحزاب الإسرائيلية.
نتنياهو الذي يقترب من الولاية الخامسة له، كأطول رئيس وزراء، يمكث في منصبه طوال هذه المدة متفوق على ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل. كما يقولون، كسب نتنياهو المعركة لكنه لم يكسب الحرب، فلقد استطاع منع منافسه الأقوى، أي حزب “أزرق أبيض”، من تشكيل الحكومة المقبلة لعدم حصوله على الأغلبية الكافية ليعزز فُرصَه بالبقاء على رأس الحكومة المقبلة، التي تعد “حصنه المنيع” ضد قضايا الفساد التي تلاحقه.
تحالف نتنياهو مع الأحزاب الدينية قد يمكنه من تأمين 59 مقعداً فقط، مما يرجع الوضع للمربع الأول. هذا العدد من المقاعد هو أقل من 50%+1 اللازمة لتشكيل الحكومة، مما يعني عدم وجود مرشح قادر على تشكيل الحكومة؛ لذلك، فإن الإنتخابات الرابعة لا تبدو مستبعدة حيث بدأ نتنياهو بالعمل على استقطاب أعضاء من أحزاب المعارضة ليتمكن من تأمين الـ 61 مقعداً اللازمين لتشكيل الحكومة.(1)
تراجع غانتس وتفوق نتنياهو
غانتس، وحزبه الذي حاول استنساخ أفكار نتنياهو، تبنى نفس المشروع والتوجهات اعتقاداً منه أن هذه الخطوة قد تكون سبباً في حصوله على مزيد من الأصوات، لكنه لم يتوقع أن تكون هذه الخطوة سبباً في فقده لمزيد من المقاعد كما أشار محللون. السؤال هو: لماذا أنتخب التقليد أو النسخة؟ سأنتخب صاحب الأفكار الأصلية. تفكير الناخب الإسرائيلي هذا زاد من نسب التصويت لصالح حزب “الليكود”، بزعامة نتنياهو.
موضوع ذا صلة: الإنتخابات الإسرائيلية: رهانات التجديد لإئتلاف اليمين
بالنسبة إلى الأخير، إن استهدافه للفئة التي لم تصوت في الإنتخابات السابقة والتلويح بالتقدم الذي حققه في خطة السلام الأمريكية كما خططه الإستيطانية، كان لهم نصيباً كبيراً. كل هذه العوامل، ساعدت نتنياهو على زيادة نسب التصويت له ولحزبه. وكما أشار بعض المحللين، إن الشارع الإسرائيلي شارع يميني بالأساس يميل إلى جانب الأحزاب اليمينية خاصة بعد تصدير نتنياهو لعدد من المشاكل الأمنية التي تواجه إسرائيل.
سيناريوهات محتملة
أمام هذا الوضع السياسي المتأزم، يبرز سؤال ما إذا كان الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، سيكلف نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة، في حين يدرك أنه غير قادر على ذلك خاصة بعد عدد من التصريحات لرؤساء الكتل الأخرى مثل أفيغادور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي صرح بأنه لن يشارك أو يصوت لحكومة على رأسها نتنياهو.
يبدأ ريفلين، الأسبوع المقبل، مشاوراته مع الأحزاب الفائزة بالإنتخابات لتحديد هوية المكلف بتشكيل الحكومة. وأمام المكلف بتشكيل الحكومة فترة 28 يوماً، يمكن تمديدها بموافقة الرئيس الإسرائيلي لـ 14 يوماً إضافية، قبل تكليف مرشح آخر بتشكيلها في غضون 28 يوماً.
في ظل الوضع القائم، أمام نتنياهو خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية مع “أزرق أبيض”، برئاسة بيني غانتس، أو ضم حزب “إسرائيل بيتنا”، برئاسة افيغدور ليبرمان، إلى حكومته أو محاولات ضم نواب من المعارضة إلى ائتلافه، وهو ما يسعى إليه بعد ما بدا بأن الطريقين الآخرين مسدودان حيث سبق وتم إختبارهما في الإنتخابات السابقة.(2)
أما السيناريو الثالث فهو الإطاحة بنتنياهو من رئاسة الحكومة عن طريق بوادر اتفاق بين غانتس وليبرمان على تشكيل حكومة إئتلافية. الإثنان يجمعهما رفضهم لنتنياهو وضرورة تقديمه للعدالة لما اقترفه من جرائم فساد مخلة بالشرف والأمانة. لذلك، ترجح وسائل إعلام إسرائيلية أن غانتس سيحاول بناء ائتلاف حاكم، يضم ممثلين عن “أزرق أبيض” و”إسرائيل بيتنا” و”حزب العمل”، بالإضافة إلى حزبي “غيشر” و”ميرتس” اليساريين. كما أنه من المتوقع أن يجتمع قادة “القائمة المشتركة” ذات الأغلبية العربية، وهي ثالث أكبر قوة في الكنيست الجديد، في مدينة كفر قاسم لبحث إمكانية دعم ترشيح غانتس لرئاسة الحكومة، ما يعد إنقلاباً على كافة الخطط التي وضعها نتنياهو للفوز برئاسة الحكومة.(3)
*باحث مصري
المراجع:
(1) الأزمة السياسية في إسرائيل.. انتخابات تشريعية أخرى “غير حاسمة”. 2/3/2020. سي.أن.أن عربية. على الرابط التالي:
https://cnn.it/3364CuQ
(2) عبد الرؤوف أرناؤوط. 6/3/2020. الانتخابات الإسرائيلية.. عودة إلى المربع الأول (تحليل). الأناضول. على الربط التالي:
https://bit.ly/38AtaIw
(3) جانتس يقبل شروط ليبرمان لبدء مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. 8/3/2020. الشروق. على الربط التالي:
https://bit.ly/3cJoR5E
مصدر الصورة: نيويورك تايمز.
موضوع ذا صلة: إسماعيل: خيارات إسرائيل.. حكومة وحدة وطنية أو إنتخابات ثالثة