إعداد: يارا انبيعة
دون التوقيع على أية اتفاقية تجارية أو استثمارية بين البلدين وبعد حلولها على رأس وفد ضخم ضم رجال أعمال حضروا منتدى الأعمال الجزائري – الألماني، أنهت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زيارتها الثانية إلى الجزائر كما بدأتها في المجال الاقتصادي.
زيارة المستشارة الألمانية دامت نحو 8 ساعات، طغى عليها ملف المهاجرين الجزائريين المقيمين بطريقة غير شرعية في ألمانيا، وبلغ عددهم 40 ألف شخص، وقضايا أخرى إقليمية مثل الأزمة الليبية، على حساب تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. واعتبرت ميركل زيارتها للجزائر”بناءة جداً”، مؤكدة دعم بلادها لسياسة تعزيز الاستقرار التي تنتهجها الحكومة الجزائرية، غير مراقبين يعتبرون هذا الاستقرار هشاً ومرتبطاً بوضع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقه، الصحي.
ترحيل مبرمج
جاءت زيارة ميركل في وقت يحتل فيه الجدل حول قضية اللجوء إلى ألمانيا وأوروبا مكانة محورية. ففي السنوات الماضية، قامت ألمانيا بترحيل عدد من الجزائريين إلى بلدهم وصل عددهم، في العام 2015، إلى 57 شخصاً ليرتفع، في العام 2017، الى 504، كما وتفيد تقارير إعلامية أن عدد المُبعدين هذا العام (2018) وصل إلى نحو 350 شخصاً. هذا وتعتزم الجزائر استقبال المزيد منهم، حيث أكد رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، ان بلاده ستعيد رعايها المتواجدين في ألمانيا بصورة غير شرعية، مهما بلغ عددهم.
إن إصرار ميركل على وضع ملف ترحيل المهاجرين الجزائريين، وعددهم أقل من 4 آلاف، أحبط كثيراً من الرهانات التي سبقت الزيارة المتبوعة بزيارة لأربعة دول افريقية تحت “قبعة” المفوضية الأوروبية للهجرة، التي كلف بها الاتحاد الأوروبي المستشارة الألمانية.
لقد كان واضحاً انزعاج رئيس الحكومة الجزائري من اللهجة التي تطرقت بها ميركل لملف ترحيل المهاجرين الجزائريين، مع كل ما قدمته الجزائر من تسهيلات في إدارة الملف، ليصر بدوره وبلهجة عالية النبرة على أن الجزائر مستعدة لاستقبال أبنائها كيفما كان عددهم، شريطة احترام ألمانيا لمطلبين رئيسيين وهما “تحقق الجزائر المسبق من هوية المرشحين للترحيل، وتنظيم الترحيل في ظروف تضمن لهم حقوقهم وكرامتهم، مع رفض الترحيل عبر رحلات شارتر المهينة.”
ولقد اتفق الجانبان على ترحيل قرابة 3700 جزائري مقيم بطريقة غير شرعية إذ تم التوصل لصيغة يتم بموجبها ترحيل 5 جزائريين في كل رحلة للخطوط الجوية الجزائرية قادمة من برلين أو فرانكفورت نحو الجزائر، في حين رفضت الجزائر ترحيل رعاياها في طائرات خاصة “شارتر” لا تتوفر على شروط السفر المريحة.
هذا ولم يأت البيان الختامي لهذه الزيارة بجديد، فإن المستشارة الألمانية تكون قد أضاعت على البلدين فرصة وضع العلاقات بين ألمانيا والجزائر في مسار سليم يستثمر في الفرص الهائلة المتاحة للبلدين سواء فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وما تتوفر عليه الجزائر من فرص جيدة للاستثمار والاستهلاك أو فيما يتعلق بالفرص التي تمنحها لشركائها للتوغل في القارة السمراء.
ثالث شريك إقتصادي
التعاون الاقتصادي كان حاضراً في زيارة ميركل، حيث أعلن الوزير الأول أويحيى “إن ألمانيا تعتبر ثالث شريك للجزائر بحوالي 4 بلايين دولار سنوياً، أما بشأن الاستثمار، فالإقلاع الذي حققته الجزائر في الصناعة الميكانيكية كانت على يد شركات ألمانية كبيرة، وشركة مرسيدس مثال قوي، وأيضاً في القطاع الخاص بالشراكة مع المتعامل سوفاك لتركيب السيارات”، وأشار أويحيى إلى أنه “لا يوجد سوق محتكر لأي طرف كان”، وكان هذا رداً على سؤال منح الجزائر الأولوية للشريك الفرنسي في أوروبا.
بدورها، قالت ميركل بأن التعاون الاقتصادي المشترك اصبح “وثيقاً جداً” وقد تطور كثيراً في الـ 10 سنوات الأخيرة، وألمانيا مهتمة كثيراً بخطة الجزائر لتنويع اقتصادها، وأضافت “كما أننا بصدد إنهاء مشروع تعاون في المجال الثقافي لإنشاء المعهد الثقافي “غوتيه”، إلى جانب التعاون الأمني في مجال محاربة الإرهاب.”
وأشادت ميركل بالجهود التي بذلتها الجزائر في مالي وليبيا، فالجزائر بلد آمن، كما أنه أكبر بلد في إفريقيا بحدود تتجاوز 2.36 مليون كلم مربع، ومحيطها يشهد نزاعات، وما قدمته الجزائر لإنهاء الأزمة في ليبيا كبير جداً ويتوافق مع نظرتنا في هذا البلد ونسير بخطى واحدة وموحدة، ولذلك نريد تعاونا أكبر بين الجزائر والإتحاد الأوروبي في المجال الأمني.
النفط مصدر “ضعف”
أشارت المستشارة الألمانية إلى أن الجزائر “مرت بطريق صعب بعد تراجع عائدات النفط، إلا أنها استطاعت أن تتجاوز هذه الأزمة”، وتابعت “للأسف الجزائر بلد يعتمد كثيراً على عائدات النفط، وألمانيا مستعدة لمساعدة الجزائر على تنويع اقتصادها”.
من جانبه رفض، أويحيى تصنيف ألمانيا لبلاده ضمن خانة “الشريك الضعيف” مستدلاً بالأرقام التي تضع برلين في الصف الثالث ضمن قائمة الشركاء التجاريين، مشيراً إلى عدد المشاريع التي تم تنفيذها، في انتظار التوقيع على 20 اتفاقية أخرى يجري التفاوض حولها بين رجال الأعمال من البلدين.
لا مبالاة إقتصادية
كشف رجل الأعمال الجزائري، محمد جمال زغبار الذي حضر المنتدى، أنه تم وضع برنامج لعقد لقاءات ثنائية بين رجال أعمال جزائريين وألمان خاصة في مجال صناعة الأدوية والصناعات التكميلية للسيارات وقطاع الخدمات والمناولة، على أن ينتهي المنتدى بتوقيع 20 اتفاقية.
وتابع زغبار أن المفاجأة كانت بإلغاء حضور ميركل “ما أفرغ المنتدى من محتواه، وتحول إلى حصة تعارف فقط”. ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن الحسابات السياسية للسلطة الجزائرية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية جعلت الطرف الجزائري يستجيب للضغط الذي مارسه الطرف الألماني، الذي أراد الزيارة أن تكون لمعالجة ملف واحد وهو ملف المهاجرين غير الشرعيين.
بحسب الخبير الجزائري فإن ألمانيا لا تبدو متحمسة لانطلاق استثمارات جديدة في الجزائر، خاصة بعد نجاحها قبل 3 سنوات في اقناع الجزائر بضرورة فتح مصنعين لـ “فولكس فاغن” و”مرسيدس”، بالإضافة لمشروع الطاقة الشمسية بقيمة مليار دولار سنة 2012.
وحسب بيانات رسمية، تنشط في الجزائر أكثر من 200 مؤسسة ألمانية في مختلف القطاعات، كما تحتل ألمانيا المركز الرابع في قائمة الدول المصدرة للجزائر، بقيمة 2.3 مليار دولار سنة 2017، في حين تشير أرقام الجمارك الجزائرية، إلى أن الدولة استوردت في الأشهر السبعة الأولى من العام 2018، نحو 1.9 مليار دولار (1.6 مليار يورو) من المنتجات الألمانية.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: دي دبلو.