أمجد إسماعيل الآغا*
كثيرة هي التكهنات والتحليلات المرافقة لمسار التطورات السياسية والميدانية بشأن مصير إدلب، فهي تأتي في السياق الطبيعي لأكبر أزمة عالمية في القرن الـ 21، فتأثير المعركة باعتبارها آخر المعارك المصيرية في سوريا سيكون سبباً في حسم الكثير من المعادلات المرتبطة ليس بمستقبل سوريا فحسب بل ستشمل التأثيرات مستقبل الشرق الأوسط كاملاً فضلاً عن جُملة المصالح المتناقضة والمختلفة للجهات الخارجية والمستفيدين من هذه الحرب.
إن التعقيدات المرتبطة بعميلة تحرير إدلب تأتي ضمن إطار الخوف الذي يعتري أعداء دمشق لجهة نهاية الحرب عليها، الأمر الذي سيؤدي إلى إخراجهم من دائرة التأثير في المعادلات الإقليمية والدولية، وبالتالي فإن الإجماع من الجهات الدولية المنضوية في محور أعداء سوريا على تهويل العملية العسكرية في تلك مرتبط بشكل مباشر بضرورة الحفاظ على المصالح الإستراتيجية للغرب في منطقة غرب آسيا، وهو ما يُفسر دافع الغرب الكبير لفرملة العملية العسكرية تحت ذريعة “الكارثة الإنسانية” التي قد تلحق بالمدنيين هناك.
من جانبها، ترغب الولايات المتحدة في إطالة أمد الحرب، وعدم تمكين الجيش السوري من بسط نفوذه على كامل الجغرافية السورية، خاصة في ظل غياب واضح للسياسة الأمريكية بعد عملية إدلب. أما تركيا، فإن انطلاق المعركة، قبل التمكن من تحييد فصائلها عن “جبهة النصرة”، سيفقدها أهم أوراقها في الشمال السوري، وسيعرض أدواتها لهجمات الجيش وحلفائه ويضعف نفوذها.
في سياق التطورات السياسية التي أسست لجُلمة من التفاهمات فيما يخص ملف إدلب، عُقدت “قمة سوتشي” التي تم التوصل فيها إلى صيغة تفضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وعلى امتداد خط التماس بين الجيش السوري والفصائل الإرهابية، وهذا التطور يُشكل خرقاً استراتيجياً لمحاولات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للعبث بالجغرافية السورية عبر أدواته الإرهابية، الأمر الذي سيؤسس لحل ملف إدلب تمهيداً لعودتها إلى السيادة السورية.
من جانبها، رحبت الدولة السورية بالاتفاق، الذي أعلن عنه في مدينة سوتشي الروسية، وأكدت بأنه كان حصيلة مشاورات مكثفة بين دمشق وموسكو وبتنسيق كامل بين الجانبين، ما يعني أن الانتصارات الميدانية السورية فرضت ضغوطاً سياسية لجهة أعداء سوريا. وعلى قاعدة “ما يُنجز في الميدان يُترجم في السياسة”، جاءت نتائج “قمة سوتشي” لتضع تركيا في عنق الزجاجة، فإما أن تنضم إلى المحور السوري للقضاء على الإرهاب، وإما أن تقف إلى جانب الفصائل الإرهابية.
وضمن هذين الخيارين، يبدو أن الرئيس التركي وجد ضالته في التعاطي بإيجابية مع الروس عبر فرضية الفرصة الأخيرة التي قُدمت من جانب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ هذه الفرصة تعطي أردوغان دوراً في الحل السياسي السوري لكن بالتنسيق الكامل مع دمشق. ولا شك بأن الثمن الذي قدمه أردوغان كان باهظاً لجهة التخلي عن بيادقه في إدلب، لكن في مقابل ذلك فإن تركيا حصلت على ورقة الكرد، ما يسمح لها بتحقيق السيناريو الذي تطمح إليه والمتعلق بمنع الكرد من إنشاء كيانهم المتاخم لتركيا.
وبالتوازي مع الانتصار السياسي في سوتشي، يبدو أن الكيان الاسرائيلي قرأ مفاعيل القمة مُبكراً ليقوم بالعدوان على سوريا، في خطوة تؤكد حجم وعمق المأزق الإستراتيجي ليس للكيان الإسرائيلي فحسب، بل لواشنطن أيضا التي سلمت بالإنتصار السوري وتفاهمات سوتشي، ليأتي الرد السوري المزدوج في السياسية والميدان، عبر التأكيد على متانة الحلف السوري – الروسي من جهة؛ ومن جهة أخرى، مساعدة الروس للدفاعات الجوية السورية بالتصدي للعدوان.
ختاماً، إن الثابت في قضية معركة إدلب أن الجيش وبدعم من روسيا وإيران، قد اتخذ قراراً لا رجعة فيه بتطهير كامل الأراضي السورية من الإرهاب، حيث أن استمرار الوضع المتأزم في سوريا وتأخير إنهاء ملف إدلب، سيمنح الدول الغربية وحلفاءهم الإقليميين، كبعض الدول الخليجية، هامشاً كبيراً للتدخل في الشأن السوري أكثر من أي وقت مضى. لهذا السبب، تصرّ سوريا وحلفاؤها على ضرورة حل قضية إدلب بأي ثمن كان، وما يُفهم من اتفاق “بوتين – أردوغان” أنه أجهض الحملة الأمريكية والغربية على سوريا وإيران وروسيا، وكذلك من شأنه تعميق الشرخ والانقسام بين محور دول العدوان، عدا عن تجريدها للجماعات الإرهابية من أسلحتها وإبعادها عن مراكز التجمعات السكانية وحشرها في شريط جغرافي، يفصلها عن المدنيين، وبما يجعل القضاء عليهم.
وهنا، لا تستطيع الدول المعارضة لإتفاق سوتشي القيام بأي شيء بإستثناء خلق سلسلة من التحديات أو عرقلة أي تطور عسكري سوري يُقرب الأمور من نهايتها، أو عمليات محدودة وغير فعالة عسكرياً. لذلك، باتت كل الدول المعتدية تُعيد ترتيب أوراقها السياسية بناء على الانتصارات السورية.
*كاتب وإعلامي سوري.
مصدر الصورة: وطني برس.