إعداد: يارا إنبيعة
وسط محاولة لإحياء الرابطة التي تضم دولاً من جنوب وجنوب شرق آسيا، أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، التزام بلاده العمل مع دول رابطة “بيمستك” في مختلف المجالات. وعلى الرغم من ان الرابطة كانت موجودة منذ أكثر من عشرين عاماً، الا انها لم تكتسب اي زخم خلال فترة طويلة من الزمن. ولكن في السنوات القليلة الماضية، ازداد التركيز عليها بإعتبار انها يمكن ان تشكِّل تجمعاً يمثل ليس فقط قضايا جنوب آسيا، بل يهدف ايضاً الى تعزيز الإتصال بين دول جنوب شرق القارة.
إعلان “كاتماندو”
للعلم، يعد تجمع “بيمستك”، أو “خليج البنغال للتعاون التقني والإقتصادي متعدد القطاعات”، تجمعاً إقليمياً يضم سبع دول وهي الهند وبنغلاديش وسريلانكا وتايلاند وبوتان ونيبال وميانمار، وقد اُنشىء في العام 1997. ويقدر عدد سكان دوله مجتمعة نحو 1.5 مليار نسمة، بينما يبلغ إجمالي الناتج المحلي 3.5 تريليون دولار.
في قمة “بيمستك” الأخيرة، التي عقدت في مدينة كاتماندو النيبالية ما بين 30 – 31 أغسطس/آب 2018، لم يحدث رئيس الوزراء مودي فقط عن الروابط التجارية، بل أيضاً عن العلاقات في المجالات الاقتصادية والرقمية، علاوة على النقل، والأهم من ذلك كله العلاقات بين الشعوب، اذ اوضح مودي ان الهند تعمل مع دول “بيمستك” من اجل تعزيز العلاقات الإقليمية.
ومن ناحية اخرى، وقعت البلدان السبعة اتفاقية لإنشاء شبكة الربط البيني لتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الدول الأعضاء. وفي “إعلان كاتماندو”، الذي صدر عقب المباحثات، وصفت الهند والدول الأعضاء الست الأخرى الإرهاب بإعتباره يمثل تهديداً كبيراً للسلام والأمن الدوليين، مركزة على معارضة دعم الإرهاب من قبل جهات حكومية أو غير حكومية. كما دعا الإعلان الى تحديد ومساءلة اي كيان رسمي أو غير رسمي يعمل على تشجيع او دعم او تمويل الإرهاب، وتقديم الملاذ لهم، ويشيد بفضائلهم زوراً.
قوة إقليمية
خلال القمة، دفعت الهند من اجل التواصل الإقليمي وتعزيز التعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات، وفي الوقت نفسه دعم التواصل التجاري والاقتصادي، ومن اللافت انه قد ازداد تركيز الهند على هذا التجمع مع وجود نية ترمي الى ابرازه كمنظمة إقليمية قد يكون لها تأثير ايجابي كبير في السنين المقبلة.
“هيمنة” صينية
لمثل هذه المبادراة اهمية بالنسبة للهند، حيث أنها تتطلع للصعود كقوة إقليمية. لذا، فهي تعمل على تحسين العلاقات والتجارة مع البلدان في الجوار المباشر وما ورائه، حيث تعد منطقة جنوب شرق آسيا، من الناحية الإستراتيجية، جزءاً مهماً من جهود الصين لتعزيز الروابط سواء كانت في التجارة او بين الشعوب.
هذا ويُنظر للتجمع على انه منتدى تستطيع منه الهند زيادة نطاق نفوذها. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر سيستغرق وقتاً حتى تبرز رابطة دول “بيمستك” كصورة عن الاتحاد الأوروبي او مجموعة آسيان، وهذا يعتمد بشكل كبير على قدرة الدول الأعضاء في الحفاظ على الزخم بعد نهاية اعمال القمة الأخيرة.
بالنسبة للهند، يعد تجمع “بيمستك” مهماً لمواجهة النفوذ المتنامي للصين التي ما زالت مستمرة في تعزيز وجودها في الجوار الهندي حتى المحيط، في الجنوب، وصولاً الى بلدان نيبال وبوتان الجبلية في الشمال.
وقد كانت الصين تتحرك بخطى سريعة من خلال مبادرتها “حزام واحد طريق واحد” لإقامة تواصل مع اجزاء مختلفة من العالم، حيث تلعب منطقة جنوب آسيا دوراً كبيراً في مشروع الاتصال الضخم هذا الذي كشفت عنه الصين، في سبتمبر/ايلول 2013. بالنسبة للهند، التي ما زالت لا تتمتع بالقدرات المالية التي تملكها الصين، لكنها تعد رابطة دول “بيسمتك” منتدى يمكن لنيودلهي من خلاله الدفع بعدد من المشروعات الحيوية ايضاً.
ترويض لـ “الفيل الهندي”
السؤال الحقيقي المطروح، هل تستطيع الصين التخلي عن سعيها للنفوذ إقليمياً، وربما عالمياً؟ من خلال تصريحات المسؤولين فيها، يظهر بأن الصين لا تسعى الى فرض سيطرتها بالقوة على دول الجوار، او الاستحواذ على اراضيها، في حين يرى بعض المراقبين بأن هدفها اعمق من ذلك بكثير، فهي تسعى لفرض نفوذها السياسي لتصبح المحرك الرئيسي وصاحب حق “الفيتو” الوحيد في منطقتها، عبر السيطرة الإقتصادية والمالية على دول الجوار الأكثر فقراً، ويرون أن “التنين” الصيني يحاول ترويض “الفيل” الهندي ليفتح الطريق امام بكين لتحقيق حلم السيطرة، خاصة ان النفوذ والقوة الإقليمية هي الطريق الأمثل لتحقيق القوة والسطوة العالمية.
غير ان ما يفوت هذا البعض، أن نيودلهي تمتلك الكثير من سُبل المواجهة خصوصاً بما تمتلكه من “عقول تكنولوجية” لها الآلاف من الانجازات المهمة سنوياً حيث تعتمد الكثير من الشركات العالمية على العقول الهندية خصوصاً في تنفيذ عقود التكنولوجيا. ايضاً، تعتبر الهند دولة نووية حيث انها تمتلك هذه القوة من زمن طول مما يجعلها قادرة على ردع اية محاولات للهيمنة او السيطرة. اضافة الى ذلك كله، لا يمكن اغفال موضوع التعداد السكاني، اذا تشير بعض المصادر الرسمية بأن عدد السكان بلغ بحدود 1.3 مليار نسمة، وهو ما يعطي هذا البلد العنصر البشري القادر على التغيير خصوصاً اذا ما تم دمجه وتوظيفه مع العنصر التكنولوجي.
منافسة حامية
يرى بعض المراقبين بأن الهند والصين ما زالا في حالة تنافس علني على النفوذ في بعض مناطق المحيط الهادئ، مثل سريلانكا والمالديف، وخليج البنغال، مثل ميانمار ونيبال وبنغلاديش. وحتى وقتنا هذا، كانت المنافسة تعتمد الى حد كبير على آليات اقتصادية وتجارية، خاصة مشاريع الموانئ وخطوط انابيب الطاقة. من هنا، يحاول رئيس الوزراء الهندي، منذ وصوله الى السلطة في العام 2014، عبر توسيع علاقاته مع الإقليم لتشمل مجمل منطقة المحيط الهندي، في مسعى واضح لتعزيز الأنشطة الهندية مع بلدان المحيط لإستعادة “الفضاء الإستراتيجي” الذي كانت تخلت عنه للصين، التي عززت وجودها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، عبر توسيع مصالحها التجارية حول الحافة الجنوبية لأوراسيا، والمشاركة بشكل مباشر في تمويل وتشييد موانئ في ميانمار وسريلانكا وباكستان، على المحيط الهندي.
ورغم ان هذه الموانئ هي منشآت تجارية وغير مصممة لتكون قواعد بحرية، الا ان الأمر يصبح اكثر اهمية نظراً لواقع التنافس على المحيط الهندي.
بينما تتخوف الهند من اهتمام الصين المتزايد ببعض تلك المناطق التي تعتبر في السابق بمثابة “العمق التقليدي” لها، فضلاً عن الإنشغال الهندي بتنامي قوة البحرية الصينية ووصول اسطولها الى مياه المحيط، بحيث بات التمدد الصيني مصدر قلق ليس بالنسبة للهند فقط، بل للقوى الأخرى في المنطقة، لا سيما تمدد بكين الواضح في بحر الصين الجنوبي، الذي بات مبعث توجس حقيقي لدول عدة مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا واليابان، وايضاً بالنسبة لبلدان بعيدة، مثل الولايات المتحدة.
في هذا السياق، من الواضح ان التنافس الصيني – الهندي يتجسد في عدة دول. ففي بنغلاديش، على سبيل مثال، ابرم مودي مع رئيسة وزراء بنغلاديش، شيخة حسينة، اتفاقية تبادل اراض لإنهاء نزاع حدودي طويل الأمد. وبموجب تلك الإتفاقية، ستتبادل الدولتان اراض بالقرب من الحدود بينهما، وتعهدت الهند بتقديم ملياري دولار لبنغلاديش من اجل تطوير البنية التحتية، ويأتي ذلك رداً من الهند على التواجد الصيني المتزايد في جنوب آسيا والذي يعتبر اساسه المساعدات المالية المخصصة لإنشاء البنى التحتية.
تعاون وتكامل
في منطق آخر مخالف، يرى بعض المحللين بأن هناك العديد من النقاط التي تجمع بين البلدين، الهند والصين، خصوصاً مع انضمام نيودلهي الى “منظمة شنغهاي للتعاون” في العام 2016 بعد ان كانت عضواً مراقباً فقط، والتي تعتبر اهم تجمع اقليمي في آسيا. ايضاً، ان الدولتين هما عضوين فاعلين في اتحاد “البريكس”، وهو اهم تجمع اقتصادي عالمي يجمع دولاً من قارات مختلفة، حيث تشير العديد من التقارير والمعلومات بأن “بنك البريكس”، المنوي انشاؤه بقيمة نقدية توازي الـ 100 مليار دولار، سيكون مقره في شنغهاي الصينية وحاكمه هندي الجنسية. اضافة الى ذلك وفي خلال عدة زيارات متبادلة، توجد بوادر اتفاق هندية – صينية على تسوية الخلافات الحدودية بينهم بالطرق الدبلوماسية والسلمية خصوصاً وان بكين ترى في الهند شريكاً مهماً واساسياً في مبادرة “الحزام والطريق” خاصتها وتعول عليها بشكل كبير.
ويضيف هذا الرأي بأن الطرفين، وبسبب التقارب الجغرافي والعدد السكاني الهائل، محكومون بالتوافق من اجل مواجهة العديد من الاخطار، لا سيما ظاهرة الارهاب التي تعاني منها دول وسط آسيا وليس الهند والصين فقط، اذ ان هناك تخوفات جدية من انتقال الارهابيين الى تلك الدول والقيام بأعمال تفجير وقتل. وبالتالي، على الدولتين التكاتف من اجل وضع استراتيجيات مشتركة كي تمنع مثل هكذا عمليات او تخفف منها،على اقل تقدير، خصوصاً مع وجود العديد من الاثنيات المختلفة فيهما مما يسهل عمليه تفجيرهما من الداخل.
اضافة الى ذلك، لا يمكن اغفال “العامل الروسي” من الموضوع. ففي مثال بسيط، نرى ان الهند ستكون شريكة في توريدات الغاز الروسية الذاهبة الى بكين عبر خط “قوة سيبيريا”، الذي من المتوقع ان يبدأ بالعمل في العام 2019. فهذا النوع من ترابط المصالح قد يشكل عاملاً مهماً في تمتين العلاقات المشتركة.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: deccanchronicle.com – سبوتنيك.